غياب الربط بين البيانات واستراتيجيات العلامات التجارية المبنيّة على اهتمامات الجمهور هو السبب في انطلاق شركة مكانة 360 الأردنية الناشئة التي تأسست في 2021، وفقاً لمؤسسها ورئيسها التنفيذي عبد الرحمن الحسامي الذي يشير إلى أن هناك شركات متخصصة في تحليل البيانات والتسويق، ولكنها تفتقد الربط بين البيانات والاتصال بالجمهور ومعرفة آرائه واهتماماته.
الاعتماد على صوت الناس
جاءت مكانة 360 لتعتمد على صوت الناس، وتستمع إليهم وتحلل ما يكتبونه ويذكرونه في حواراتهم، لتسهل على العلامات التجارية وضع خطط تواصل مع جمهورها وإدراك كيفية مخاطبتهم، وفقاً لحديث الحسامي مع فورتشن العربية، والذي أضاف إن اسم مكانة جاء من بحث كل علامة تجارية عن تعزيز مكانتها في السوق، فكما قال العالم الإسلامي محيي الدين بن عربي "المكان الذي لا يؤنث، يبقى مكاناً فحسب، أما إذا أضفنا إليه تاء التأنيث، حينذاك يغدو مكاناً ومكانة"، أما رقم 360 فيدل على أن مكانة تقدم حلولاً كاملة بداية من التحليل والدراسة، إلى بناء الاستراتيجية والتنفيذ، ومن ثم التقييم.
يعمل الحسامي في تحليل البيانات منذ 2007، ثم عمل في القطاع السياسي بالديوان الملكي الأردني عام 2012، إذ أسس دائرة الإعلام الرقمي وأدارها، ثم انتقل للعمل مستشاراً لرئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز في الإعلام والتقييم والاتصال الاستراتيجي، وبعد ذلك عمل مديراً للاتصال الاستراتيجي والتقييم في مجلس السياسات الوطني.
يشير الحسامي إلى أنه في كل الرحلة السابقة كان عمله متصلاً بالربط بين التكنولوجيا والبيانات، وبناء الرسالة الإعلامية والمحتوى الرقمي حتى يستطيع مخاطبة الجمهور، والاستفادة منها في بناء الصورة. بعد هذه الخبرة أطلق شركة مكانة 360.
وجد الحسامي وفريقه أن المسؤولين عن البيانات وتحليلها وتطوير الأعمال والمخططين الاستراتيجيين والتسويق والإعلام في أي مؤسسة، يعملون بشكل منفصل، ولا يستطيع فريق التسويق والإعلام أن يخاطب الجمهور بما يحتاجه، لذا تسعى مكانة إلى الربط بين جميع الأطراف وبناء استراتيجية موحّدة.
نموذج العمل
نموذج مكانة 360 مشتق من عدة نماذج موجودة على المستوى العالمي، وفقاً للحسامي، الذي يضيف إن الشركة تعمل دوماً على تطوير هذا النموذج بناءً على أحدث التطورات التي من شأنها أن توّفر النجاح للعملاء.
على الرغم من وجود نماذج عالمية مشابهة، إلا أنه لا يوجد نموذج مشابه لما تقوم به مكانة في المنطقة، فجميع المؤسسات تقدم تحليلاً ودراسة وتتوقف، أو تقدم استراتيجية مبنية فقط على الخبرات ولا تعتمد على الاستماع للجمهور وتحليله، أو أنها تنفذ دون فهم الجمهور، حسب الحسامي.
ما يميز مكانة هو أنها تحلل الجمهور بناءً على الاستماع الرقمي، أي حواراتهم الرقمية وتفاعلاتهم، وبشكل مباشر وبأي وقت، ولا تعتمد بشكل أكبر على الاستطلاعات، بل على تحليل السلوك للجمهور، إذ إنها تكاد تكون الشركة العربية الوحيدة التي تقوم بهذا النوع من الخدمات، على حد تعبير المؤسس.
نظام بُراق
يتم تجميع البيانات والحوارات والتفاعلات للجمهور من خلال وسائل الإعلام المسموعة ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والمنتديات وغيرها من المصادر الرقمية المتاحة، ومن جميع اللغات من كل دول العالم، وتقوم الشركة بتحليل أوّلي وتحليل ثانٍ ثم تحليل معمق، وذلك من خلال نظام بُراق المدعّم بالذكاء الاصطناعي.
