المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
استثمار

كيف تمارس "مافيا" وكلاء اللاعبين دورها السلبي في كرة القدم العربية؟

تعاظمَ نفوذ وكلاء اللاعبين في كرة القدم العربية تدريجياً، وأصبحوا المتحكّمين الرئيسيين في إتمام الصفقات أو انهيارها، ما دفع الخبير الرياضي السعودي عبد العزيز الغيامة إلى وصفهم بـ"المافيا" الساعية لنهش خزائن الأندية.

بقلم


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية، تصميم: أسامة حرح)

أنفقت أندية كرة القدم العربية 1.4 مليار دولار لشراء لاعبين محترفين في آخر 10 سنوات، ودفعت عمولات ضخمة لوكلاء اللاعبين نظير إتمام الصفقات، لأنهم الحلقة وقناة الاتصال الرسمية بين النادي واللاعب. فحددت السعودية على سبيل المثال عمولة 10% من قيمة الصفقة للوكيل، فيما يكسب وكيل اللاعبين أكثر من هذا القدر في دوريات أخرى مثل الدوري المصري، الذي لم يحدد سقفاً معيّناً للعمولة. وبغض النظر عن نسبة العمولة، فإن الوكلاء يجنون مبالغ طائلة من أندية الدوريات العربية سنوياً.

تعاظمَ نفوذ وكلاء اللاعبين في كرة القدم العربية تدريجياً، وأصبحوا المتحكّمين الرئيسيين في إتمام الصفقات أو انهيارها، ما دفع الخبير الرياضي السعودي عبد العزيز الغيامة إلى وصفهم بـ"المافيا" الساعية لنهش خزائن الأندية، في تصريحات عام 2020، مطالباً اتحاد كرة القدم المحلي في بلاده بتشديد الرقابة على مصروفات الأندية لئلا تقع فريسة لسطوة الوكلاء. أمّا اللاعب المصري المعتزل أحمد حسام ميدو، والذي يُقدّم برنامجاً تلفزيونياً، فقد شخّص وكلاء اللاعبين بأنهم "خطر على كرة القدم المصرية".

يوضّح لاعب منتخب مصر السابق، هاني العقبي، أثر وكلاء اللاعبين العرب، قائلاً في مقابلة مع يومية المصري اليوم في يونيو/حزيران 2022، إن الوكلاء يتلاعبون بالأندية، فهم قادرون على إقناعها بضم لاعبين أو مدربين متدنّي المستوى لتحصيل العمولة، ويشير إلى أنّه أصبح من المألوف رؤية مدرب ينتقل بين الأندية المختلفة في موسم واحد. كما أكّد العقبي أن قطاعات الناشئين في مصر لم تعد تفرز لاعبين كما السابق، ما أسهم في تعقيد أوضاعها الاقتصادية، وعزى السبب إلى وكلاء اللاعبين الذين يزودون الأندية بلاعبين محترفين جاهزين بمبالغ طائلة، عوضاً عن إنتاج كل نادٍ للاعبيه.

المدير الإداري في النادي الأهلي المصري، عدلي القيعي، عزى سبب انهيار صفقة البرازيلي جوستافو سوزا في فبراير/شباط 2023، إلى مطالبة وكيل أعمال اللاعب بعمولة تفوق 600 ألف دولار، على الرغم من أن النادي حصل على موافقة اللاعب مسبقاً. ويفسّر الكاتب السعودي غسان باصهي ذلك بأن الوكيل في الغالب لا يأبه باختيار النادي المناسب للاعب من الناحية الرياضية والفنيّة، بل بالنادي الذي سيدفع عمولة أكبر، وبالتالي يذهب لاعبون كُثر إلى أندية لا تلائمهم.

مافيا وكلاء اللاعبين العرب

في مقابلة مع فورتشن العربية، يرى وكيل الأعمال للاعبي كرة قدم، الجزائري وليد بوشنافة، أن تضارب المصالح يخلق نوعاً من العداء والمشاحنات بين وكلاء الأعمال ومسؤولي الأندية، وقال: "يبحث الوكيل عن مصلحة لاعبه من حيث الراتب والامتيازات وما شابه، ويبحث أيضاً عن مصلحته في تحصيل عمولة مرتفعة، فيما يهدف النادي لتحقيق مصلحته حينما يهدف لتحصيل نسب أرباح أعلى من بيع اللاعب مستقبلاً، وبنود إلغاء العقد وغيره. ومن هنا تبدأ المشكلات بين الوكيل والنادي؛ فكل طرف يهدف لإملاء شروطه على الآخر".

