بينما يستهلك الفرد الإماراتي نحو 550 لتر ماء يومياً، بالكاد يستهلك الفلسطيني 84 لتراً، ووسط هذه الفجوة الصارخة، ترى الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن كفاية الإنسان من المياه للاستخدام الشخصي والمنزلي هي ما بين 50 و100 لتر لكل فرد يومياً، شرط أن تكون تلك المياه مأمونة وبأسعار معقولة (لا ينبغي أن تزيد كلفة المياه عن 3% من مجمل الدخل الأسري)، وأن تكون متاحة ولا تبعد أكثر من 1,000 متر عن المنزل ولا يستغرق الحصول عليها أكثر من 30 دقيقة.
وعلى الرغم من استهلاك الفرد الإماراتي العالي للمياه، والذي يكاد أن يكون الأعلى خليجياً وعربياً، إلا أن "الإمارات واحدة من الدول التي تواجه إشكالية في نقص المياه العذبة وندرتها بحكم وقوعها ضمن المنطقة المناخية الأعلى حرارة والأقل في منسوب الأمطار عالمياً، حيث لا يتعدى متوسط كمية الأمطار التي تشهدها طول العام 4 بوصات"، حسب وزير الدولة للتجارة الخارجية ثاني الزيودي (كل بوصة تساوي 2.54 سم).
في المقابل، يستهلك الفلسطينيون أقل من الكفاية اللازمة من المياه، لكن ظروفهم مختلفة، ومنها سيطرة إسرائيل على 85% من المياه الموجودة في الخزان الجوفي في الضفة الغربية.
تشكل ندرة المياه العذبة تحدياً كبيراً للمنطقة العربية، يتفاقم بفعل عوامل عدة، كطبيعة هذه المياه العابرة للحدود والاحتلال والصراع والنمو السكاني والتوسع الحضري المتزايد وتغير المناخ.
تفاوت الاستهلاك وسط الندرة
سواء كان الاستهلاك كبيراً أو قليلاً، هناك تحديات كبيرة تواجه المنطقة ككل من ناحية توفر المياه، وهي غير محصورة بالإمارات وفلسطين المذكورتين كمثال لتوضيح الهوة بالاستهلاك. ندرة المياه تشكل تهديداً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، وهي المنطقة الأكثر ندرة بالمياه في العالم، حسب تقرير لمجلة ميد (MEED) أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي. يشير التقرير إلى أن الفشل في معالجة هذه المشكلة فوراً سيعرض النمو الاقتصادي للخطر، ويزيد من نقاط الضعف، بل ويضاعف الهشاشة الاجتماعية والسياسية.
ويعيش نحو 90% من سكان المنطقة في بلدان تقل فيها حصة الفرد عن 1,000 متر مكعب من المياه العذبة سنوياً (يُعتبر الرقم عتبة الفقر المائي)، ومن بين 22 دولة عربية هناك 19 دولة تعاني شحاً في المياه، حسب ورقة بحثية صدرت في شهر مارس/آذار الجاري عن المنتدى العربي للتنمية المستدامة، أعدتها الإسكوا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية "موئل الأمم المتحدة"، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
وفي الوقت الذي تواجه فيه أغلب الدول العربية خطر نفاد مصادر المياه الجوفية العذبة، هناك أكثر من 9 دول إفريقية تسجل وفرة في هذه المصادر، بعكس 80% من المنطقة العربية، حسب دراسة لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث عام 2022،. والدول الإفريقية التسعة هي: الكونغو، وليبيريا، والغابون، وغينيا، وساحل العاج، ورواندا، وسيراليون، وفتنزانيا، وزامبيا.
ترجّح الدراسة أن تكون تلك الدول الإفريقية وجهة لعدد كبير من الدول العربية خاصة الخليجية، بهدف الاستثمار في استخراج المياه العذبة الجوفية والتي قد تكون أقل تكلفة من تحلية مياه البحر.
ترى الدراسة أن النمو الديموغرافي والاستهلاك المرتفع للفرد الخليجي الذي تتبعه زيادة في الطلب على الموارد البيئية خاصة المياه، قاد إلى استنزاف الموارد البيئية وتدهورها مع زيادة الضغط على الموارد المتجددة، وسط توقعات أن تكون إمدادات المياه في المنطقة العربية والخليجية عند 15% مما كانت عليه في عام 1960 مع حلول عام 2025.
رتّب مركز الدراسات والبحوث الخليجي الدول الخليجية تبعاً لخطورة نفاد المياه العذبة كالتالي (من الأقل للأكثر خطورة):
- سلطنة عمان
- السعودية
- البحرين
- الإمارات
- الكويت
- قطر
وعلى الرغم من وجود بعض الدول في خطر أقل من غيرها، إلا أن الدراسة أكدت على أن خطر ندرة المياه العذبة قائم على الجميع، ومن المرجح أن تتسارع وتيرته في المستقبل بسبب آثار تغير المناخ، مع توقعات حدوث نوبة جفاف في المتوسط كل خمس سنوات.