تختلف شركة مكانة عن شركة لوسيديا (Lucidya) السعودية المتخصصة في تحليل البيانات. يقول الحسامي "ما يميز أدواتنا، هو أنها ترصد جميع مواقع التواصل بجميع اللغات، بالإضافة إلى 150 مليون موقع إلكتروني، بجانب عدم التوقف عند جمع البيانات، إذ تقوم مكانة ببناء التحليلات على ما تم جمعه من بيانات وحوارات وتفاعلات، ويتم ذلك من خلال متخصصين في علم البيانات والتحليل النفسي والاستراتيجيين الذين يقومون بتحليلات عميقة للبيانات والحوارات الرقمية تربط بين استراتيجيات المؤسسات وما يحتاجه صانع القرار".
وأشار إلى أن الفرق بين مكانة وبين الآخرين هو أنهم يقومون بتجميع البيانات والحوارات والتفاعلات الرقمية، وشركة مكانة تقوم بجعل هذه البيانات ذات معنى وقيمة أمام صانع القرار واستراتيجية المؤسسات، وليست مجرد أرقام وكلمات، إنما جمل متكاملة وواضحة.
يشيرالحسامي إلى أن بُراق يستطيع تحليل الحوارات المكتوبة في أي فترة من الفترات، حيث يفرّق بين الكلمات الإيجابية والسلبية حول علامة تجارية معينة، ويصنف البيانات والحوارات الرقمية حسب رغبة العميل، أي يستطيع ربط الحوارات الرقمية مع أي استراتيجية لأي مؤسسة، كما يستفيد النظام من الفيديوهات والصور على تويتر وإنستغرام لمعرفة مدى انتشار العلامات التجارية ورأي الجمهور فيها.
تحديات
أما التحديات التي واجهت الشركة، فقال الحسامي إنها تتمثل في صعوبة إقناع من لا يهتمون بالقيمة الفعلية والمحتملة للبيانات الرقمية ومحادثات الناس على الإنترنت، إذ إنهم اعتادوا على الطرق التقليدية للدراسات، وهي استطلاعات الرأي أو مجموعات التركيز. إنما، وبعد إثبات قيمة البيانات وقدرتها على معرفة ما يحتاجه الجمهور، استطاعت الشركة أن تغيّر وجهات نظر كثيرين، ووجدت الشركة عملاء مؤمنين بما تقدم.
جذب العملاء
استطاعت الشركة في عام جذب 12 عميلاً، حسب الرئيس التنفيذي الذي يقول إن شركته تتعامل مع واحدة من كبرى شركات الاتصالات بالخليج وهي شركة أوريدو (Ooredoo)؛ إذ تحلل لها مكانة سلوك العملاء بشكل يومي لمعرفة ما يتحدث عنه الجمهور في أي قطاع أو حواراتهم حول أي منتج.
تتعامل الشركة أيضاً مع منصة تود (Tod) القطرية المتخصصة في بث المحتوى عبر شبكة الإنترنت والتابعة لمجموعة بي إن الإعلامية (beIN Media Group) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تزودها مكانة بتحليلات حول نطاق الوجود الرقمي لها وسمعتها، إلى جانب التعامل مع بنكي الصفوة والاتحاد بالأردن، لتحليل آراء الجمهور حول سمعتهما وكفاءة حملاتهما، ومن هو الجمهور الذي يمكنهما استهدافه.
تقدم مكانة خدماتها أيضاً لشركة نوفارتس (Novartis)، وهي واحدة من أكبر الشركات متعددة الجنسيات المصنعة للأدوية في العالم، إذ حللت الشركة مشاعر المرضى ورحلة المريض من التشخيص إلى العلاج وما بعد مرحلة العلاج، وفقاً للحسامي الذي يشير إلى أن شركته تعمل أيضاً مع منظمات مجتمع مدني، لتحليل سلوك الناس وآرائهم حول ظروف اجتماعية أو سياسية معينة.