كما يعتقد بوشنافة أن أحد أسباب المشكلات المستمرة للوكلاء العرب في الدوريات العربية هو اقتحام المهنة من دون الإلمام بالقوانين واللوائح، واصفاً بعض من امتهنوا وكالة أعمال لاعبي كرة القدم عربياً حديثاً بالدخلاء على الوظيفة، ويصرّ أنه من "أفتى في غير فنّه أتى بالعجائب". ويقترح أنه "يجب على الاتحاد العربي لكرة القدم تدشين ورش عمل وندوات متكررة لوكلاء اللاعبين لإرساء أُسس القانون الرياضي الدولي وقواعده، تفادياً لمشكلات سوء الفهم". مُشيراً إلى أنه تجب دراسة عالم وكالة الأعمال بدقّة قبل اقتحامه وامتهانه.

بوشنافة وجّه أصابع الاتهام إلى رؤساء الأندية العربية، وأوضح أن بعضهم يستخدم وكلاء الأعمال لإعادة تدوير الدعم المادي الذي يحصلون عليه من الدولة، فيما يمكن تشبيهه بـ "غسيل الأموال"؛ عبر دفع مال وفير في صفقات لاعبين وبالتبعية عمولة أوفر للوكيل، في حين أن سعر الصفقة الحقيقي يكون أقل بكثير من الموجود في العقد. كما أن هناك سبباً آخر وهو أن الرؤساء يلهثون وراء التعاقد مع اللاعبين المتميّزين بأسعار فلكية إرضاءً للجماهير وكنوع من الدعاية الترويجية لصورة الرئيس. ومن هنا تبدأ أطماع وكلاء أعمال هؤلاء اللاعبين، فهي مصلحة مشتركة.

في حين يرى بوشنافة أن افتقاد كرة القدم العربية عامل "الردع" خلّف وراءه وكلاء لاعبين محتالين، ويقول: "في أوروبا، تردع القوانين وكيل الأعمال المحتال أو الدخيل على المهنة من دون رخصة رسمية ويتم سجنه. إنما في الدول العربية لا يوجد هذا النوع من القوانين، ما جعل مافيا وكلاء الأعمال الدخلاء يرتعون في بيئة مناسبة لهم".

ومن المعلوم أن وكيل الأعمال المميّز ينقل لاعبه إلى مستويات أعلى من الاحتراف في أوروبا، لكن بالنظر إلى وكلاء الأعمال العرب الناشطين في الدوريات العربية، فإنهم يكتفون بنقل اللاعبين بين الدوريات العربية المختلفة، ولا تحدث حالات نقل لاعب من المنطقة العربية إلى الأوروبية إلا نادراً، ويمكن ملاحظة أن أبرز حالة لهذه النوعية من الانتقالات كانت للمصري محمد صلاح عندما احترف في بازل السويسري قادماً من فريق المقاولون العرب المصري عام 2012.

واتهم تقرير من عربي بوست وكلاء الأعمال في كرة القدم المصرية بأنهم سبب تراجع إنتاج المواهب، ووصفهم بـ "المافيا الذين يقودون كرة القدم المصرية إلى الهاوية"، عطفاً على تنازعهم الدائم على تحصيل العمولات من دون النظر إلى اللاعب نفسه. وفي تصريح للموقع المذكور، أوضح مدرب كرة القدم المصري طارق العشري أن "الوكلاء سبب رئيسي في خراب المنظومة كاملة، وليست الأندية فقط، فأصبح من الصعب معرفة الوكيل الحقيقي المعتمد من الوكيل المحتال بسبب كثرتهم".

مشكلات وكلاء اللاعبين في الكرة العربية لا تنتهي

يعج كل موسم كروي في كرة القدم العربية بمشكلات يكون وكيل أعمال اللاعبين طرفاً أساسياً فيها، فتارة ينازع اللاعب وتارة يقاضي أندية. ما نتج عنه تشويه صورة بعض الدوريات العربية، حسب بوشنافة الذي قال: "وضع الاتحاد الدولي للاعبين المحترفين (فيفبرو) قائمة تضم أندية عربية عديدة وشهيرة يجب الحذر منها عند التعامل معها بسبب مشكلات مع وكلاء الأعمال" قبل أن يضيف: "هناك وكلاء عرب يتصيّدون بطمع في كرة القدم العربية، لا سيما في الخليج، عبر اقتراح لاعبين محترفين دون المستوى، فقط لتحصيل العمولة من إتمام الصفقة".

في الدوري المصري، وُصِفَ بعض وكلاء اللاعبين بأنهم يشكلون "مدرسة المشاغبين" لما سببوه من مشكلات في العقود. وفي مثال عن ذلك، في عام 2015، عوقب وكيل اللاعبين محمد شيحة من قبل الاتحاد المصري بغرامة 50 ألف جنيه (نحو 6 آلاف دولار آنذاك) لجعله اللاعب خالد قمر يوقّع على عقدين لفريقي الأهلي والزمالك في نفس الوقت، وهو ما يخالف قوانين كرة القدم الدولية.

