بعد استحواذ تيك توك على المستخدمين وإبعادهم عن عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي الراسخين مثل إنستغرام وسناب ويوتيوب، تسعى المنصة الصينية وراء شركة عملاقة تكنولوجية أخرى على الأراضي الأميركية: أمازون. ولكن في حين أثبتت منصة الفيديو تيك توك المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أنه لا يمكن للمستهلكين الأميركيين مقاومتها، فإن جهود الشركة لتصبح وجهة تسوق تواجه بالفعل تحديات قد يكون من الصعب التغلب عليها.
فوفقاً للعديد من الخبراء في قطاع التجارة الإلكترونية الذين تحدثت فورتشن معهم، يتسبب العدد الكبير من المنتجات المنخفضة الجودة المعروضة للبيع على متجر تيك توك (TikTok Shop)، إضافة إلى سياسات تيك توك حول بيانات العملاء، في تنفير بعض الشركاء المحتملين.
يبدو أن تيك توك تعلق آمالاً كبيرة على هذا المتجر، فقد وضعته في مكان بارز على الشاشة الرئيسية للبحث في التطبيق عند إطلاقه في وقت سابق من هذا الأسبوع. فعندما يفتح مستخدمو تيك توك، البالغ عددهم 150 مليون مستخدم في الولايات المتحدة، التطبيق على هواتفهم، يمكنهم الوصول بسرعة إلى خدمة التسوق الجديدة من خلال النقر على (Shop) بجوار علامتي التبويب الشهيرتين (For You) و(Following). وداخل المتجر، يمكن للمستخدمين التمرير للأسفل للعثور على صفقات اليوم والعلامات التجارية المميزة والمنتجات "الموصى بها"، إضافة إلى أماكن لإدارة طلباتهم وعناوين الشحن وتاريخ التصفح.
عندما ينقر المستخدمون على منتجات مثل السترات والسراويل، يمكنهم رؤيتها تظهر في مقاطع فيديو عادية على تيك توك، ما يُعد نظرياً عرضاً أكثر دقة من صورة لعارض أزياء محترف في كتالوغ (على الرغم من أن شركاء التسويق للمتجر يتلقون عمولات مبيعات).
يبدو أن الاختيار يميل بشدة نحو المنتجات المنخفضة الأسعار. فعندما تصفحت فورتشن متجر تيك توك لأول مرة، وجدت أن المنتجات السبعة الأولى، وجميعها ملابس، صُنعَت في الصين وكانت تكلفتها أقل من 20 دولاراً. بالنسبة للمسوقين والمؤثرين الذين لا يرغبون في إرفاق صور علاماتهم التجارية مع العروض المنخفضة الجودة والمنتجات المقلَّدة، قد يكون هذا مثبطاً.
تقول المؤثرة في مجال التسوق، بروك جولين، التي لديها نحو 90 ألف متابع على تيك توك وتجني ما يصل إلى 50 ألف دولار شهرياً من أمازون وصفقات العلامات التجارية وأدوات إنشاء المحتوى: "جميعها سيئة". نشرت جولين بعض مقاطع الفيديو على متجر تيك توك للمنتجات التي أعجبتها، لكنها تقول إن جودتها وعمولات شركاء التسويق أقل من الشركات المماثلة لأمازون. وأضافت: "بالنسبة للشباب الأكبر سناً مثلي، هذا ليس شيئاً سأسعى إليه. لن أبيع منتجات سيئة تُستخدم مرة واحدة ثم تُلقى في مكب النفايات، إنها مشكلة تتعلق بالجودة كلياً".
تقول رئيسة قسم المواهب في شركة شاين (Shine) لإدارة المؤثرين، هيلي غالر، إن تيك توك تجذب العلامات التجارية الأميركية إلى المتجر من أجل تقليل هذه المخاوف: "إنهم يعملون بالتأكيد على إدخال بعض الشركاء الرائعين حقاً والذين أعلنوا عنهم، لذلك أعتقد أن المتجر سيتحسن أكثر فأكثر".
اعترض أحد ممثلي تيك توك على وصف المنتجات المتاحة للبيع بأنها "منخفضة الجودة"، وأشار إلى أن المنصة أُطلقت رسمياً هذا الأسبوع فقط وأن الشركة أدخلت بالفعل علامات تجارية مثل لوريال (L’Oreal) وبنفت (Benefit) وريفولف (Revolve) وسكراب دادي (ScrubDaddy). أخبر هذا المتحدث فورتشن أيضاً إن متجر تيك توك يضم أكثر من 200 ألف بائع و100 ألف منشئ محتوى يشاركون في برنامج تيك توك للتسويق بالعمولة.
لكن بعض العلامات التجارية قد ترفض سياسات البيانات التي تتبعها تيك توك. فقد صرّحت الرئيسة التنفيذية لشركة مستحضرات التجميل غلامنتيك (Glamnetic) ومؤسِّستها، آن ماكفيران، لفورتشن إن عملية إدخال الشركاء التي تتبعها تيك توك كانت معقدة للغاية، وإن الشركة لا تمنح العلامات التجارية إمكانية الوصول إلى بيانات العملاء.
