المحتوى محمي
المحتوى محمي
مقابلة

خبير يقدم وصفة سرية لنجاح الابتكار في شركات المنطقة

من المهم بظروف السوق المتقلّبة الحالية أن تولي الشركات الأولوية لوضع أطر ابتكار خاصة بها، إذ يمنح الابتكار الشركات القدرة على التكيف لمواجهة تحديات التغيير.

بقلم


money

لوك ديب سينغ، الرئيس التنفيذي العالمي لشركة توك ووكر (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

"تقود كل من الإمارات والسعودية وقطر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ما يتعلق بتنفيذ استراتيجيات الابتكار الصحيحة وتلبية احتياجات البنية التحتية" حسب تصريح الرئيس التنفيذي العالمي لشركة توك ووكر (Talkwalker) المختصة بحلول البيانات للمستهلكين، لوك ديب سينغ، في مقابلة خاصة مع "فورتشن العربية". 

فورتشن: لماذا يجب أن يكون الابتكار أولوية للشركات في ظل الظروف الاقتصادية والتجارية الحالية؟

سينغ: تعتمد بيئة الأعمال التنافسية اليوم على الابتكار، ويجب على قادة الشركات البحث باستمرار عن طرق جديدة للابتكار، لأنه لا يمكن حل مشاكل اليوم باستخدام حلول عفا عليها الزمن. ومع ذلك، فإن العديد من الشركات تستخدم مصطلح الابتكار بطريقة طنانة فقط بدلاً من فهم مغزاه الصحيح وأهميته لنموّها.

ومن المهم في ظروف السوق المتقلّبة الحالية أن تولي الشركات الأولوية لوضع أطر ابتكار خاصة بها، إذ يمنح الابتكار الشركات في الدرجة الأولى القدرة على التكيف اللازمة لمواجهة تحديات التغيير. وفي عالم ما بعد جائحة كوفيد-19، انتهى مفهوم الوضع الراهن، وأصبح من الضروري أن تكون للعمليات الروتينية خطة طوارئ دائماً. ووجود استراتيجية ابتكار واضحة تعزز نمو الشركات على المستويين التنظيمي والاقتصادي، إذ إن تبسيط العمليات وتعظيم الكفاءة هي بعض نتائج الابتكار على الرغم من أن الأثر الرئيسي له يكمن في منح الشركات قدرة على التميز عن المنافسين.

ويُضاف الابتكار الذي يجعل من المستهلك أولوية إلى نقطة البيع الفريدة للشركات، ما يجعلها مرغوبة أكثر. وليس ذلك فحسب، بل يساعد الشركات والعلامات التجارية على تدعيم نفسها ضد التحديات غير المتوقعة إلى جانب إرساء العوامل اللازمة لاغتنام الفرص.

كما أن المستهلكين يوفّرون إشارات مباشرة عما يريدونه، وبذلك فإن مهمة الشركات هي التقاط تلك الإشارات والعمل وفقاً لها في الوقت المناسب.

فورتشن: ما الذي يجب على الشركات تغييره في طريقة تفكيرها وطرق عملها لتبنّي أكثر النُهُج ابتكاراً؟

سينغ: كان على الشركات في أوائل عام 2020 تنفيذ تكتيكات التحول السريع من أجل التكيف مع العوامل التي فرضتها جائحة كوفيد-19، لكن هذا لا يعني أن قادة الشركات كانوا يسارعون في اتخاذ القرارات ويغيرون أنماط العمل عشوائياً، بل كانوا يضعون خططاً واضحة وينفذونها خلال وقت قصير، ثم يُلحقون ذلك بفترات توقّف لقياس الكفاءة وتقييمها.

ونتيجة لذلك، كشفت الجائحة للشركات في جميع أنحاء العالم شكلاً جديداً لكيفية إنجاز الأعمال باستدامة وكفاءة عالية.

