في المرة القادمة التي تزور فيها مطعماً من مطاعم "شيك شاك" (Shake Shack) وتتناول البرغر وبعض البطاطس المقلية المتموجة، توقّف للحظة وكن ممتناً أن السلسلة الشهيرة ما زالت موجودة.
عندما بدأت جائحة كوفيد لأول مرة ودخلت الولايات المتحدة في حظر كامل -في ظل عدم وجود لقاح حينها، وتوفر القليل من المعلومات حول كيفية انتقال الفيروس- كان من المستحيل معرفة ما ينتظرنا، حتى بالنسبة لخبير مخضرم في هذه الصناعة مثل الرئيس التنفيذي لشركة "شيك شاك" راندي غاروتي.
يقول غاروتي، الذي يقود الشركة منذ عام 2012: "شعرت للحظة في عام 2020 أنه لا توجد أي شركة قادرة على النجاة، لقد كانت السنتان الماضيتان تحدياً أمام الجميع، وكانت فترةً عصيبةً أن تكون قائداً في أي قطاع - سواء كان شركة مطاعم، أو مستشفى، أو بلد".
ومع ذلك، كان لدى غاروتي بعض الخبرة رفيعة المستوى للاعتماد عليها، وهو رئيس مجلس الإدارة داني ميير، مؤسس شركة "شيك شاك" والرئيس التنفيذي لمجموعة "يونيون سكوير هوسبيتاليتي غروب" (Union Square Hospitality Group).
بصفته مؤسس مجموعة من المطاعم الشهيرة مثل "يونيون سكوير كافيه" (Union Square Cafe)، و"غرامرسي تافرن" (Gramercy Tavern)، فإن ميير يدرك تماماً كل جانب من جوانب أعمال المطاعم، وهوامش أرباحها البسيطة المعروفة. لذلك، عندما وقعت أزمة كوفيد المشؤومة، اتخذ الرجلان وضعية الأزمة لإنقاذ الشركة، ودعم الدفاعات المالية على جبهات متعددة.
لم يكن لدى الثنائي خيارات كثيرة، حيث انخفضت مبيعات الشركة في مارس/آذار 2020 بنسبة 28.5% مقارنة بالعام السابق، ومن بين تدابير الطوارئ المتخذة: إغلاق عدد من المواقع مؤقتاً، مع تحول بقية المواقع إلى خدمة رصيف الاستلام والتوصيل، وإعطاء الأولوية للتحول الرقمي للشركة.
ولجأت شركة "شيك شاك" إلى تسريح أكثر من 1,000 موظف بشكل دائم أو مؤقت "للمرة الأولى في تاريخها"، كما قال غاروتي متأسفاً، على الرغم من أنه أشار إلى أنه أعادوا توظيف الجميع لاحقاً، وتم تخفيض أجور موظفي الشركة مؤقتاً. جمعت الشركة الملايين من مبيعات الأسهم، لمواجهة أكثر من 1.5 مليون دولار من الخسائر التشغيلية كل أسبوع. وحصلوا في البداية على قرض بقيمة 10 ملايين دولار من "برنامج حماية الأجور" (PPP)، وقد سددت الشركة القرض لاحقاً.
ويقول ميير: "لقد كان الاختبار الأكثر روعة للمرونة وروح المبادرة. لقد اختُبِر الجميع، بغض النظر عن مقدار خبرتك، أو المدة التي قضتها شركتك في مجال الأعمال. لم يمر أي شخص بأي شيء كهذا من قبل".
علاقة صنعها الزمن
إحدى الميزات الضمنية التي يتمتع بها الاثنان هي أن علاقتهما سبقت لفترة طويلة شركة "شيك شاك" نفسها. وفي الواقع، فإن غاروتي الذي اكتسب أول خبراته من العمل في متجر للخبز في نيوجيرسي عندما كان طفلاً، مقابل 3.50 دولاراً للساعة، تجادل في أول اجتماع مع ميير عندما كان يبلغ من العمر 22 عاماً. وانضم لاحقاً إلى مجلس الإدارة كمدير عام لمطعم "تابلا" (Tabla) الهندي في نيويورك، وأصبح في النهاية مديراً للعمليات لمجموعة "يونيون سكوير هوسبيتاليتي غروب" بأكملها.
لكن غاروتي أحب فكرة شركة "شيك شاك" جداً، التي بدأت في الأصل بمحل واحد لبيع النقانق في منتزه "ماديسون سكوير" (Madison Square Park) في حي مانهاتن، لدرجة أنه ترك هذا المنصب ليصبح الرئيس التنفيذي للمشروع الاستثماري الجديد.
