اعتدنا إلى عهد قريب، أن نتعامل مع الخبر الذي نقرأه على أنه عملية نقل للمعلومات أو وصف لحدث مهم وقع مؤخراً أو آني الحدوث. ولكن التضخّم الكبير في البيانات - ومن ثم المعلومات – أدى إلى اختلاف هذا الحال، ودفع نحو تخصّص الأخبار في مواضيع فرعية فنراها اليوم في أنهار وجداول وسواقي.
لا شأن لي في مقالي هذا أن أزور الخبر فآتي على أسبابه وعناصره ونماذجه ومصادره وطرق تحريره، ولكن شأني كل الشأن في تناول الدور الذي تضطلع به أخبار الإدارة والاقتصاد اليوم، وكشف ما إذا كانت قد اكتفت بنقل المعلومة وتوصيل الخبر، أم أن وراء الستارة ما ورائها. وإن كان هناك من مكان يُنشد لفتح هذا الباب، فإن فورتش العربية الفتيّة لغةً، المعمرة علماً وخبرةً هي الساحة والميدان.
تحتل أخبار الإدارة والاقتصاد مكاناً بارزاً على خشبة الوعي المهني اليوم، فأضحت تلعب أدوراً، وتتقمص شخصيات، وتطلق تشبيهات وتلميحات وتوريات. ولا بد من الإشارة إلى أن المعنى المراد لأخبار الإدارة وممارساتها لا ينحصر - في هذا المقام - بما يتم نشره من أخبار فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى الأخبار التي تخرج بأشكال أخرى كمقال إداري، أو تقرير اقتصادي، أو غير ذلك، حيث تتضمن خبراً، أو تُكتب بناءً على خبر، أو تفاعلاً مع حدث اقتصادي وقع مؤخراً.
تؤثر الأخبار الاقتصادية على سلوك المستهلكين، وهذا بدوره يؤدي إلى تأثيرات اقتصادية حقيقية، فقد أظهرت إحدى الدراسات التي شملت 31 دولة أن الأخبار المرتبطة بالركود الاقتصادي تؤثر سلباً على ثقة المستهلك وكذلك على الإنفاق، وأن هذا التأثير يكون أقوى في الدول ذات شبكات الضمان الاجتماعي الأضعف.
لا يقف تأثير الأخبار الاقتصادية في حالات الركود، وإنما كذلك له تأثير واضح على الأسواق المالية وأسواق الأسهم وأسواق الإسكان وغيرها، فعندما ذكرت وسائل الإعلام أن سوق الإسكان في حالة ركود، تجنب الناس القيام بعمليات شراء كبيرة للمنازل.
من الإشكاليات الأخرى التي تستحق النظر، الاستناد إلى معلومات جزئية، فكثيرٌ ممن يقرأون الصحف والمواقع الإلكترونية لا يقرأون المقالات كاملة، ففي المتوسط يقرأ الشخص العادي في الولايات المتحدة حوالي 30% من المقال، وهذا ما يضخّم أثر العناوين الباذخة والافتتاحيات الساخنة، ويؤدي إلى نتائج غير تلك التي يستدعيها الواقع.
إن تأثير أخبار الاقتصاد والأعمال هو واضح جلي، ومدعّم بالعديد من الأبحاث التي لجأت إلى مقاييس صريحة ومؤشرات دقيقة أمكن الاعتماد عليها للوصول إلى النتائج المنشورة. ولكننا نعرف أن في قصص الإدارة دائماً جوانب خفية، ولجبل الجليد دائماً قمة ظاهرة تقبع فوق كتلة كبيرة محجوبة، فكما تؤثر أخبار الاقتصاد على سلوك المستهلك، تؤثر أخبار الإدارة على الممارسات الإدارية والسلوك المهني. بعض هذا التأثير إيجابي ومطلوب يقع في باب التعليم والتدريب واكتساب المعرفة، وبعضه الآخر سلبي ومبغوض يقع في باب ثانٍ هو باب التشويه والتقزيم وذر الرماد في العيون، وإن الباب الأول هو واضحٌ ساطعٌ يقتضيه منطق الأمور وحسن التدبّر، أما الباب الثاني فهو ما يستحق التأمل والتحليل والتناول.
