لا تبدو سوق المواهب الحالية جذابة تماماً، لكن هناك جانب واحد مؤكد وهو: ليس مهماً ما الذي تفعله تماماً طالما أنت ماهر فيه. إذ تشهد سوق العمل تطوّراً أسرع من قدرة أكثر الموظفين مرونة على مواكبته، وذلك كلّه في ظل الاضطرابات الناجمة عن الجائحة، وأنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة مثل نظام تشات جي بي تي (ChatGPT)، والعمل عن بُعد، والموجات المتتالية من عمليات التسريح.
وسينشأ ما يقرب من 70 مليون وظيفة جديدة في جميع أنحاء العالم، وسوف تُلغى 83 مليون وظيفة بحلول عام 2027 وفقاً لتقرير مستقبل الوظائف لعام 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum’s 2023 Future of Jobs).
وعند النظر إلى الوضع العام لذلك كله، نجد أنه لا يوجد أمام الموظفين سوى القليل مما يمكن فعله للحفاظ على مرونتهم في ظل التغييرات الكبرى، لكن هناك ممارسة ممكِنة ومهمة واحدة: صقل المهارات وتحسينها.
فقد قالت مجموعة شركات للمنتدى الاقتصادي العالمي إن فجوة المهارات كبيرة جداً لدرجة أنها تمثل أحد العوائق الرئيسية التي تمنع الشركات من تحديث نماذج أعمالها، ومن الواضح أن هناك حاجة للتدريب واكتساب المهارات الجديدة لمواكبة المشهد سريع التحول، ووجد المنتدى الاقتصادي العالمي أن ما يقرب من نصف مهارات الموظفين الفردية (نحو 44% منها) بحاجة إلى التحديث.
وقال الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة لينكد إن (LinkedIn)، دان شابيرو، لفورتشن (Fortune): "لا يمكننا في الواقع تجاهل هذا الاتجاه طويل الأجل الذي يستند إلى تجاوز الطلب على المهارات عرض المهارات في السوق". وأضاف إن عام 2022 كان أكثر سوق عمل محدودة شهدها خلال 15 عاماً من عمله مع شركة لينكد إن، واعترف بأن السوق هذا العام أكثر توازناً قليلاً، لكنها "ما تزال محدودة".
وقد يكون جيداً أن يفكر الموظفون في المهارات العشر الأفضل التي يقول أصحاب العمل إن أهميتها سوف تزداد خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي:
- التفكير الإبداعي
- التفكير التحليلي
- المعرفة التكنولوجية
- حب الاستطلاع والتعلّم المستمر
- المرونة والرشاقة والقدرة على التكيّف
- التفكير المنهجي
- القدرة على التعامل مع الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة
- الحافز والوعي الذاتي
- إدارة المواهب
- التركيز على الخدمات وخدمة العملاء
والمهارة الإضافية في المرتبة 11، القيادة والتأثير الاجتماعي. ولتبسيط الأمر، ربما عليك البدء باستخدام منصتي تويتر أو تيك توك.
وبوجود مهارات مثل "القدرة على التعامل مع الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة" و"التفكير المنهجي" و"المعرفة التكنولوجية"، يبدو أن أصحاب الأعمال يدركون الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيا المتطورة في مكان العمل. فقد كتب المنتدى الاقتصادي العالمي إن الذكاء الاصطناعي والرقمنة سيغيّران ملامح ربع الوظائف تقريباً خلال السنوات الخمس المقبلة.
لكن أهم المهارات والأولويات للشركات هي المهارات التي لا تتغيّر أهميتها على الإطلاق وتتجدّد دائماً، وهي غالباً سمات غير ملموسة ومهارات شخصية مثل التفكير الإبداعي والتحفيز والتعلم المستمر، وكتب المنتدى الاقتصادي العالمي إن رغبة أصحاب الأعمال في اكتساب الموظفين مهارات معرفية قوية تعكس الأهمية المتزايدة لمهارات حل المشاكل المعقدة.
