يسود الغضب أوساط صناعة الموسيقى في الوقت الراهن نتيجة عدم الرضا عن تأثير مستجدات التكنولوجيا، من قبيل الاستغلال الجديد لقدرة الذكاء الاصطناعي على محاكاة أصوات المطربين الحقيقية، وتدني مستوى العائدات التي يأمل الموسيقيون أن يحصلوا عليها من منصات بث الموسيقى. على أن بوادر تقارب محتمل بين قطاعي الموسيقى والتكنولوجيا تتجلى شيئاً فشيئاً، ويعزى ذلك لحد كبير إلى مجموعة يونيفرسال ميوزيك، أكبر شركة موسيقى في العالم.
مع بدايات العام، أخبر الرئيس التنفيذي في يونيفرسال ميوزيك لوسيان غرينغ (Lucian Grainge) موظفيه إنه يريد التوصل إلى نموذج جديد لخدمة بث الموسيقى، "محوره الفنان". في فبراير، وبعد بيان مشترك طموح وإن كان لا يخلو من غموض، انضمت تايدال (Tidal) إلى المشروع، والآن حققت يونيفرسال ميوزيك ما وصفته "أول نموذج شامل لبث الموسيقى يركز على الفنان" بالتعاون مع ديزر (Deezer)، شركة بث الموسيقى الفرنسية الرائدة في سوق أميركا اللاتينية. وهي خطوة تمثل تحولاً كبيراً عن النموذج القائم، حيث لا يوجد ما يميز بين منصات البث.
وبموجب هذا النموذج، ستدفع ديزر المزيد من أموال الحقوق للفنانين الذين يحب الناس الاستماع إليهم بالفعل، وهم يمثلون أقلية صغيرة من بين جميع من تنقل المنصة موسيقاهم؛ حيث تُحمّل نسبة 97% من المستخدمين نحو 2% فقط من إجمالي الأعمال الموجودة على المنصة. وسوف يحصل أولئك الذين يسمعهم نحو 500 مستمع جديد ويولّدون ما لا يقل عن 1000 بث شهرياً على "دفعة مضاعفة"، على الرغم من عدم وضوح ما تعنيه هذه العبارة لجهة أموال حقوق الملكية. كما تحصل الأغاني التي "يتفاعل معها الجمهور بشكل نشط" (على عكس الأغاني التي تقترحها خوارزمية ديزر فقط) على نفس "الدفعة المضاعفة".
يقول رئيس ديزر التنفيذي، جيرونيمو فولغييرا (Jeronimo Folgueira): "هذا يعدّ التغيير الأعلى طموحاً في النموذج الاقتصادي منذ إطلاق خدمات بث الموسيقى، وتغييراً يدعم إنتاج محتوى عالي الجودة في الأعوام المقبلة". ومن جانبه، يقول نائب الرئيس التنفيذي في يونيفرسال، مايكل ناش (Michael Nash): "يستهدف النموذج الذي يعطي الأولوية للفنان ترويض الديناميكيات التي تخاطر بإغراق فنون الموسيقى في بحر الضوضاء، والتأكد من أننا ندعم ونكافئ الفنانين بشكل أفضل في جميع مراحل مسيرتهم، سواءً أكان لديهم 1000 معجب أو 100,000 أو 100 مليون".
مراحل مسيرتهم كلها؟ ما يعنيه الإعلان أن غالبية الفنانين الهواة أو الذين بدؤوا مسيرتهم مؤخراً، ولم يحصدوا بعد سوى عدد قليل من المعجبين، خارج نطاق المشروع. كما إن الذي سوف يتحصلون عليه من عائد حقوق ملكية أعمالهم، إن وجد من الأساس، سيكون ضئيلاً للغاية إذ لن تصنع هذه النقلة لهم أي فارق يذكر. وفي هذه المرحلة، سيكون الهدف الأهم هو جذب المستمعين إلى أعمالك وليس كسب المال منها.
علاوة على ذلك، سوف تصبح الأعمال التي لا تمثل سوى ضجيج على ديزر -بالمعنى الحرفي للكلمة- في خبر كان؛ فلن يتحصل هذا المحتوى على عائدات حقوق الملكية وسوف يحل محله بمرور الوقت ما تنتجه ديزر من "موسيقى مصنفة".
ويستطرد فولغييرا قائلاً: "لن تجد أي صناعة أخرى تقيّم أنواع محتواها كلها سواسية، وأود أن أوضح للجميع إن صوت المطر أو صوت الغسالة لا يمكن أن يكون بقيمة أغنية مطربك المفضل نفسها التي نبثها لك عبر أفضل تكنولوجيا صوتية متاحة".
وبالنظر إلى اتفاق يونيفرسال ميوزيك الأخير مع جوجل على شراكة لـ "تطوير تطبيق ذكاء اصطناعي يساعدنا في تحقيق هدفنا"، فإن لصناعة الموسيقى أسبابها التي تدعوها إلى التشكك في التفاصيل وفي النتائج المرجوة. وقد أخبر فولغييرا موقع ذا فيرج (The Verge) الإلكتروني إن شركات إنتاج أخرى تلتحق بالنموذج الجديد، وسأفاجأ إن كانت هذه المنصة هي الأخيرة التي تتوصل إلى مثل هذا الاتفاق مع يونيفرسال ميوزيك.