ينتج أثر مقالات الإدارة وأخبار الأعمال عن عناصر محددة، ويشتد هذا الأثر أو يضعف حسب توفر تلك العناصر والمزيج التي تتشكل منه، فيمكن للأفكار التالية أن تكون وصفة تجويد إن استخدمناها بالشكل المطلوب:
- المحتوى: من الواضح أن المحتوى الرصين يترك أثراً إيجابياً ويصل بالقارئ مناطق أبعد، وعلى العكس فإن المحتوى الضعيف والسطحي له أثرٌ سلبيٌ لا يمر بالضرورة مرور الكرام، ويكلف أحياناً أكثر من الوقت الذي خُصص لقراءته، فيمكن للمحتوى الضعيف أن يحمل القارئ إلى اعتناق أفكار إدارية فاشلة، أو تطبيق أساليب غير مجدية، كما يمكن للمحتوى الضعيف أن يشوش ذهن المتلقي ويكون ذلك عندما يطعن بغير حق في ممارسات رشيدة، ويشكك بغير دليل في إنجازات حصيفة.
- المتلقي: يختلف تأثير المقالات والأخبار باختلاف المتلقين، فعندما يكون القارئ قليل الخبرة متواضع المعرفة، يميل إلى أن يعيش في ذهنية التقبّل فيبتلع ما يقرأ دون مضغ، ويفقده دون هضم، ولكنه لا يتردد في الحديث به فيحمل الأفكار والمعلومات التي قرأها ويدور ينادي بها ويدافع عنها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولك أن تتخيل الأثر السلبي لذلك إذا كانت هذه المعلومات خاطئة أو ضعيفة غير موثوقة. أمّا إذا كان المتلقي على قدر من الخبرة والمعرفة، فيعيش في ذهنية المحلل والمقيّم فيزن ما يقرأ ويضعه في مكانه الصحيح، فيأخذ ما يجد فيه الفائدة، ويَترك ما يجب أن يُترك.
- المصدر: كلما كان المصدر موثوقاً، كلما كان الأثر أقوى. فعند نشر مقال في موقع رصين أو صدور خبر عن شخصية مهنية مشهود لها، يكون له من الأثر ما ليس لغيره، حيث يكتسب من مصداقية الموقع مصداقية، ومن مهنية المصدر مهنية. لذلك فإن الخطأ هنا يتضخم، وتزداد تداعياته، ويكبر أثره.
- التوقيت: على الرغم أنه وللوهلة الأولى يظهر التوقيت كعامل ثانوي ليس بذي أهمية في الأخبار والمقالات الاقتصادية والإدارية، إلّا أن الواقع غير ذلك. فكم من شركات هوت ومصارف أفلست نتيجة خبر جاء في وقت حاسم، حتى أن التوقيت أصبح من أبجديات نشر الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي، واللحاق بالمواضيع الرائجة Trends في الوقت المناسب له أثر مباشر على مصير الخبر من حيث الانتشار والقراءة. يركب بعض هواة الاقتصاد وأغرار الإدارة موجة المواضيع الرائجة، فنراهم ما إن يتعثروا بموضوع حتى يصطبغوا بلونه ويبدأوا بالمناداة به، وهذا ما يصيب المتلقي بالخمول ويفقده القدرة على التفكّر والتنوّر والاستباقية.
هل سنشهد في المرحلة القادمة توجّهاً نحو اعتبار الكتابة في الإدارة والاقتصاد عامل تأثير وسلاح بناء؟ الوقت وحده كفيلٌ بالإجابة.