حتى الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، قد شجّع منذ فترة طويلة الموظفين الذين يتمتعون بهذه المهارات الشخصية على التقدم للعمل مع عملاق التكنولوجيا. ويبحث كوك عن أربع سمات محددة في الموظفين الجدد حسبما قاله للطلاب في جامعة نابولي فيديريكو الثانية في إيطاليا العام الماضي، وهي: القدرة على التعاون، بالإضافة إلى الإبداع، والفضول، والخبرة.
وعلّق كوك قائلاً: "هذه هي المهارات والسمات التي نبحث عنها لدى موظفينا، وقد أثبتت كفاءتها بالنسبة لشركتنا. نبحث عن الأشخاص الذين يفكّرون بشكل مختلف، ويمكنهم النظر إلى مشكلة ما وعدم الانغماس في الأفكار بشأن كيف نُظِر إلى هذه المشكلة سابقاً بدلاً من حلّها".
تضاؤل الحاجة للشهادة الجامعية
كان قادة القطاعات المختلفة بعد التحولات الجذرية في السنوات الثلاث الماضية يركّزون على ثورة سوق العمل القائمة على المهارات، وتعني هذه الثورة في كثير من الأحيان الابتعاد عن متطلبات الشهادة الجامعية والتركيز على صقل المهارات وتحسينها في جميع المجالات.
وكتب الرئيس التنفيذي لشركة كورسيرا (Coursera)، جيف ماجيونكالدا، في تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي إن المرشحين للوظائف غير الحاصلين على درجات أكاديمية يمكن أن يتعلموا مهارات جديدة بالوتيرة نفسها التي يتعلّم بها خريجو الجامعات تقريباً. لكن المساواة بين هذين النوعين المختلفين من الموظفين سيتطلب عملاً مشتركاً من القطاعين العام والخاص لتوفير مسار مرن وميسور التكلفة يمكن أن يساعد الموظفين على اكتساب مهارات جديدة والانتقال إلى "وظائف المستقبل".
وقد يشكّل ذلك تغييراً مهماً للموظفين، لكن المشكلة هنا هي أنه على عكس مهاراتٍ مثل "الإلمام بالبرمجة" أو "امتلاك خبرة إدارية"، فإن إبراز المهارات الشخصية مثل "التفكير الإبداعي" و"الفضول" في السير الذاتية قد يكون أصعب.
وقالت المديرة المساعدة لجذب المواهب في شركة أومنيكوم ميديا غروب (Omnicom Media Group)، زهرة أميري، لفورتشن في مارس/آذار الماضي، إنه يمكن بدلاً من ذلك مثلاً أن نكتب في السيرة الذاتية إننا نتطلّع دائماً إلى تطوير مهاراتنا والتقدّم في وظائفنا، وأضافت: "سوف يدرك المحاور في مقابلة العمل ذلك ويسألك عما تفعله لضمان التطور والتقدّم"، موضحة أنك بذلك تبرز لمحات عن أفضل مهاراتك وخبراتك في سيرتك الذاتية، وقالت: "يتمحور الأمر هنا بالحديث عن مهاراتك بشكل مبدئي في السيرة الذاتية، ثم إبرازها والحديث عنها في المقابلة". ولحسن الحظ بالنسبة للموظفين، يعتقد شابيرو من شركة لينكد أن النفوذ بيد الموظفين، وأنه من غير المرجح أن يتغير ذلك في أي وقت قريباً.
وقال: "ما يزال أصحاب الأعمال يواجهون صعوبة في العثور على الموظفين الذين يحتاجونهم، حتى في سوق العمل الحالية، وهذا ناجم عن أن الاتجاه طويل الأجل نحو المهارات التكنولوجية لا يمكن إنكاره أو الإفلات منه، ولا يمكننا مواكبة ذلك".
واعترف شابيرو أن ملامح السوق سوف تتغير كل عام قليلاً فيما يتعلق بالطرف الأكثر نفوذاً بين الموظفين والرؤساء، وأضاف: "لكن الاتجاه طويل الأجل واضح جداً حسبما أعتقد".