خلافاً للفترة الماضية، لم يعد يُنظر إلى جوازات السفر الثانية على أنها سلع فاخرة مثل السيارات الفارهة أو اليخوت، إذ أصبحت ضرورة للأشخاص الذين يعتبرون حرية السفر جزءاً أساسياً من حياتهم، خصوصاً بعد التغيرات التي شهدها العالم بسبب الصراعات القديمة والجديدة، وجائحة كوفيد-19 والعولمة واللامركزية في أنظمة الدولة، والرقمنة السريعة وغيرها من التطورات.
يشرح المؤسس والمدير التنفيذي لشركة سيتيزنشيب باي (Citizenship Bay)، زيد الديرية، في حديثه مع فورتشن أنّ كلاً من اليونان ومالطا والبرتغال لفتت أنظار الخليجيين كبلاد للاستثمار بهدف الحصول على إقامات على مدى السنوات الأخيرة الماضية وما زالت حتى اليوم. وسيتيزنشيب باي شركة تعمل في مجال توفير الوسائل التي تساعد العملاء في الحصول على المواطنة أو الإقامة الأجنبية من خلال برامج استثمار قانونية ومعتمدة من قبل الحكومات.
فورتشن: ما هي أنظمة وبرامج الإقامة الدائمة والذهبية والجنسية؟ وما البلدان التي تقدمها؟
الديرية: انطلقت برامج الجنسية والإقامات عبر الاستثمار مع دولة سانت كيتس في البحر الكاريبي في العام 1983، وهي برامج صممتها الدول لجذب رؤوس الأموال الأجنبية ورجال الأعمال من خلال توفير حق الإقامة والجنسية مقابل الاستثمار. تنقسم هذه البرامج إلى نوعين أساسين وهما: الجنسية عن طريق الاستثمار والإقامة عن طريق الاستثمار.
النوع الأول: الجنسية وجواز السفر
هي برامج منتشرة بشكل كبير في البحر الكاريبي، حيث تقوم الدول عادةً بتحديد معايير عدة يجب استيفاؤها حتى يصبح المستثمر مؤهلاً لقبوله في البرنامج والحصول على الجنسية، مع تقديم خيارات للاختيار منها وأبرزها مساهمة غير قابلة للاسترداد أو الاستثمار بالعقارات. وأبرز الدول التي تقدم هذا النوع هي أنتيغوا وبربودا وسانت كيتس ونيفيس وسانت لوسيا وغرينادا ودومينيكا الموجودة في البحر الكاريبي بالإضافة إلى تركيا وفانواتو. وبالمقابل، يحصل المستثمرون على الجنسية وعلى كل الحقوق كمواطنين، كحق العيش والتمتع بجميع المزايا التي توفرها أنظمة الدولة.
النوع الثاني: برامج الإقامة عن طريق الاستثمار
هي برامج مرتبطة بشكل أساسي ببعض الدول الأوروبية وأبرزها قبرص ومالطا واليونان وإسبانيا إضافة إلى الإمارات والولايات المتحدة. خلال هذه البرامج يقوم رجال الأعمال بالاستثمار بقيمة مالية تحددها الدول، وينالون الإقامة، وهي وثيقة تسمح للأفراد بالبقاء في بلد معين ودخوله في أي وقت والحصول على التأمين الصحي والاستفادة من النظام التعليمي، إلا أنها لا تمنح حاملها أي حقوق سياسية ولا حتى حق التصويت.
وللإقامة عن طريق الاستثمار نوعان هما: الإقامة المؤقتة المعروفة بالتأشيرة الذهبية وهي مرتبطة بفترة زمنية معينة تكون طويلة عادةً، والإقامة الدائمة وهي لمدى الحياة. ويمكن لحاملي تصريح الإقامة بإحدى دول الاتحاد الأوروبي زيارة دول الشنغن من دون أي قيود تفرض ومن دون تأشيرة.
