مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة إعمار العقارية، رجل الأعمال محمد العبار، يمتلك خبرة قيّمة؛ فهو شخصية لها ثقلها في عالم الأعمال عربياً وخليجياً على وجه الخصوص، لكن حُكمه بعدم ملاءمة نمط العمل عن بعد أو العمل الهجين لمنطقتنا فيه شيء من القسوة على العاملين بذلك النمط لحساب شركات في المنطقة من مختلف جنسياتهم، وتحديداً فئة الشباب الذين يرون في العبار قدوة لهم.
ما قاله العبار يندرج تحت بند الرأي الشخصي، فقد ذكر في مقال له على فورتشن العربية أنه لا يحبذ فكرة العمل الهجين في إدارته وهذا حق مشروع، لكن الأحكام التي أطلقها لم تُدعَّم بدراسات وتجارب على أنواع العاملين في المنطقة، وعلى مدى إنتاجيتهم مقارنةً بدول أخرى.
وبالمناسبة، هو ليس أول رجل أعمال يعارض هذه التوجهات الحديثة؛ إيلون ماسك على سبيل المثال يمتلك نفس النظرة و طلب من موظفيه في تسلا وتويتر وغيرهما من شركاته الرجوع لمقر عملهم بدوام كامل، بل إنه هدد بفصل من لن يلتزم بتطبيق القرار.
لذلك، لا يمكننا مصادرة رأي إيلون ماسك كما هو الحال مع العبار، ويجب ألا ننسى أن مثل هذه الشخصيات لها باع طويل وسمعة يطمح الكثير من رواد الأعمال بالوصول إليها، لكن أيضاً يجب علينا، نحن المختصين، أن نعمل على تصحيح بعض المفاهيم.
الهدف من ابتكار أنماط عمل جديدة مثل العمل الهجين أو عن بعد لم يأت من فراغ، وكانت هناك دراسات تجرى على تلك الأنماط حتى قبل جائحة كوفيد-19. أتت الجائحة وأجبرت كثيراً من الشركات على تطبيق تلك السياسات قبل التأكد تماماً من إمكانية نجاحها. ولأن بعض المصائب تكون حُبلى بالفرص، أثبتت الجائحة صحة الدراسات السابقة التي خلُص الكثير منها إلى أن العمل الهجين له عوائد ايجابية تصبّ في صالح المنظمة والفرد.
يُعد نمط العمل الهجين، أحد المطالب المهمة لدى أبناء جيل الألفية وجيل (Z)، والذين من المتوقع أن يشكلوا أكثر من 75% من العاملين بحلول عام 2025. وتلك المطالبات تتفق مع ما آل إليه الكثير من الدراسات التي أوضحت أن أجيال الشباب تلك تُفضّل العمل لدى شركات تتبنى العمل عن بعد أو العمل الهجين. كما أن تلك الدراسات لم تُظهر أي علامات أو تنبؤات لنجاح هذا النوع من العمل في دولة دون الأخرى.
يرى العبار أن هذا النظام يصلح لدول غنية كالنرويج مثلاً وقد يوافقه كثيرون، ولكنني كمختص في علم النفس التنظيمي، ما يهمني هو النتائج التي تستند إلى دراسات و أبحاث أو حتى استطلاعات إن أمكن.
هناك الكثير من الأمثلة على العمل الهجين في جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال، إحدى محطاتي العملية السابقة هنا بالولايات المتحدة كانت في شركة ميرسي هيلث التي تعتبر من أكبر 5 منظمات صحية على مستوى أميركا، ويعمل لديها أكثر من 60 ألف موظف؛ حوّلت الشركة أكثر من 80% من الوظائف الإدارية إلى وظائف عن بعد، بينما يعمل البقية بالنظام الهجين.
ميرسي هيلث لم تكتفِ بذلك، بل هي ماضية قدماً في هذا التوجه إلى درجة إصدارها دليلاً خاصاً يحمل سياسات و أنظمة العمل عن بعد، مثل آلية الاجتماعات و طريقة التواصل، و البرامج المتاحة للاستخدام و غيرها.
أيضاً، على مستوى المملكة العربية السعودية، شركة علم التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، أطلقت برنامج "أسلوب عمل علم الجديد"، والذي ينص على إتاحة الخيار للموظف للعمل أينما أراد؛ سواء في مقر الشركة أو البيت أو حتى المقهى، وذلك تطبيقاً لمفهوم استقلالية الموظف. والأمثلة كثيرة وتحديداً هنا بالولايات المتحدة.
أما فيما يتعلق بضرورة العمل 7 أيام بالأسبوع في المنطقة، فلا يوجد رابط بين العمل لساعات مطولة وبين التحفيز و التشجيع والمثابرة. بل على العكس، هذا يتنافى مع أهمية التركيز على الصحة العقلية و الرفاه الوظيفي للموظف، والذي بدوره يضمن إنتاجية أعلى و تحسن الأداء بشكل ملحوظ.
أخيراً، أتفق مع العبار أن ظاهرة الاستقالة الكبرى لم تنتشر بالمنطقة كما هو الحال بالولايات المتحدة، وفي رأيي يعود السبب إلى انعدام الأمان الوظيفي لدى الشباب، وبالتالي؛ الخوف من المجازفة والاستقالة.
أفكارنا المتعلقة بمستقبل بيئة العمل نقتبسها غالباً من المجتمع الغربي، خاصةً إن كانت تلك التجارب قد أثبتت نجاحها لديهم. لذلك لا يحتاج الشخص أن يكون مستبصراً أو لديه رؤية بعيدة ليعلم ما سيتم استيراده أو تطبيقه خلال السنوات المقبلة في بيئات العمل الخليجية أو العربية. وعند تطبيق نموذج العمل الهجين أو غيره من النماذج الجديدة؛ فإن الاطلاع على تجارب من سبقونا ونتائجها سيساعد على معرفة الأخطاء التي وقعوا فيها و بالتالي تفاديها. وبالمناسبة؛ هذا ليس عيباً، بحكم أقدميتهم بدراسة مثل تلك التجارب ومن ثم وضعها حيّز التنفيذ.