مع تبني دولة الإمارات العربية المتحدة العمل عن بعد كجزء من توجهها في اعتماد نماذج العمل المناسبة للمستقبل، والتي بدأت تفرض نفسها مع التطور التكنولوجي والتحول الرقمي، أنشأت وزارة دولة متخصصة بالذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد. وبدأت الدولة بتنظيم منتدى "عن بعد" هدفه متابعة نموذج العمل هذا بمختلف أشكاله، وتبادل الخبرات في مجاله في القطاعات الحكومية والخاصة.
ومع هذا التوجه المتصاعد، طرحت فورتشن العربية سؤالين على وزير الموارد البشرية والتوطين في دولة الإمارات، عبد الرحمن العور، أولهما كان التساؤل عن رؤية الوزارة لتحقيق التوازن بين تشجيع العمل عن بعد، والذي سيجعل الشركات تتجه للتوظيف عن بعد من خارج الدولة، والحاجة للتوطين وتوظيف من هم داخل الدولة. ثم سؤاله عما بعد نجاح تجربة العمل لأربعة أيام في إمارة الشارقة وإمكانية تعميمها على مستوى الدولة.
وفي الإجابة، اعتبر وزير الموارد البشرية والتوطين أننا نعيش اليوم في العصر الرقمي، حيث تستعين شركات تعمل في الإمارات بموظفين أو متعاونين من الخارج. وبالمقابل، تستعين شركات من الخارج بكفاءات مواطنة أو تعيش على أرض الإمارات، فضلاً عن أن الشركات الدولية متعددة الجنسيات تستعين أصلاً بموظفيها العاملين في مختلف مكاتبها المنتشرة حول العالم. وبالتالي، فإن الموضوع ليس جديداً ولا يقتصر على أنظمة العمل عن بعد التي ظهرت بشكل كبير في مرحلة كوفيد-19 وما بعدها، مؤكداً أن الإمارات تنظر إلى هذا الوضع على أنه امتياز إضافي يرتقي بنجاحات الشركات العاملة فيها ويثريها بأفضل المهارات التي تمتلك الكفاءات المستقبلية.
وهو أيضاً يساعد على الحفاظ عليها بفضل بيئة عمل محفزة وجاذبة للمواهب ولأصحاب العمل في الآن نفسه. وأكّد الوزير أن هذه الريادة الإماراتية في تبني العمل عن بعد، وإيجاد تشريعات وقوانين ناظمة له انعكست على سوق العمل المحلية في العام 2022 الذي شهد نمواً على أساس سنوي بمنشآت القطاع الخاص بنسبة 11%، فيما ارتفعت نسبة العاملين في القطاع الخاص بنسبة 13%.
من جهة أخرى رأى الوزير أن هذا الاتجاه وما فيه من مميزات وتحديات ينطبق على بعض المهن ذات الطابع الفكري أو التقني الافتراضي إلى حدٍ كبير، ولا ينطبق على مهن العديد من القطاعات الحيوية كالصناعة والرعاية الصحية والزراعة والطاقة وسواها، والتي تعتبر اليوم ذات أولوية في دولة الإمارات، وفي الوقت ذاته تتطلب حضور الموظفين في موقع العمل. ويضاف إلى ذلك ما توفره الدولة اليوم من مزايا التنافسية التي تُقدم للشركات التي توظِّف المواطنين وتكون جزءاً أساسياً من تنمية الاقتصاد الإماراتي ومسيرة نجاحه.
ويضيف وزير الموارد البشرية والتوطين في تصريحه لفورتشن العربية، إن التركيز الحقيقي لخطط الدولة واستراتيجياتها متوسطة الأمد وطويلة الأمد يكمن في تعزيز قدرات المواطن الإماراتي وخبراته، وتمكينه من المعارف والمهارات اللازمة لرفع تنافسيته وصولاً إلى نيل الوظائف في القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية ومن ثم قيادتها في المستقبل القريب، "إذ إننا نعتبر مواردنا البشرية أهم الأصول التي نستثمر بها لضمان مستقبل أفضل لوطننا، وقد أثمرت تلك الجهود عن ارتفاع نسبة المواطنين العاملين في القطاع الخاص بواقع 70% في العام 2022 مقارنةً بالعام 2021 نظراً للقرارات والسياسات الحكومية الداعمة للتوطين، والمزايا التي يوفرها برنامج "نافس".