فورتشن: ما القيمة المضافة لكل منها وما الفائدة التي تقدمها على الصعيد الشخصي ولجهة الأعمال؟
الديرية: كما ذكرنا سابقاً، لم يعد يُنظر إلى جوازات السفر الثانية على أنها سلع فاخرة بل أصبحت ضرورة للأشخاص الذين يبحثون عن توسيع آفاقهم. فكل مستثمر يفكر بتطوير عمله، أو تأمين حياة أفضل له ولعائلته، أو يسعى للعيش في عالم بلا حدود، أو تأمين مكان للتقاعد فإن هذه البرامج تضمن حياة أفضل، ويمكن للجنسية الثانية أو الإقامة أن تؤمن له ذلك.
أبرز الفوائد على الصعيد الشخصي:
- السفر دون تأشيرة وزيادة التنقل حول العالم: إذ تتيح جوازات السفر الثانية الوصول إلى مزيد من البلدان دون تأشيرة أكثر من غيرها، وقد يصل عددها إلى 185 في حال بعض الجوازات، ما يوفر قدراً أكبر من المرونة، ويمكن أن يسهل أيضاً الحصول على تصريح عمل.
- الاستقرار السياسي: إذا كان بلد المستثمر يمر باضطراب سياسي أو عدم استقرار اقتصادي، فإن امتلاك جواز سفر ثان يمكن أن يوفر إحساساً بالأمان وخياراً احتياطياً إذا كان بحاجة إلى مغادرة البلد بسرعة.
- الوصول إلى الخدمات: يمكن أن يسهل الحصول على جواز سفر ثان الوصول إلى الخدمات التي قد يكون من الصعب الحصول عليها بجواز سفر واحد فقط. على سبيل المثال، قد تكون بعض البنوك أكثر استعداداً لتقديم خدمات مالية معينة للأفراد الذين يحملون جوازات سفر من دول متعددة.
أبرز الفوائد على صعيد الأعمال:
- فرص الأعمال التجارية الدولية: يمكن أن يسهل جواز السفر الثاني ممارسة الأعمال التجارية في البلدان الأخرى، خاصة إذا كان البلد الأصلي يفرض قيوداً على الأماكن التي يمكنك السفر إليها أو ممارسة الأعمال فيها.
- حماية الأصول: يمكن أن يوفر جواز السفر الثاني مزايا حماية الأصول من عدم الاستقرار السياسي أو الاقتصادي.
- انخفاض الالتزامات الضريبية والتخطيط الضريبي: يوفر الحصول على جواز سفر ثان مزايا من حيث تقليل الالتزامات الضريبية، خصوصاً بالنسبة للشركات التي تعمل على المستوى الدولي. كما يوفر الحصول على جواز سفر ثان مزايا من حيث التخطيط الضريبي وحماية الأصول.
- الخصوصية: الجنسية الثانية تمكّن من الوصول إلى حماية أكبر للخصوصية، والتي يمكن أن تكون مفيدة بشكل خاص للشركات التي تحتاج إلى حماية المعلومات الحساسة.
فورتشن: هل هذه البرامج رائجة في دول الخليج ولماذا؟
الديرية: تلقى برامج الجنسية والإقامة عن طريق الاستثمار اهتماماً ملحوظاً من قبل أثرياء الشرق الأوسط ودول الخليج. وفي حين تتجه النسبة الأكبر منهم إلى برامج الجنسية عن طريق الاستثمار، يتجه الخليجيون إلى برامج الإقامات عن طريق الاستثمار خصوصاً وأن بعض الدول الخليجية لا تسمح بتعدد الجنسيات.
وشكلت اليونان ومالطا والبرتغال محط أنظار الخليجيين على مدى السنوات الأخيرة الماضية ومازالت حتى اليوم. على سبيل المثال، ووفقاً لتقرير صدر الشهر المنصرم عن شركة الاستشارات العقارية العالمية، نايت فرانك (Knight Frank)، فإنّ عدد مُشتري العقارات الفاخرة في وسط لندن من الشرق الأوسط التي تشمل الخليجيين، سجّل أعلى مستوى له في أربع سنوات خلال النصف الثاني من عام 2022، حيث استفادوا من ضعف الجنيه الإسترليني وتخفيف القيود المفروضة، واستحوذ المشترون من المنطقة على 11% من المعاملات العقارية الخاصة بعدد من أحياء لندن الراقية.