إحدى المعضلات المعروفة في كرة القدم العربية أن وكيل الأعمال العربي يسرّب شائعات -غير صحيحة- لوسائل الإعلام بقرب انتقال لاعبه إلى نادٍ بعينه، ليقوم النادي المنافس بتقديم عرض أكبر إلى الوكيل، وهذا ما ساعد على ارتفاع أسعار اللاعبين الجنوني في الدوريات العربية، حيث تؤدي المنافسة التي يختلقها الوكلاء بين الأندية الكبيرة إلى تضخّم أسعار اللاعبين، حسب بوشنافة.

بعيداً عن الدور السلبي لوكيل الأعمال العربي، فإن اتحادات محلية لكرة القدم سنّت رسوماً باهظة في 2023 للمتقدمين في اختبارات وكلاء الأعمال ليزيد من متاعب المهنة عطفاً على ضخامة المبلغ، إذ فرض الاتحاد المصري 100 ألف جنيه (3200 دولار) مقارنة برسوم متوسطة في قطر (550 دولاراً) وبريطانيا (378 دولاراً) وفقاً لمنصة فيتو. في حين امتنع بعض وكلاء الأعمال في الدوري الإماراتي عن تجديد رخصتهم عام 2020 لعلة ارتفاع رسوم التجديد التي وصلت إلى 20 ألف درهم (5.4 آلاف دولار).

اتفق نُقّاد أن طمع بعض الوكلاء يضر بخزائن الأندية ومستقبل اللاعب على حد سواء. وبعيداً عن كونه حلقة الوصل والقطعة الأهم في عملية المفاوضات، ما هي الأدوار الأخرى المخوّلة لوكيل اللاعبين طبقاً للقوانين واللوائح؟

دور وكيل أعمال اللاعبين

لا يقود الوكيل مفاوضات نقل موكّله إلى نادٍ جديدٍ فحسب، بل يحاول إيجاد عقد رعاية مع المؤسسات الرائدة عالمياً. كما أنه يتولّى دفع الضرائب وينسّق الظهور الإعلامي للاعب سواء مع الصحف أو القنوات التلفزيونية، ويدير في بعض الأوقات حساباته عبر منصات التواصل الاجتماعي. في أغلب الأحيان لا يمكن الوصول للاعب إلا عبر وكيله الذي يعتبر حرفياً حلقة الوصل بين اللاعب والعالم من حوله.

يختار أحياناً اللاعب وكيل أعماله من دائرة العائلة، استناداً إلى مبدأ الثقة، مثل لاعب باريس سان جيرمان الفرنسي كيليان مبابي ووالدته الجزائرية فايزة العماري، وزميله في الفريق الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي تولّى والده خورخي وكالته، والذي تؤكّد مصادر أنه نال عمولة قاربت 72 مليون دولار نظير نقل ميسي من برشلونة إلى باريس سان جيرمان صيف 2021. وعربياً، يتولّى مصطفى، شقيق اللاعب المصري محمد أبو جبل وكالة أعماله.

كيف تصبح وكيل أعمال لاعبي كرة قدم؟

في الإطار العام، ينبغي أن ينال الوكيل رخصة من اتحاد كرة القدم المحلي في بلده أولاً، قبل أن يتأهل لخوض اختبارات الرخصة الدولية من الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" عبر التقديم في الموقع الرسمي للاتحاد، ويجب أن يجتاز الاختبارات بنسبة نجاح لا تقل عن 75%، وهي عبارة عن 20 سؤالاً لمدة 60 دقيقة تتعلّق بلوائح وقوانين فيفا لمعرفة مدى إدراك الوكيل وتفهّمه لعالم كرة القدم.

فضلاً عن الإجراءات الرسمية من الفيفا التي وضعها للحد من الوكلاء غير الرسميين وجشع الوكلاء الرسميين، هناك مهارات على الوكيل أن يتقنها، مثل شبكة العلاقات العامة واللباقة وضبط النفس، والتحدث بأكثر من لغة، والإلمام ببنود عقود اللاعبين، والمهارة الأهم هي القدرة على الإقناع. كما يجب أن يلمّ بمجالات أخرى مثل التسويق والضرائب والقانون، وعطفاً على تلك المعايير الصعبة، فإن أرباح وكلاء أعمال لاعبي الكرة القدم مرتفعة أيضاً.