وفي الإجابة عن العمل عن بعد وتجربة العمل لأربعة أيام في الأسبوع، يؤكد الوزير أن القانون الراهن يتيح لمؤسسات القطاع الخاص، وبالاتفاق مع العامل، تحديد عدد ساعات العمل اليومية حسب مقتضيات طبيعة العمل، وبما يمكّنها من اتباع نظام 4 أيام ومنح العاملين 3 أيام راحة، أو أي نظام آخر مناسب لطبيعة نجاحها ومتطلباته وتحقيق أهدافها المؤسسية، وبما يتناسب مع العوامل التي تؤطر توجهات المؤسسات وأنظمتها، حيث ينص القانون على منح العامل يوم راحة أسبوعياً على الأقل.
ويذكر الوزير في إجابته بعض الأمثلة، فعلى سبيل المثال، هناك العديد من القطاعات التي تعمل بنظام المناوبة، والتي تستمر بتقديم خدماتها طيلة أيام الأسبوع، بل وعلى مدار الساعة في بعض الأحيان، وفق أنظمة تضمن حقوق العمال ومنحهم الراحة الكافية. وتجدر الإشارة إلى أن اللائحة التنفيذية للمرسوم بقانون اتحادي رقم 33 لسنة 2021 بشأن تنظيم علاقات العمل الذي دخل حيز التنفيذ في 2 فبراير 2022، تتيح التعاقد لإقامة علاقات العمل في القطاع الخاص وفقاً لستة أنماط من العمل تشمل "اﻟﺪوام اﻟﻜﺎﻣﻞ"، و"اﻟﺪوام اﻟﺠﺰﺋﻲ"، و"اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺆﻗﺖ"، و"اﻟﻌﻤﻞ اﻟﻤﺮن"، و"العمل عن بُعد" و"العمل بالمشاركة".
وهذا يرسي قواعد جديدة تمهّد لمستقبل سوق العمل بالدولة من خلال خلق أنماط عمل جديدة تتلاءم مع الواقع الاقتصادي الجديد الذي يشهده العالم ويضمن تعزيز تنافسية وإنتاجية سوق العمل ورفع معدلات القوى العاملة الماهرة والمؤهلة للإسهام في بناء اقتصاد معرفي تنافسي ومتنوع.
ويؤكد الوزير أن وزارته تعمل على تمكين سوق العمل والقطاع الخاص وفق قانون تنظيم علاقات العمل الذي يسهم في تحقيقهما لأكبر قدر من النجاح مع مراعاة أفضل المعايير فيما يتعلق بحقوق العامل وصاحب العمل. ويتمثل واجبنا الأساسي، كما يقول، في إيجاد التوازن في العلاقة التعاقدية لضمان حقوق طرفيها وواجباتهما، من خلال سياسات حماية العمل وتشريعاتها وأنظمتها، والاستقرار الوظيفي، وحوكمة سوق العمل.
واستكمالاً لهذه الجهود حسب الوزير، فقد أتى نظام التأمين ضد التعطل عن العمل تنفيذاً للمرسوم بقانون اتحادي رقم 13 لسنة 2022، ليوفر مظلة أمان وظيفي للعاملين في القطاع الحكومي الاتحادي والقطاع الخاص، حيث يوفر لمن يخسر عمله من المشاركين في هذا البرنامج التأميني تعويضاً نقدياً يعادل متوسط 60% من الراتب الأساسي لثلاثة أشهر، كما أن أنظمة أخرى كحماية الأجور وبرنامج حماية العمال تعزز منظومة العمل في الإمارات، وترسخ مبدأ حفظ حقوق العمال بالتوازي مع وجود علاقة متوازنة مع صاحب العمل.
ويختتم الوزير العور تصريحه لفورتشن مؤكداً بأن الوزارة تواصل عملها عن كثب مع القطاع الخاص باعتباره شريكاً محورياً في دفع المسيرة التنموية، "مقدمين حِزم الدعم والحوافز والتسهيلات للمنشآت المتميزة، واضعين نصب أعيننا تكريم إسهاماتها وإنجازاتها على صعيد التوطين وتحقيق الريادة وغيرها"، وهنا لا بد من الإشارة إلى "جائزة الإمارات للريادة في سوق العمل" التي تستهدف تقدير ريادة المنشآت الخاصة وإبراز أفضل الممارسات الناجحة ضمن القطاعات المختلفة في الدولة، مع تكريم أصحاب المنشآت والعمالة المتميزة التي تمثل إضافة مهمة لسوق العمل التي تشهد تطوراً متسارعاً في ظل الاستعدادات الجارية للخمسين عاماً المقبلة.