وكان على قادة الشركات اعتماد عقلية جديدة تدريجياً، تقوم على تعزيز ثقافة الشركة والتنوع، والأهم من ذلك، الثقة. وتعد النقطة الأخيرة مهمة بشكل خاص في الاقتصاد الهجين اليوم، إذ يركّز الموظفون على المرونة بينما يركز المدراء على النتائج. وأساس هذه الديناميكية الجديدة هو الثقة، مع ضمان أن الجميع يخضع للمساءلة ويتواصلون بشكل فعّال وواضح.

وعلاوة على ذلك، أدرك قادة الشركات أهمية التصميم الذي يركز على الإنسان والذي يتميز بمدى الرغبة تجاه الفكرة أو المنتج والجدوى وقابلية التطبيق أو النجاح. وحتى فترة قريبة، كانت الزعزعة [أي كسر القيود والتنفيذ السريع] عاملاً ملائماً للابتكار، أما الآن فإننا نشهد تحولاً نحو نهج ابتكاري أكثر تركيزاً على الإنسان ومدفوع بآراء المستهلكين وبياناتهم.

وبالإضافة إلى ما سبق، كان على قادة الشركات إعادة تصور طريقة إنجاز العمل، إذ تدرك الشركات اليوم أنها بحاجة إلى أن تكون استباقية على العديد من الجبهات مثل القضايا الاجتماعية، وإعداد الميزانية، وكيفية اتخاذ القرارات. وقد اعتمدت الشركات لفترة طويلة على الأطر التفاعلية فلجأت إلى البيانات لتوقّع المستقبل. أما اليوم، فتستعين الشركات بالذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبؤية لتحضير نفسها للمستقبل بطرق لم يكن من الممكن تصورها في السابق.

فورتشن: كيف يختلف الابتكار من قطاع إلى آخر وهل هناك شكل ناجح ينطبق على الجميع؟

سينغ: أعتقد أن الابتكار يقف موقف الحياد أمام الصناعات والأسواق على اختلافها، واستناداً إلى عملي السابق بصفة رئيس تنفيذي للابتكار، يمكنني القول إنه من الضروري التفريق بين الاختراع والابتكار، فالاختراع هو فكرة قابلة للعمل سواء كانت منطقية أم لا، فالأهم هو أنها قابلة للعمل. لكن بالمقابل، يجب أن يستوفي الابتكار معايير حل مشكلة العميل والحفاظ على الجدوى المالية. فالمصطلحان متباعدان، إذ لا يرتبط الاختراع بالابتكار تلقائياً، ولا يحتاج الابتكار إلى حدوث اختراع.

وعملتُ أيضاً مع عملاء في أجزاء مختلفة من العالم، وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن دوافع العملاء وعوامل جذبهم ضمن فئة ما متشابهة نسبياً. فعلى سبيل المثال، تعتبر رغبات العملاء ومشاكلهم واحتياجاتهم غير الملبّاة ضمن قطاع الاتصالات العالمي متشابهة نسبياً، وهي: السرعة والأمان والموثوقية وكفاءة التكلفة. لذا يمكن أن تكون استراتيجية الابتكار متشابهة عالمياً، لكن بالمقابل، يجب أن يكون الأداء خاصاً بالسوق.

وهناك طريقة أفضل للتفكير في الابتكار تقوم على  أساليب تحسين تجربة العميل. ونظراً لأننا نعيش في ظل اقتصاد قائم على التجربة، يجب أن تركز الشركات على تجربة الابتكار، سواءً على صعيد السرعة أو الراحة أو الموثوقية أو الثقة أو الكفاءة. ولا أشير هنا إلى عوامل تمكين الابتكار مثل البيانات أو التكنولوجيا المتطورة، إنما إلى التركيز على اغتنام الفرص الحالية والمستقبلية على أساس احتياجات العميل.

