المحتوى محمي
المحتوى محمي
مالية ومصارف

مرحلة خفض التضخم الحالية تعكس ملامح الثمانينيات وهذا ليس مبشّراً

يعتقد بنك جيفريز أن الأميركيين، وخاصة المستثمرين الأميركيين، يجب ألا يقلقوا بشأن التضخم على الإطلاق، إذ إن مصدر القلق الفعلي هو خفض التضخم مثلما حدث في أوائل الثمانينيات.

بقلم


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية، تصميم: أسامة حرح)

كان التضخم مصدر القلق الأكبر للأميركيين في عام 2022، حيث ارتفعت أسعار كل شيء من الغاز إلى القمح نحو مستويات قياسية، وبلغ التضخم السنوي أعلى مستوياته خلال 40 عاماً وفقاً لمؤشر أسعار المستهلك عند 9.1% في يونيو/حزيران، لكنّه تراجع سريعاً بعد ذلك، وصرّح بنك جيفريز (Jefferies) بأن هذا الاتجاه سيستمر خلال العام المقبل. 

وكتب الرئيس العالمي للاستراتيجية المصغّرة في البنك الاستثماري، ديش بيرامونيتيليكي، في مذكرة يوم الخميس: "لقد بلغ التضخم في الولايات المتحدة ذروته، وإن خفض التضخم هو الهدف الرئيسي لعام 2023".

ويعتقد بنك جيفريز أن الأميركيين، وخاصة المستثمرين الأميركيين، يجب ألا يقلقوا بشأن التضخم على الإطلاق، إذ إن مصدر القلق الفعلي هو خفض التضخم مثلما حدث في أوائل الثمانينيات، ومن المحتمل أن يرافقه انخفاض في أرباح الشركات وركود في الولايات المتحدة بحلول النصف الثاني من عام 2023.

وأوضح محللو البنك الاستثماري بعض أوجه التشابه الرئيسية بين الفترة التي أعقبت التضخم الكبير (Great Inflation) الحاصل بين عامي 1965 و1982، والانخفاض السريع في مؤشر أسعار المستهلك اليوم. فعندما أصبح بول فولكر الرئيس الثاني عشر للفيدرالي الأميركي في أغسطس/آب 1979، بدأ فوراً معركة ضد التضخم المتفشي الذي عصف بالاقتصاد في العقد السابق لتعيينه، وأدّت سياساته في النهاية إلى رفع أسعار الفائدة إلى ما يقرب من 20%، وأدت الزيادات السريعة في أسعار الفائدة التي أقرّها فولكر إلى تباطؤ الاقتصاد بسرعة كبيرة حتى بدأ الركود بحلول يناير/كانون الثاني 1980، وارتفعت البطالة حتى وصلت إلى ذروتها عند 10.8% في ديسمبر/كانون الأول 1982.

وبالمقارنة مع الوضع الراهن، رفع الرئيس الحالي للفيدرالي الأميركي، جيروم باول، أسعار الفائدة على مدار العام الماضي بوتيرة أكبر من أي رئيس آخر بعد فولكر، وأوضح باول أنه لا يستبعد حدوث بعض "الضرر" الاقتصادي في سبيل السيطرة على التضخم، تماماً كما حصل في حقبة رئاسة فولكر، ويقول محللو بنك جيفريز إن أفعال باول تعيد إلى الذاكرة أفعال سلفه فولكر.

وكتبوا: "إن حقبة خفض التضخم في فترة رئاسة فولكر للفيدرالي الأميركي من 1980 إلى 1983 تشبه إلى حد كبير الدورة الحالية نظراً لقبول معدلات الفائدة المرتفعة حتى لو كانت على حساب ارتفاع معدلات البطالة والركود، وكان اتجاه تراجع التضخم حينئذ مدفوعاً جزئياً بتخفيف ضغوط العرض من النفط، تماماً كما يجري حالياً".

وإذا اعتبرنا أن الوضع الاقتصادي الحالي مماثل لما حصل في حقبة فولكر، يمكننا رسمياً القول إنها ستكون فترة صعبة على المستثمرين، حيث انخفض العائد المتأخر على السهم لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 19% في ظل إجراءات فولكر لخفض التضخم، وهذا شائع خلال فترات خفض التضخم الرئيسية عبر تاريخ الولايات المتحدة وفقاً لمحللي بنك جيفريز.