الفيفا ينتفض ضد عمولات وكلاء اللاعبين

كشف الاتحاد الدولي لكرة القدم - فيفا في ديسمبر/كانون الأول 2022 أن أندية كرة القدم حول العالم دفعت ما يقارب 623 مليون دولار لوكلاء اللاعبين مقابل إتمام مئات الصفقات، والمثير أن هذا المبلغ مرتفع بنسبة 24.3% عمّا دفعته الأندية عام 2021، أي أن مكاسب وكلاء اللاعبين آخذة في الازدياد.

من هذا المنطلق أصدر الفيفا قانوناً يُحجّم العمولات الباهظة للوكلاء ويحدد سقفاً لها في عام 2023. كما من شأنه أن ينظّم رُخص التسجيل، حيث كانت الأندية في السابق تتعامل مع وكلاء مرخّصين من قبل اتحاداتهم المحلية فقط، لكن بموجب القانون الجديد يجب أن ينال وكيل الأعمال رخصته من الفيفا الذي وضع حزمة شروط صارمة لإصدار الرخصة.

وفقاً لـ أسوشيتد برس (Associated Press) لن يحصل وكيل الأعمال على أكثر من 10% من قيمة الصفقة، في وقت حصل بعض الوكلاء في السابق على أكثر من 40 و50% من قيمة الصفقات، ومنهم مينو رايولا وكيل أعمال اللاعب الفرنسي بول بوغبا الذي كسب 51.6 مليون دولار من صفقة نقل اللاعب إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي عام 2016، في حين كان مبلغ الصفقة نفسه 115 مليون دولار.

وقدّر بحث من منظّمة سبورتس مانجمنت ورلدوايد (Sports Management Worldwide) الأميركية المختصة في التحليل والتخطيط الرياضي أن الربح السنوي لوكيل الأعمال يقارب 400 ألف دولار عن اللاعب الواحد في الدوري الإنجليزي الممتاز، ويقل هذا الرقم من 130 إلى 260 ألف دولار في الدوري الأميركي. في حين دفع نادي مانشستر سيتي الإنجليزي وحده في عام 2022 نحو 43 مليون دولار لوكلاء أعمال مختلفين نظير إتمام بعض الصفقات.

ويرى بوشنافة أن هذه الخطوة من الفيفا صائبة، قائلاً إنها جاءت بعد شكاوى عديدة من الأندية ودراسة مستفيضة لسنوات، لتقنين عالم وكالة اللاعبين لوضع كل شيء في مكانه الصحيح، مستشهداً بالمثل العربي "أهل مكّة أدرى بشعابها" حيث إن بعض الدخلاء على المهنة أفسدوا الترتيبات والإجراءات القانونية المعمول بها في السابق.

مفاوضات من دون وكيل أعمال

ويعتقد وكيل أعمال اللاعبين الإماراتي، عادل العامري، في مقابلة مع فورتشن العربية أن لاعب كرة القدم قد يستطيع تمثيل نفسه في المفاوضات والاستغناء عن وكيل الأعمال، بشرط الإلمام الجيد ببنود التعاقد وحيازة مهارات التفاوض، وقد يتجه البعض إليها في المستقبل. فبعض اللاعبين يقودون مفاوضات تجديد العقود مع الأندية مباشرة بأنفسهم دون إقحام وكيل الأعمال.

أحدث مثال لهذه الحالات هو لاعب مانشستر سيتي الإنجليزي (Manchester city)، البلجيكي كيفين دي بروين، الذي قال وفق ديلي ميل في عام 2020 عن تجديد عقده: "أنا أريد البقاء مع النادي. الأمور تسير جيداً لذلك أتفاوض بنفسي". وفي 2021 انفصل لاعب بايرن ميونيخ الألماني جوشوا كيميتش(Bayern Munich) عن وكيل أعماله، وأوضح أنه يريد تمثيل نفسه والدفاع عن قيمته ومسؤولياته وآرائه بشكل أكبر.

ربما أُطلق العنان لعصر جديد من مفاوضات اللاعبين دون وكلاء أعمال، حيث استخدم دي بروين تقنيات إحصائية حديثة لتحديد سعره والراتب المتوقّع خلال المفاوضات عبر منصّة ترانسفيرلاب (TransferLab). وهذا ما أشارت إليه أخصائية علم النفس الرياضي لورينا كوس في مقابلة مع يومية ماركا (Marca) الإسبانية في أبريل/نيسان 2021، حينما قالت إن الثقة التي يتمتّع بها اللاعب، والأمان في محيط بيئته مع النادي يدفعانه إلى التخلي عن وكيل أعماله في المفاوضات. بيد أن وكيل الأعمال الإسباني خوسيه إسبيغو يؤكّد أن اللاعب يجب أن يركّز 100% على كرة القدم، ويتولى الوكيل المفاوضات والأمور الاقتصادية.


image
image