اقترحت المفوضية الأوروبية حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا هذا الأسبوع رداً على المشاهد المروعة للمقابر الجماعية وإعدام المدنيين في مدينة بوتشا الأوكرانية.
وتشمل العقوبات المقترحة حظر دخول السفن الروسية إلى موانئ الاتحاد، وفرض قيود على صادرات السلع الأساسية مثل وقود الطائرات وأشباه الموصلات، وفرض مزيد من العقوبات على مسؤولين رئيسيين في الكرملين، بمن فيهم عائلة فلاديمير بوتين. لكن محور الخطة الجديدة هو فرض حظر على واردات الفحم الروسي.
وإذا تمت الموافقة على المقترح، فسوف ترتفع أسعار الفحم، التي اقتربت بالفعل من مستويات قياسية، إلى مستويات جديدة في الأشهر المقبلة؛ حيث يتدافع المشترون الأوروبيون لإيجاد بدائل للإمدادات الروسية.
ولكن على عكس حظر النفط أو الغاز الطبيعي، فإن حظر الفحم المقترح لن يكون مدمراً لأسعار الطاقة الأوروبية، بحسب تعبير ديمتري بوبوف، كبير محللي الفحم في شركة تحليلات الأعمال "سي آر يو غروب" (CRU Group)، لـ "فورتشن" (Fortune)، إذ إن بعض الاختلافات الرئيسية بين مصادر الطاقة المذكورة تعني أن عقوبات الفحم يمكن أن تلحق الضرر بروسيا دون إحداث فوضى في أوروبا.
أوروبا تودّع الفحم الروسي
استحوذت روسيا في عام 2021 على ما يقرب من 70% من واردات الاتحاد الأوروبي من الفحم الحراري، وهو نوع الفحم المستخدم لتوليد الكهرباء، وعلى الرغم من محاولات الانتقال من الاعتماد على الوقود الأحفوري، فإنه يُتوقَّع أن يُنتَج نحو 16% من إجمالي إنتاج الكهرباء في الاتحاد الأوروبي من الفحم الحراري في عام 2022، حسب بيانات شركة "سي آر يو غروب". هذه الأرقام كبيرة نسبياً، لكنّها لا تروي القصة الكاملة.
ففي حين أن الاتحاد الأوروبي يدفع نحو 850 مليون دولار يومياً مقابل النفط والغاز الروسيين، فإن تكاليف استيراد الفحم اليومية تبلغ نحو 20 مليون دولار فقط، وفقاً لتقارير حديثة. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا إلى مستويات قياسية بعد غزو أوكرانيا، قال بوبوف إن معظم هذه الزيادة ترجع إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، وليس الفحم.
وقد كان إنتاج الطاقة من الفحم في الواقع أرخص من الغاز الطبيعي خلال الأشهر الستة الأخيرة، وفقاً لبيانات شركة "سي آر يو غروب". بالإضافة إلى ذلك، بدأ العديد من مشتري الفحم الأوروبيين، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، في الابتعاد عن اعتمادهم على الواردات الروسية، كما قال بوبوف.
وقال بوبوف: "أعتقد أن ابتعاد المشترين الأوروبيين عن روسيا قد بدأ بالفعل منذ غزو روسيا لأوكرانيا، إذ قالت العديد من الشركات بالفعل إنها ستوقف الصفقات الجديدة مع مصدري الفحم الروس".
وجادل بوبوف بأن الحظر الأخير على الفحم يرفع من سعره، وبينما قد ترتفع الأسعار على المدى القريب، فإنه يجب أن تتوفّر البدائل بسرعة نسبياً وبأسعار ثابتة. وهذا يعني أن أثر اضطراب سوق الفحم من شأنه أن يكون مؤقتاً، لكن من غير المحتمل أن يستمر طويلاً.
وأضاف "إن التوقعات تشير إلى أن الأسعار ستظل مرتفعة في الربع القادم، ولكن بعد ذلك خلال النصف الثاني من العام، نتوقع أن تنخفض الأسعار بشكل حاد للغاية".
وبفضل جهود الضغط الناجحة في ألمانيا، فإنه أمام شركات الفحم الأوروبية أيضاً حتى منتصف أغسطس/آب (بموجب حزمة العقوبات) لإيجاد مصادر جديدة تحل محل الفحم الروسي، وفقاً للتقارير الأخيرة. وتتيح هذه الفترة للمشترين الأوروبيين فرصة لوضع اتفاقيات أفضل مما كان لديهم سابقاً.
تعويض الفحم الروسي
قال بوبوف إن مشتري الفحم الأوروبيين يتطلعون بشكل أساسي إلى الولايات المتحدة وكولومبيا لتأمين إمدادات جديدة. وتتوقّع شركة "سي آر يو غروب" أن تزيد الولايات المتحدة من صادراتها من الفحم بمقدار 9 ملايين طن هذا العام إلى أعلى مستوى منذ 2018، وستحذو كولومبيا حذوها، حيث ستزيد الصادرات بمقدار 14 مليون طن. وعلى الرغم من أن هذا ليس مخصصاً على وجه التحديد للاتحاد الأوروبي، فإن الإمداد سيساعده. وهذا الإمداد، إلى جانب زيادة الإنتاج من منتجي الفحم المحليين في ألمانيا، وبولندا، وجمهورية التشيك، يجب أن يعوّض غالبية خسائر الفحم الروسية.
ومع ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي ليس الجهة الوحيدة التي تسعى للتخلي عن روسيا، إذ يُتوقّع أن يظل الطلب العالمي على بدائل الفحم الروسي مرتفعاً خلال العام الحالي بعد أن قالت اليابان يوم الجمعة إنها تخطط أيضاً لحظر واردات الفحم من روسيا وقررت شركتا مرافق كوريتان جنوبيتان قطع العلاقات مع روسيا تماماً.
وقال بوبوف إن الزيادة الهائلة في الإنتاج المحلي في الصين، والتي تؤدي إلى انخفاض الطلب على الواردات من الصين، ستساعد في تعويض خسارة الفحم الروسي على مستوى العالم. وتتوقع شركة "سي آر يو" أن يرتفع الإنتاج العالمي للفحم الحراري بنسبة 3% على أساس سنوي لمواجهة الطلب المتزايد.