وبنك جيفريز ليس البنك الاستثماري الوحيد الذي حذّر من حدوث انخفاض كبير في أرباح الشركات خلال الأسابيع الأخيرة، إذ أوضح الرئيس التنفيذي للاستثمار في بنك مورغان ستانلي، مايك ويلسون، مراراً وتكراراً أن تقديرات أرباح الشركات مرتفعة جداً وستنخفض في النهاية هي والأسهم. وقال لقناة سي إن بي سي (CNBC) مؤخراً واصفاً آثار خفض التضخم على الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500: "هذا مجال آخر يشعر فيه المستثمرون بالرضا قليلاً، إذ إن التكاليف تزداد أسرع من صافي الإيرادات، ويجب أن تنخفض تقديرات أرباح العام بأكمله".

ويتوقع ويلسون أن ينخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى 3,000، أي بأكثر من 20%، في النصف الأول من العام. وأكّد محللو الأسهم في بنك جيفريز على هذا الرأي هذا الأسبوع، قائلين إنهم يتوقعون أن يشهد المؤشر "تصحيحاً" في الربع الأول ليس فقط بسبب انخفاض الأرباح، ولكن أيضاً بسبب تأثير أسعار الفائدة المرتفعة على هوامش الربح ومخاطر الركود المتزايدة.

لكنهم أوضحوا أن الأسهم قد تشهد "ارتفاعاً ملحوظاً" بحلول منتصف العام بعد نصف أول صعب، وأوصوا المستثمرين بالتركيز على الأسهم "الممتازة" استناداً إلى أدائها التاريخي المتفوق خلال فترات خفض التضخم.

وكتبوا إن "الاستثمار في هذه الأسهم وفّر أرباحاً متّسقة، ومن منظور النهج الاستثماري، يُنصَح بالتركيز على هذه الأسهم الممتازة، حيث تفوقت أسهم النمو الممتازة على الأسهم الدورية خلال فترة التضخم في الثمانينيات". ويتجّه محللو وول ستريت ومدراء الثروات لتصنيف الأسهم في فئات استثمارية مختلفة تسمى عناصر النهج الاستثماري (style factors)، وذلك لمساعدة العملاء على تحقيق عوائد أعلى من المتوسط وإدارة المخاطر وتنويع محافظهم الاستثمارية.

فعلى سبيل المثال، يمكن أن يفضّل المحللون أسهم النمو، وهي أسهم الشركات التي يُتوقَّع أن تنمو بسرعة، على أسهم القيمة، وهي الأسهم التي تتداول بسعر أقل من قيمتها الفعلية أو مقارنة مع الأسهم المشابهة. وبينما قال محللو الأسهم في بنك جيفريز مؤخراً إنهم يفضلون "الأسهم الممتازة" من عناصر النهج الاستثماري في الوقت الراهن، فإن تحديد هذه الأسهم ليس بالسهولة المتوقّعة.

وأوضح المحللون أنه "لا يوجد تعريف ثابت للأسهم الممتازة، لأنها تعتمد فعلياً على منظور المستثمر".

وعادةً ما تكون الأسهم "الممتازة" أسهم شركات تتمتع بتدفقات نقدية ثابتة وقابلة للتنبؤ، وتكون أسهماً مربحة حسب مقاييس مثل العائد على حقوق الملكية (ROE) والعائد على رأس المال المستثمر (ROIC).

لكن بنك جيفريز قد طوّر إطاره الخاص لتحديد الأسهم الممتازة الحقيقية استناداً إلى معايير مثل الميزانيات العمومية القوية، والهوامش المتّسقة والكبيرة، والأرباح المتوقعة. وتضمّنت قائمة بنك جيفريز "للأسهم الممتازة ذات السعر المعقول" التي يمكن أن تتفوق على أداء السوق ككل هذا العام أسهم شركات مثل وول مارت (Walmart) وهوم ديبوت (Home Depot) وفيزا (Visa) وميرك (Merck).

وبقدر ما يتعلّق أداء الأسهم بوضع القطاعات، فقد أوصى المحللون بالتركيز على أسهم "السلع الأساسية، والمرافق، وخدمات الاتصالات، والرعاية الصحية"، قائلين إن هذه القطاعات "تفوّقت أكثر من غيرها" في الفترة التي شهدت انخفاض مؤشر أسعار المستهلك بين أبريل/نيسان 1980 وفبراير/شباط من عام 1983.


image
image