المحتوى محمي
المحتوى محمي
حكومي

هنري كيسنجر: تطوير الذكاء الاصطناعي قد لا يقل خطورة عن الأسلحة النووية 

تنتمي الصين والولايات المتحدة إلى فئة القوى التي حصلت بينها مواجهات عسكرية حتمية على مر التاريخ، لكن الوضع الحالي ليس طبيعياً نظراً للدمار المُحتمل الذي يمكن أن يلحق بالطرفين معاً، ولقدرات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

بقلم


money

هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق (مصدر الصورة: بيتر فولي - بلومبرغ - غيتي إميدجيز)

تُوصَف التوترات الحالية بين الولايات المتحدة والصين بأنها تكرار لديناميكيات حقبة الحرب الباردة، لكن الحالة الأكثر تشابهاً قد تكون السنوات التي سبقت الحرب العالمية الأولى عندما كان جزء كبير من أوروبا معرّضاً لاندلاع الفوضى والعنف والمشاكل الإقليمية المتداخلة التي تنتظر شرارة الحرب. يقول وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر إن الفرق حالياً هو أن المنافسين الكبار يمتلكون أسلحة نووية، وقد يمكّنهم تطوّر الذكاء الاصطناعي من تطوير أدوات وأسلحة جديدة قادرة على إنهاء الحياة البشرية.

وقال كيسنجر في مقابلة مع مجلة ذي إيكونومست (The Economist) نُشِرت يوم الأربعاء إن الولايات المتحدة والصين تمثّلان "أكبر مصادر تهديد السلام في الوقت الحالي" إذا تطوّرت عداواتهما إلى مواجهة عسكرية، وأضاف إن البلدين يتجهان نحو مواجهة كبرى بعد أن "اقتنع كلاهما بأن الآخر يمثّل خطراً استراتيجياً".

ومن المرجح أن تكون التوترات بشأن تايوان شرارة رئيسية للصراع في المستقبل، إذ أشار الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن الولايات المتحدة ستقف في صف تايوان إذا غزتها الصين التي تعتبرها دولة منشقة. وبصورة مماثلة لتطوير الأسلحة النووية في أثناء الحرب الباردة، يعمل العالم الآن على إتقان تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الجديدة نسبياً، والتي قد يكون مجرد التفكير باستخدامها في المجال العسكري أمراً خطراً للغاية.

وقال كيسنجر: "تنتمي الصين والولايات المتحدة إلى فئة القوى التي حصلت بينها مواجهات عسكرية حتمية على مر التاريخ، لكن الوضع الحالي ليس طبيعياً نظراً للدمار المُحتمل الذي يمكن أن يلحق بالطرفين معاً، ولقدرات الذكاء الاصطناعي المتطورة".

وضع عالمي حسّاس

وصلت العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين مؤخراً إلى أسوأ حالاتها، إذ بدأت العلاقات بالانحسار بعد أن فرضت إدارة ترامب تعرفاتٍ جمركية تجارية صارمة على الصين، واستمرت هذه الرسوم في ظل إدارة بايدن. كما ازداد التوتّر بين الجانبين مؤخراً بسبب ادعاءٍ بسرقة الصين ملكية فكرية للشركات الأميركية، والعلاقة الوثيقة بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والمخاطر المتزايدة بشأن غزو الصين لتايوان.

وقال كيسنجر: "نشهد حالياً وضعاً مماثلاً لمرحلة ما قبل الحرب العالمية الأولى، إذ لا يوفّر أي من الجانبين هامشاً كبيراً للتنازل السياسي، ويمكن أن يؤدي أي اضطراب في التوازن إلى عواقب وخيمة".

وأضاف إن العالم قد أصبح أكثر خطورة عموماً، وأعرب عن دعمه الجزئي لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو بمجرد انتهاء الحرب بعد سنوات من معارضة هذه الفكرة. وأشار إلى أنالهند أيضاً قوة متنامية، ودعا إلى دعم جيشها في حالة تصاعد المناوشات الحدودية مع الصين إلى غزو شامل.