ووفقاً لتقرير صادر أيضاً عن نايت فرانك، في عام 2020، استحوذ مستثمرو دول مجلس التعاون الخليجي على حوالي 5% من جميع معاملات العقارات التجارية الأوروبية، بإجمالي حجم استثمار يبلغ 2.8 مليار يورو (حوالي 3 مليارات دولار).
وأظهر تقرير لشركة جيه إل إل (JLL) العقارية في العام 2022، بعنوان "عودة الاستثمار العقاري الخارجي من دول مجلس التعاون الخليجي"، أنّ استثمارات الشرق الأوسط في المملكة المتحدة خلال السنوات العشر الماضية حوالي 34 مليار دولار، وفي فرنسا حوالي 9 ملايين دولار، وفي ألمانيا حوالي 4 مليارات دولار".
وفقًا لتقرير لبنك بي إن بي باريبا (BNP Paribas) الفرنسي في العام 2019، استثمر الخليجيون بما قيمته 2.8 مليار يورو في عقارات أوروبا.
وإذ يُعرف المستثمرون الخليجيون بتركيزهم على تنويع محافظهم الاستثمارية، يُنظر إلى الاستثمار في العقارات الأوروبية على أنه وسيلة للتنويع بعيداً عن أسواق الخليج المحلية وتقليل المخاطر. كما أن أوروبا تتمتع ببيئة سياسية واقتصادية مستقرة، وتشتهر بعقاراتها ذات الجودة العالية مع قربها من المباني التاريخية مما ينجذب إليه المستثمرون الخليجيون، إلى جانب هيبة ورفاهية العقارات الأوروبية.
العديد من المستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي يشترون أيضاً عقارات في أوروبا لأسباب شخصية، مثل توفير تعليم أفضل لأطفالهم، أو الحصول على منزل ثان في مكان مرغوب فيه لقضاء الإجازات أو التقاعد.
فورتشن: ما هي البلدان الأكثر جذباً للخليجيين الباحثين عن إقامة؟
الديرية: وفقاً لما ذكرت سابقاً، فإن المملكة المتحدة تعتبر وجهة جذابة للخليجيين الباحثين عن الإقامة، وذلك بسبب وجود عدد كبير من المدن الكبرى والفرص الاقتصادية الواسعة، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية التي تحظى بانتشار واسع في العالم. وتعتبر إسبانيا وجهة جذابة للخليجيين بسبب اللغة الإسبانية التي تحظى بانتشار واسع في العالم، ومناخها المعتدل، بالإضافة إلى العديد من المدن السياحية الشهيرة مثل برشلونة ومدريد. وتعتبر فرنسا وجهة جذابة أيضاً بسبب طبيعتها الخلابة ومناخها المعتدل، بالإضافة إلى وجود العديد من المدن السياحية الشهيرة مثل باريس ونيس.
فورتشن: ما الاستثمارات المطلوبة؟
الديرية: يختلف الحد الأدنى للاستثمار في الجنسيات الثانية وفق قانون الدولة الذي ينظم هذه العملية. فللحصول على جنسية ثانية، هناك خياران أساسيان بالإضافة إلى خيارات أخرى مرتبطة بدول معينة ولا يمكن القيام بها إلا من خلال الوكلاء المعتمدين.
الخيار الأول، وهو مساهمة غير قابلة للاسترداد، وتوفره كل الدول في البحر الكاريبي وفانواتو، تتراوح الأسعار بين 100 ألف دولار أميركي و150 ألف دولار أميركي للطلب الفردي وترتفع مع زيادة أفراد الأسرة.
الخيار الثاني، وهو الاستثمار بالعقارات المصدقة من الحكومات، تختلف فيه الأسعار من دولة إلى أخرى وتبدأ من 200 ألف دولار أميركي، ويتوفر في الدول الكاريبية وتركيا.