رؤية اقتصادية
تعمل مكانة أيضاً مع رؤية التحديث الاقتصادي التي وضعتها الأردن كأهداف استراتيجية للدولة، إذ تقدم مكانة خدماتها بمجال الاتصال والإعلام والتحليل، حسب الحسامي الذي أكد أن التحليل الرقمي استطاع إثبات كفاءته في الكشف عن اهتمامات الجمهور قطاعياً، والاستفادة منها خاصة في الفرص الاستثمارية على مستوى القطاعات.
قد تساعد مكانة أي مستثمر لمعرفة المجال الذي يجذب اهتمامات الناس بشكل أكبر، ومن ثم الاستثمار في مجال اهتماماتهم، فإذا كان الاهتمام بالتعليم أو الصحة يمكن الاستثمار في تلك المجالات، بل وتعطيهم الشركة أيضاً تحليلاً للأماكن التي يمكن الاستثمار فيها بناءً على احتياجات الجمهور.
يشير الحسامي إلى أن الشركة تقدم خدمات في أكثر من مجال، بدءاً من تحليل البيانات، وبناء استراتيجية التعامل مع الجمهور في أي قطاع، إذ إن أي علامة تجارية تستطيع معرفة رأي الجمهور فيما تقدمه، وهذا قد ينقذها من أي أزمات.
ويضيف إن الشركة تضم متخصصين يقدمون صورة كاملة عن عملاء أي علامة تجارية، ومن ثم بناء المحتوى الرقمي بناءً على اهتمامات الناس، وهذا يساعد العلامات التجارية في أثناء القيام بالحملات الإعلامية.
الذكاء التنافسي
تعتمد الشركة ما يسمى "الذكاء التنافسي"، والذي بموجبه يمكنها معرفة البنك رقم 1 في اهتمامات الناس أو أي علامة تجارية أخرى من خلال تحليل آراء الجمهور وحواراتهم، ما يساعد كل شركة على معرفة المنافسين واهتمامات الناس بما يقدمونه.
يشير الذكاء التنافسي، إلى القدرة على جمع وتحليل واستخدام المعلومات التي تم جمعها عن المنافسين والعملاء وعوامل السوق الأخرى التي تسهم في الميزة التنافسية للأعمال. يعتبر الذكاء التنافسي مهماً لأنه يساعد الشركات على فهم بيئتها التنافسية والفرص والتحديات التي تطرحها، وتقوم الشركات بتحليل المعلومات لإنشاء ممارسات تجارية فعالة.
استثمارات
تستهدف الشركة الحصول على استثمارات خلال الفترة القادمة، إذ يشير الحسامي إلى أنها في المرحلة الأولى من تأسيسها لم تكن في حاجة إلى استثمارات، إذ إن عائدات الشركة تغطي مصاريفها، وتأجلت تلك الخطوة من أجل الحصول على استثمار بناءً على تقييم أكبر للشركة بعد أن تكون قد جذبت عملاء وأصبحت لها مكانتها في السوق.
وقد قامت هذا العام باستثمار ما يقرب من 250 ألف دينار أردني (352 ألف دولار) لمدة عامين في البحث والتطوير، خاصة في أنواع التحليل والأدوات الرقمية، وسيكون الحصول على استثمار من أجل التوسع في الخدمات وطرحها بأسواق أخرى.
تروج الشركة لمنتجها الرياضي الجديد، ويقول الحسامي "بعد النجاحات التي حققتها مكانة خلال كأس العالم، وعملها مع أكبر قناة ناقلة لكاس العالم وهي بي إن سبورت (bein Sports)، والإقبال من قبل خبراء التحليل الرياضي لمعرفة المزيد عما نقدمه؛ نقوم الآن بتطوير وحدة خاصة في الشركة لتحليل جمهور المشجعين على مواقع التواصل الاجتماعي وتحليل سلوكهم وانطباعاتهم تجاه المنتخبات أو الأندية أو اللاعبين".
يضيف الحسامي "إن المنتج الجديد سيساعد كبرى الشركات على معرفة أين تستثمر في رعاية الفرق أو اللاعبين، وذلك مبنيّ على ما يحتاجه الجمهور وما يريد أن يتعامل معه، كما ستقوم الشركة بمعرفة قيمة السمعة لكل منتخب ولاعب، وبالتالي سيساعد صنّاع القرار في استثماراتهم، أما القنوات الإعلامية فستستفيد من تحليل مكانة لمعرفة من هو الفائز في كل مباراة".