قالت ماكفيران: "سيبدؤون بتحقيق إيرادات فعلية وأخذ معلومات بطاقات الائتمان من جميع هؤلاء المستخدمين، [ولكنهم] لن يشاركوها مع العلامات التجارية الفعلية"، وناقشت لماذا قررت شركتها للأظافر الصناعية والرموش المستعارة عدم الانضمام إلى متجر تيك توك عند إطلاقه.
قالت عن تيك توك: "إنها حرفياً تمتلك جميع البيانات"، مضيفة إنها "لن تشارك حتى عناوين البريد الإلكتروني" مع الشركات.
صرّح أحد ممثلي الشركة لفورتشن إن المتجر متكامل مع شوبيفاي وسيلز فورس ومنصات أخرى لتمكين التجارة، لكنه لم يوضح إذا كانت تشارك رسائل البريد الإلكتروني للعملاء مع التجار. (لا تشارك أمازون رسائل البريد الإلكتروني للعملاء مع التجار أيضاً، لذا فإن سياسة تيك توك ليست فريدة في هذا الصدد).
ومع ذلك، بالنسبة للعلامات التجارية التي تتطلع إلى بناء علاقات مع العملاء وتكرار المبيعات، فإن عدم توفر بيانات قد يمثل مشكلة. وحقيقة أن هذه البيانات الشخصية الحساسة، بما فيها معلومات بطاقات الائتمان والعناوين البريدية، تجمعها الشركة المملوكة للصين يمكن أن تخلق المزيد من التعقيدات. تخضع تيك توك بالفعل للمراقبة من الحكومة الأميركية، خشية استخدام التطبيق المملوك للصين للتجسس على الأميركيين (تقول تيك توك إنها لا تشارك بيانات المستخدمين الأميركيين المحمية مع الصين).
صرّحت مديرة في شركة سلو فينتشرز (Slow Ventures) التي تستثمر في اقتصاد منشئي المحتوى، ميغان لايتكاب: "سيكون من المثير للاهتمام معرفة إذا ما كان الارتياب الحكومي إزاء حماية البيانات والخصوصية سيؤدي إلى ارتياب المستهلكين، لأن التسوق بطبيعته معاملة مليئة بالبيانات".
عادات التسوق لجيل الهواتف الذكية
يتزامن دخول تيك توك إلى مجال التسوق مع توغُّل أمازون، أكبر شركة للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، في وسائل التواصل الاجتماعي. يمثل التقارب بين هذه الأسواق الإلكترونية التي كانت مختلفة عن بعضها ذات يوم مثالاً على التداخل الطبيعي بين العلاقات عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية بالنسبة لجيل الهواتف الذكية.
تقول الرئيسة التنفيذية للتسويق في شركة كوميرس تولز (Commercetools) لتمكين التجارة الإلكترونية، جين جونز: "مع القوة الشرائية للجيل زد، وبعدما أصبحت تيك توك وجهة لهم، هذه فرصة كبيرة لرؤية ما يمكن أن تصبح عليه التجارة الاجتماعية فعلياً في الولايات المتحدة".
بالنسبة للعديد من المستخدمين من الجيل زد الذين اعتادوا منذ صغرهم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن مشاركة البيانات هي واقع لا مناص منه. ونظراً إلى أن هذه الفئة السكانية هي المهيمنة على تيك توك، فقد يكون خيار شراء سلع بأسعار معقولة من خلال منصتهم الاجتماعية المفضلة كافياً لتحويلها إلى وجهة تسوق. تقول لايتكاب من سلو فينتشرز: "إنها خطوة منطقية بالنظر إلى الزخم الذي اكتسبته من استكشاف المنتجات (غير المتعمد) والبحث (المتعمد). فهي تفيد المستهلكين، لأنها تتيح لهم خيارات أكثر وأفضل وتوفر لهم الراحة".
بالإضافة إلى التنافس مع أمازون، لدى متجر تيك توك أيضاً علاقات "تشبه العلاقة مع الأصدقاء الأعداء" مع مواقع التجارة الصينية، مثل تيمو (Temu) وشي إن (Shein)، التي شاع استخدامها بين المستهلكين والمؤثرين في الولايات المتحدة نظراً إلى الملابس العصرية التي تعرضها بأسعار تنافسية. لم يكن تيمو ولا شي إن جزءاً من متجر تيك توك عند إطلاقه في الولايات المتحدة هذا الأسبوع.
لا تزال التعويضات المقدمة لمنشئي المحتوى الذين يعملون بوصفهم شركاء تسويق على متجر تيك توك تثير الكثير من التساؤلات. تقول جولين إن تيك توك دفعت لها أقل من 100 دولار مقابل مقاطع الفيديو الخاصة بها في المتجر، وهو مبلغ قليل مقارنة بمكاسبها من أمازون ووول مارت والعلامات التجارية التي تصل إلى عشرات الآلاف شهرياً.
لكن تيك توك أثبتت أنها قادرة على الاستفادة من التكنولوجيات، مثل الذكاء الاصطناعي، لجعل مقاطع الفيديو تنتشر بسرعة. إذا تمكنت الشركة من تحقيق الإنجاز نفسه في التسوق، فربما يغير منشئو المحتوى رأيهم.
تقول لايتكاب: "إنه سلوك جديد نوعاً ما، لذا سيكون من المثير للاهتمام تتبُّع الإقبال الفعلي للمستهلك. وإقبال المستهلكين سيعود بفوائد على منشئي المحتوى".