من المتوقع أن يصل حجم الإنفاق الاستهلاكي ضمن الطبقة الوسطى والعليا من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً وما فوق إلى 15 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2030، مقارنةً بحجم إنفاق قدره 8.7 تريليونات دولار أميركي في عام 2020، حسب وكالة تحليلات المعرفة المتعمقة التابعة لمجموعة المعرفة المتعمقة.
يعد كبار السن أغنى مجموعة عمرية في العالم، إلى جانب المهنيين الذين تتراوح أعمارهم بين 45 و 64 عاماً، ولا يعود سبب هذه الظاهرة إلى أن كبار السن بطبيعتهم أغنى، بل في معظم الحالات، ومع بعض الاستثناءات، تميل الدول الغنية إلى أن تكون شعوبها أكبر سناً، بينما شعوب البلدان الفقيرة أصغر سناً.
تمثّل الاستدامة العمرية قطاعاً ناشئاً (Longevity industry) على الصعيد العالمي، وهي جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتقع عند تقاطع العديد من القطاعات الفرعية الحيوية، بما فيها التكنولوجيا البيولوجية وصناعة الأدوية والتكنولوجيا المالية وتكنولوجيا التأمين وغيرها.
وتركّز الاستدامة العمرية على الشيخوخة الصحية، وتشمل التقنيات والبرامج التي تهدف إلى تحسين فترة الحياة الصحية وإطالة العمر، وتقوم حلولها على الوقاية من الأمراض المزمنة واكتشافها ومراقبتها وعلاجها.
في عام 2006، قامت منظمة الصحة العالمية بتطوير مفهوم المدن الصديقة للمسنين، وهي مدن تستخدم تقنيات حديثة وتعتمد سياسات الاستدامة العمرية لدعم سكانها في سن التقاعد، وبالتالي زيادة متوسط العمر المتوقع وتعزيز الشيخوخة الصحية.
يُنظر إلى هذه المدن على أنها وجهات رئيسية للأشخاص الذين يرغبون في العيش بشكل مريح خلال سنوات العمر الذهبية. وتضم الشبكة العالمية للمدن والمجتمعات الصديقة للمسنين التابعة لمنظمة الصحة العالمية 1,114 مركزاً حضرياً في 44 دولة، وتخدم أكثر من 262 مليون فرد في جميع أنحاء العالم.
في حين يمكن اعتبار المدن الصديقة للمسنين أماكن جيدة للتقاعد، تظهر "وديان الاستدامة العمرية"، وهي تطور طبيعي للمدن الصديقة للمسنين، وفقاً للنشرة الدورية حول قطاع الاستدامة العمرية التي أطلقتها مؤخراً لونجيتيفيتي إنترناشونال (Longevity.International) ووكالة تحليلات الشيخوخة، كمواقع مثالية لكبار السن، فهذه الوديان تتيح لكبار السن المحافظة على نشاطهم المهني والعقلي والاجتماعي والاقتصادي لأطول فترة ممكنة. وهذا ما يطلق عليه تسمية "الاستدامة العمرية العملية". إذ بدلاً من التركيز فقط على الشيخوخة الصحية، تكون الخطوة التالية هي خلق ظروف مواتية من أجل تسريع وتيرة الاستدامة العمرية العملية، وهذا بهدف التركيز على إطالة فترة الثروة للمواطنين، بالإضافة إلى تمديد فترة حياتهم الصحية (Healthspan) مع تقدم العمر.
تمثّل المدن الصديقة للمسنين أماكن يمكن لكبار السن أن يتمتعوا فيها بصحة أفضل، أما وديان الاستدامة العمرية العملية، فستكون أماكن للشباب الذين يرغبون في العيش لفترة أطول، أو لكبار السن الذين يرغبون في البقاء نشطين جسدياً ومالياً.