أما ترتيب الدول من حيث استهلاك الفرد اليومي للمياه، فكان التالي (من الأكثر للأقل):
- الإمارات 550 لتراً في اليوم
- الكويت 500 لتر في اليوم
- قطر أقل من 500 لتر يومياً
- البحرين 450 لتراً يومياً
- السعودية 263 لتراً يومياَ
- عُمان بمتوسط 160 لتراً يومياَ (الأقل خطراً من ندرة المياه خليجياً والأقل استهلاكاً).
وتشمل التحديات التي تهدد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عدا عن المناخ، تدهور جودة خدمات المياه وزيادة عدد السكان والتوسع الحضري، وزيادة الطلب الزراعي، واستنزاف موارد المياه الجوفية، حسب تقرير ميد الذي أشار إلى أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فقد يرتفع الطلب على المياه في دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 62% بحلول عام 2025.
وعلى الرغم من المشاريع والخطط التي تضعها دول المنطقة وخاصةً الخليجية، حذّرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية من أن المنطقة لم تحرز تقدماً كبيراً في أهداف المياه النظيفة والصرف الصحي، وهي لا تسير على المسار الصحيح لتحقيق الأمن المائي، حسب رؤية الأمم المتحدة 2030.
المشكلة عالمية
تقول المديرة المنتدبة السابقة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي، ماري بانغيستو، إن المخاطر التي تواجه الأمن المائي تشكل أكبر تهديد بعدم تحقيق أهداف الاستدامة العالمية. ويمكن أن يؤدي الاحترار العالمي عند درجتي حرارة تتراوح بين درجتين و4 درجات مئوية إلى تعرض نحو 4 مليارات شخص لمستوى ما من ندرة المياه.
وأشارت في مقال لها نشرته مؤخراً على مدونة البنك الدولي إلى أنه على مدى السنوات الخمسين الماضية، وعلى الرغم من تضاعف عدد سكان العالم، انخفض تخزين المياه العذبة الطبيعية بنحو 27 ألف مليار متر مكعب بسبب ذوبان الأنهار الجليدية والغطاء الجليدي.
وحسب البنك الدولي، لا يحصل نحو ملياري شخص في جميع أنحاء العالم على خدمات مياه شرب تُدار إدارة مأمونة، ويعاني نحو 3.6 مليارات شخص من نقص خدمات الصرف الصحي التي تُدار إدارة مأمونة، ويعاني 2.3 مليار شخص من نقص المرافق الأساسية لغسل اليدين.
ما هي الحلول؟
بانغيستور ترى أن تطوير استراتيجية تخزين المياه ليس الحل الكامل، مشيرةً إلى ضرورة اتباع نهج شامل يضم القطاعات الاقتصادية وأصحاب المصلحة المباشرة من القطاعين العام والخاص، إضافةً إلى أهمية الاستثمارات بقطاع المياه الذي سيخلق أساساً قوياً للحلول المستدامة للتكيف مع تغير المناخ.
ويجب على واضعي السياسات البدء في التفكير بتقييم تخزين المياه وتطويره وإدارته، ليس كمنشآت مستقلة لعدد محدود من أصحاب المصلحة، ولكن كمنظومة متكاملة تأخذ في الاعتبار كامل مجموعة خيارات التخزين الطبيعية والبشرية لتقديم حلول قادرة على الصمود مصممة لحماية الأجيال، وفقاً للمديرة المنتدبة السابقة لشؤون سياسات التنمية والشراكات بالبنك الدولي.
بدوره، يرى البنك الدولي، أنه من الضروري العمل على تجاوز الإدارة التقليدية للموارد المائية، والاعتماد على الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة التي تساعد في توفير موارد مائية مستمرة، إضافةً إلى تشجيع الاستثمار في الحلول التي تتضمن إدارة "البنية التحتية الطبيعية" – خدمات النظم الإيكولوجية التي توفرها مستجمعات المياه والسواحل القوية- لفوائدها في تحقيق التنمية القادرة على تحمل تغير المناخ في قطاعي الأغذية والطاقة.
وحسب نصائح البنك لتجاوز أزمة المياه، يجب بناء القدرة على تحمل تغير المناخ من خلال الجمع بين إدارة مستجمعات المياه، والبنية التحتية المستدامة، والتمكّن من أسباب القوة والتعلم من خلال المؤسسات القادرة على التكيف.
ووفقاً لميد، كانت هناك زيادة في استيعاب التقنيات الرقمية ودمجها في خدمات المياه خلال السنوات القليلة الماضية، وسط تبني أصحاب المصلحة بشكل متزايد تقنيات مثل تحلية المياه باستخدام التناضح العكسي (Reverse Osmosis) على نطاق واسع، والشبكات الذكية والقياس لزيادة القدرة على التوريد والإنتاج الحاليين.
لكن، وعلى الرغم من مبادرات كل من القطاعين العام والخاص، إلا أن التقدم في المنطقة بهذا الصدد، ما يزال متفاوتاً و"يلزم اتخاذ إجراءات فورية. وإذا لم تتغير الاتجاهات الحالية بشكل جذري، فلن يحصل العالم إلا على 60% من إمدادات المياه الضرورية بحلول عام 2030"، حسب تقرير ميد، الذي يشير إلى أنّه من أجل بناء مستقبل مائي مرن ومستدام ودفع الكفاءات القائمة على البيانات، يجب أن تتبنى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالكامل الرقمنة على نطاق واسع.