أما بالنسبة إلى الخيارات الإضافية فهي مرتبطة بدول معينة أبرزها: خيار الاستثمار في مشاريع المنفعة العامة وتقدمه دولة سانت كيتس ونيفيس، ويبلغ الحد الأدنى لقيمة الاستثمار المطلوب 175 ألف دولار أميركي، وخيار صندوق جامعة جزر الهند الغربية وتوفره بربودا وأنتيغوا، وهو مخصص للعائلات المؤلفة من 6 أشخاص وأكثر، ويبدأ من 150 ألف دولار أميركي، وخيار الاستثمار في سندات العمل الوطنية الحكومية، وهو مرتبط بسانت لوسيا بشكل حصري والاستثمار فيه ابتداءً من 300 ألف دولار أميركي.
بالمقابل، فإن معظم برامج الإقامات الأوروبية تتطلب القيام بالاستثمار في العقارات، وتختلف قيمته وفق البلد. ففي مالطا وقبرص يبلغ 300 ألف يورو، وفي اليونان 250 ألف يورو، وفي إسبانيا 500 ألف يورو أما في البرتغال فيبلغ 280 ألف يورو، إلا أنّها بصدد إيقاف برنامجها شهر إبريل/نيسان المقبل.
فورتشن: ما حجم الطلب على هذه البرامج والإقامات؟ وكيف تطورت ونمت هذه السوق في السنوات الخمس الأخيرة؟
الديرية: يرتفع الطلب على برامج الجنسية والإقامة عن طريق الاستثمار بشكل مستمر خلال السنوات الأخيرة. ومن المتوقع أن تصل سوق المواطنة عن طريق الاستثمار العالمي إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2025، وهو ما يمثل قفزة تقارب 5 أضعاف بقيمة 80 مليار دولار من تقييمه الحالي البالغ 21.4 مليار دولار.
ومن المتوقع أيضاً أن يستمر حجم الطلب على برامج الجنسية والإقامة عن طريق الاستثمار في الارتفاع في المستقبل القريب، خاصةً مع اتجاه العديد من الدول نحو تسهيل إجراءات الحصول على الجنسية أو الإقامة للمستثمرين الأجانب.
فورتشن: ما أبرز الفرص والتحديات في هذا المجال؟ وأين ترى مستقبل القطاع؟
الديرية: على الرغم من أنّ بعض الدول الأوروبية قد تتجه إلى وقف تأشيرتها الذهبية، إلا أنّه يتوقع أن يظل مجال المواطنة والإقامة عن طريق الاستثمار مهماً في المستقبل، وذلك نظراً للفوائد العديدة التي يمكن أن يحققها المستثمرون من خلال هذه البرامج. ومن بين التطورات المتوقعة في هذا المجال، زيادة عدد الدول التي تقدم برامج المواطنة والإقامة عن طريق الاستثمار، وذلك بسبب الطلب المتزايد على هذه البرامج من قبل المستثمرين الذين يسعون لتحقيق الفوائد المالية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
نتوقع زيادة المنافسة بين الدول في تقديم برامج المواطنة والإقامة عن طريق الاستثمار، إذ يسعى كل بلد لجذب المستثمرين والأثرياء، وتحسين وضعه الاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما شهدناه مؤخراً في البحر الكاريبي؛ حيث عمدت دول كسانت لوسيا وسانت كيتس ونيفيس إلى إجراء تعديلات في برامجها وطرح خيارات جديدة.
وقد نلحظ أيضاً تشديد الشروط والمتطلبات المطلوبة للحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة، وذلك بسبب الحاجة للحفاظ على الأمن القومي والاقتصادي وضمان أن يكون المستثمرون ذوي خلفية ومصداقية جيدة. وهذا ما نشهده مؤخراً لدى العديد من الدول التي تقوم بتحسين برامجها من خلال إضافة بعض الإجراءات أو القوانين أو حظر جنسيات معينة للحفاظ على مكانتها.