تتطلب الشيخوخة الصحية أيضاً تغييرات مدفوعة من قبل سياسات الدول لجعل الحياة أسهل وأكثر راحة للناس من جميع الأعمار، وخاصة كبار السن. فمع ازدياد حجم المدن بسبب التوسع الحضري وزيادة عدد السكان من المسنين، يجب على الحكومات التكيّف وإنشاء بنية تحتية جديدة لمواكبة هذه التطورات واستيعاب احتياجات هذه المجموعة الديموغرافية المتزايدة.
في السنوات الأخيرة، شهدنا العديد من الحكومات التي قامت بتبني سياسات الاستدامة العمرية، بما فيها حكومة الإمارات العربية المتحدة، حيث يعد تشكيل مجموعات تشريعية مخصصة وإدراج قضية الاستدامة العمرية في الوسط السياسي عوامل أساسية تساهم في النهوض بالبلدان لتبنّيها. فالمبادرات الحكومية التي تستفيد منها الاستدامة العمرية تسعى إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدول في جميع أنحاء العالم.
تبرز اليوم حاجة ملحّة لتغيير المواقف الحكومية تجاه الشيخوخة، إذ ينبغي التحوّل من النهج العلاجي، أي محاولة تجنّب العبء الاقتصادي للنسبة المتزايدة من السكان الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكثر، إلى النهج الوقائي والاستباقي، أي دعم سبل إطالة مستوى العمر الصحي للسكان، وذلك من خلال تطوير الفرص الاجتماعية والاقتصادية ضمن قطاع الاستدامة العمرية، مثل إطالة فترة مشاركة القوى العاملة في سوق العمل وإنتاجيتها، وتخفيض عبء الرعاية الصحية للمسنين، وتحقيق النمو الاقتصادي نتيجة النهوض بهذا القطاع، فضلاً عن القطاعات الفرعية ذات الصلة.
لا تسهم الشيخوخة الصحية في زيادة متوسط العمر المتوقع فحسب، بل تلعب أيضاً دوراً رئيسياً في زيادة نسبة المشاركة من قبل كبار السن في القوى العاملة. تتأثر الشيخوخة الصحية بالعديد من العوامل مثل النمو الاقتصادي وسياسات الرعاية الصحية الحكومية وجودة مقدمي الرعاية الصحية ومدى وصول الناس إلى كل ذلك، فضلاً عن العوامل الاجتماعية والبيئية الأخرى التي تعود بالأثر على الشيخوخة الصحية مثل جودة الهواء ومستويات التلوث.
يعد كل من الدخل والعمل والحماية الاجتماعية أمثلة حول الظروف الاقتصادية ذات الأثر على الشيخوخة الصحية، إضافة إلى نمط الحياة وعادات الأكل الصحية والنشاط البدني، فضلاً عن مدى استخدام الأدوية للوقاية من الأمراض وعلاجها.
تضاف البيئة المحيطة التي نعيش فيها، مثل النقل والسكن والطبيعة، إلى هذه العوامل، فضلاً عن القابلية الوراثية والميول المسبقة لحياة أطول ضمن بعض المجموعات السكانية. إذ تُعرف بعض المجموعات العرقية تاريخياً بقدرتها على تحقيق متوسط عمر متوقع أعلى مقارنةً بالمجموعات العرقية الأخرى. فعلى سبيل المثال، متوسط العمر المتوقع للآسيويين أعلى حسب وكالة تحليلات المعرفة المتعمقة.
تجمع المدن الصديقة للمسنين بين الجوانب المتعددة لقطاع الاستدامة العمرية، بما فيها تكنولوجيا الثروة وتكنولوجيا العمر وتكنولوجيا التأمين وغيرها الكثير. ويتمثّل الهدف بالحفاظ على الحالة المثلى للثروة والصحة في السنوات المتأخرة من العمر، وتمكين كبار السن ومتوسطي العمر من مواصلة نشاطاتهم الجسدية والعقلية والمالية على أفضل وجه ولأطول فترة ممكنة.
في نهاية المطاف، من المتوقع أن يؤدي انتشار وديان الاستدامة العمرية إلى ارتفاع أعداد البلدان التي تعتمد الاستدامة العمرية العملية في أنحاء العالم.