وفي الوقت نفسه، فإن تايوان ليست الدولة الوحيدة في شرق آسيا التي تشعر بالقلق من صعود الصين، فقد حذّر المسؤولون اليابانيون منذ فترة طويلة من أن الصين تشكل تهديداً وجودياً للمنطقة. وأعلنت اليابان في العام الماضي عن خطة حشد عسكري بقيمة 320 مليار دولار لتنهي بذلك عقوداً من السلام، وتتضمن الخطة صواريخ قادرة على الوصول إلى الصين، لكن الحشد العسكري قد يتطوّر إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إذ توقّع كيسنجر أن اليابان "في طريقها لأن تصبح قوة نووية في غضون خمس سنوات".

الخطر المتنامي للذكاء الاصطناعي

قد ينتهي سباق تطوير الذكاء الاصطناعي إلى وفاق واستقرار بشكل مماثل لما حدث بعد الحرب الباردة؛ حين أنهت القوى العظمى سباق التسلح بوفاق غير معلن.

وقال كيسنجر: "نحن حالياً على أعتاب حقبة سيكون بمقدور الآلات فيها التسبُّب بأزمات عالمية تحدث ضرراً شاملاً، وليس فقط أزمات نووية. وتتطلب الظروف وجود قادة مسؤولين في قمرة القيادة يحاولون على الأقل تجنب الصراع".

وتُهدّد أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، مثل تشات جي بي تي (ChatGPT) الذي طوّرته شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، بإحداث اضطراب اقتصادي وعمليات تسريح واسعة النطاق للموظفين من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي بدل الموظفين في الوظائف التي يمكن فيها ذلك، كما حذّر بعض خبراء علوم الكمبيوتر من أن التكنولوجيا ربما لا تزال في مهدها على الرغم من كل التطوّرات، وقد تصبح مواكبتها أكثر صعوبة في المستقبل.

وتتسابق الولايات المتحدة والصين لريادة قطاع الذكاء الاصطناعي نظراً لأهميته الاقتصادية المحتملة، لكن مع ذلك، حذّر الرئيس التنفيذي السابق لشركة جوجل، إريك شميت، هذا الأسبوع من أن الولايات المتحدة "متقدمة قليلاً" على الصين في هذا السياق، كما قارن في وقت سابق من هذا العام تأثير الذكاء الاصطناعي على الحرب بتأثير الأسلحة النووية.

ونبّه بعض خبراء الذكاء الاصطناعي إلى أن العالم ببساطة ليس جاهزاً ليشهد تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي إلى المستوى الأكثر تعقيداً الذي يُعرف بالذكاء العام الاصطناعي. والذكاء العام الاصطناعي هو الحالة التي يمكن أن تكتسب فيها التكنولوجيا قدرات مماثلة للقدرات البشرية والتفكير المنطقي، ويمكن الوصول إلى هذه الحالة في غضون سنوات قليلة فقط. وقال كيسنجر إن أجهزة الكمبيوتر إذا اكتسبت هذا المستوى من الذكاء، فقد يفقد البشر السيطرة عليها وتهدد العالم.

وعلّق قائلاً: "قد ينتهي بنا المطاف بجلب الخراب لأنفسنا. وقد نصل إلى مرحلة ترفض فيها الروبوتات الخضوع لأوامرنا أو التوقّف مثلاً، وما أعنيه هو أنه بمجرد إدراك الروبوتات هذه الاحتمالية، فقد تدمج هذه الإمكانيات ضمن أنظمتها قبل أن تحدث تلك الحالات. وهناك العديد من العلماء الذي يؤكدون هذه الأفكار، وهم ذوو الخبرة".

ودعا كيسنجر إلى التريّث في تطوير التكنولوجيا التي قد يكون لها أثر مدمّر على البشرية، مضيفاً إنه مع عودة الاضطراب والخطر للسيطرة على المشهد العالمي، من الضروري أن تسود الحوكمة المسؤولة في المناطق المعرّضة للتصعيد والانخراط في المشاكل. وقال: "في عالم يتسم بالعداء وإمكانية الدمار للأطراف كافة، نحن مدينون أخلاقياً لمجتمعاتنا بمنع هذا الدمار".


image
image