وتتمثل الوصفة السرية لنجاح الابتكار في الاستفادة التكتيكية من بيانات المستهلك الآنية من خلال خطة واضحة للتنفيذ وإشراك العملاء.

فورتشن: هل يعتبر الابتكار ممارسة لمرة واحدة أم يجب أن يصبح جزءاً متكرراً ضمن ممارسات الشركة؟

سينغ: الابتكار هو طريقة تفكير تهدف إلى حل المشاكل باستخدام نهج إبداعي يؤدي إلى النتائج الأكثر كفاءة، ويتمثل في فكرة أو منتج يتّصف كل منهما بالحداثة وقابلية الاستخدام.

ولا يجب اعتبار الابتكار مبادرة تُطبّق لمرة واحدة ويجري قياسها ومراقبتها بوضوح، بل يجب أن يصبح طريقة العمل البديهية التي تقلل التكاليف التشغيلية، وتسرّع النمو في المجالات كافة.

فورتشن: كيف تقيّم التغيير الذي حدث في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من ناحية الابتكار في مجال الأعمال، خاصة بعد جائحة كوفيد-19؟

سينغ: كانت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قبل الجائحة تمر بالفعل بتحوّل على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية، ويستمر هذا الزخم في جعل سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مركزاً نشطاً للشركات العالمية والمبتكرين الباحثين عن أطر قانونية تقدمية وهياكل أعمال صديقة للابتكار تشجع على المغامرة والتجريب.

ونظراً لطبيعة السوق الديناميكية التي تتيح للشركات على سبيل المثال إنشاء مقرها الرئيسي في مكان مثل دبي وامتلاك مكاتب دعم في مصر أو الأردن أو لبنان، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جاهزة بالفعل للعمليات التي تمنح الأولوية للعمل عن بُعد. وعلاوة على ذلك، فإن العلاقة الموجودة بين القطاعات الخاصة والحكومات تشير إلى إمكانية زيادة تسريع الابتكار. وأخيراً، جعل التحول الرقمي ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وضع أفضل للتعافي من تأثير الجائحة، لا سيما في مجالات مثل الأمن السيبراني ومراكز البيانات ومعدلات استخدام التكنولوجيا.

فورتشن: ما هي النسبة من الميزانية التي تعتقد أن على الشركات تخصيصها للابتكار؟

سينغ: يتطلب الاستثمار في الابتكار وقتاً وجهداً والتزاماً عاماً بتجربة أشياء جديدة والتعلم منها، وإن التفكير في الميزانيات المالية بصفتها محركات للابتكار ليس اتجاهاً بنّاءً، وأقترح بدلاً من ذلك خلق شبكة أمان وثقافة شركة تمنح الفرق المختلفة المساحة التي تحتاجها للحاق بالأفكار الطموحة ومحاولة تنفيذها، حتى لو فشلت.

والسر يكمن في الاستثمار بتنمية العقلية لإيجاد حلول إبداعية تنتج قيمة بطرق غير متوقعة، وهذه هي الطريقة التي يمكنك من خلالها زعزعة القطاع الذي تعمل فيه.

فورتشن: بناءً على رؤيتك وتحليلاتك، ما هي التحديات التي ما تزال تعيق الابتكار في المنطقة؟


سينغ: بالنظر إلى بيانات المستهلكين في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الثلاثة عشر شهراً الماضية، ندرك أن المشاكل الرئيسية التي تعيق الابتكار هي الامتثال للقوانين، والحجم الهائل للقضايا العالمية الحالية، ونقص المواهب التقنية. وقد لا يعكس ذلك بالطبع العمق الحقيقي للتحديات التي تواجه الابتكار المؤسسي، لكنّه مع ذلك يعطي مؤشراً مهماً لما تجب معالجته أولاً.

فورتشن: بمَ تنصح الشركات؟

سينغ: أنصحها بالانفتاح الدائم على الأفكار الجديدة والاستمرار في الابتكار لتحقيق الغايات.


image
image