يدّعي غاروتي وميير أن لديهما وجهات نظر متشابهة حول العديد من القضايا، بما في ذلك التفكير المدروس في اختيار مواقع الفروع الجديدة للسلسلة. لقد مرت سنوات، على سبيل المثال، قبل أن تتوسع شركة "شيك شاك" أكبر من ذلك المحل الأول. (يصل عدد فروع السلسلة الآن إلى 364 فرعاً، بما في ذلك متجر طلبات السيارات المفتتح حديثاً، وهو الأول من نوعه ضمن الشركة).
لكنهم يعترفون أيضاً بوجود نقاط قوة مختلفة جداً. إذ إن غاروتي، وفقاُ لميير، هو خبير في العمليات. ويعلّق ميير: "راندي شخص فعّال في مجال العمليات أكثر بكثير مما سأكون عليه في أي وقت، وهو يعرف كيف ينتقل بنجاح من جرس الافتتاح إلى جرس الإغلاق، ويجعل كل شيء ناجحاً، وأكثر فعالية بكثير مني".
وتكمن قوة ميير، وفقاً لغاروتي: "في أنه يتميز بالتفكير بعيد الأمد، ولا يتحدث أبداً عن المدى القصير. تظهر فائدة ذلك عندما تدير شركة عامة، لأنه لا يوجد قرار يتم اتخاذه على أساس ربع سنوي يكون مفيداً للشركة على المدى الطويل".
وبالطبع، فإن حيازة ألقاب مثل رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لا يعني أنك لا ترتكب أخطاء - بل أحياناً تكون أخطاء قاتلة. وأحد الأمثلة المهمة على ذلك هو عندما عادت الشركة في عام 2013 لاستخدام البطاطس المقلية الطازجة بدلاً من المجمدة.
على الرغم من أن الفكرة تبدو جذابة من الناحية النظرية، إلا أن المشكلات التي نتجت عن هذه الخطوة، من توفير البطاطس عالية الجودة على مدار العام إلى تحديث المطابخ والاستجابة لطلبات الزبائن، جعلت الفكرة خاسرة. يقول ميير: "كنا عنيدين جداً بشأن هذه الخطوة، ولكن اتضح أننا كنا مخطئين تماماً، وقد نجحنا في النهاية، وكان ذلك أحد أفضل القرارات التي اتخذناها على الإطلاق".
إن وجود علاقة طويلة الأمد لا يعني أن الثنائي يتفقان على كل شيء أيضاً. أحد نقاط الخلاف الشهيرة هي مثلجات "صنداي شيك شاك". كانت هذه المثلجات من بين العروض الأصلية التي تقدمها السلسلة، لكن غاروتي وفريقه أرادوا في النهاية استبعادها بسبب عمليات الإنتاج المعقدة والمبيعات البطيئة".
إذ خاطب ميير غاروتي قائلاً: ما الذي تتحدث عنه؟ هذه المثلجات جزء من هويتنا. وأضاف: "لقد قدم سبباً مقنعاً، وأنا أختلف معه تماماً، لكنه لم يكن قراراً يمكنني تحمل مسؤوليته، لذا استبعدنا مثلجات "صنداي" من القائمة".
بالنظر إلى المستقبل، ربما تكون الأزمة الوجودية لعصر الجائحة قد تضاءلت قليلاً، لكن الصناعة بالتأكيد لم تخرج من الأزمة بعد. من كوابيس سلسلة التوريد، إلى التهديدات الصحية المستمرة للمتحورات الجديدة مثل "أوميكرون" (Omicron)، إلى تحديات العثور على الموظفين والاحتفاظ بهم، يبدو أن عامي 2020 و2021 مصممان خصيصاً لإبقاء مشغلي المطاعم قلقين.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، يبدو أن إجراءات الطوارئ المبكرة لإنقاذ "شيك شاك" قد أثبتت نجاحها. عادت مبيعات السلسلة تقريباً إلى مستويات عام 2019، بانخفاض 1% فقط. ونما إجمالي إيرادات الربع الثالث من عام 2021 بنسبة 48.7% على أساس سنوي، لتصل إلى 193.9 مليون دولار، ما يجعله الربع الأفضل لشركة "شيك شاك" على الإطلاق.
يتذكر غاروتي الموجة الأولى قائلاً: "كانت فترةً مخيفةً لفريقنا، سواء من الناحية الصحية أو في محاولة إنقاذ الوظائف، سأتذكر دائماً تلك اللحظة، لأن تحقيق هذا التوازن كان صعباً للغاية. وعندما تُكتَب كتب التاريخ، آمل أن يحكم الناس علينا بناءً على القرارات التي اتخذناها خلال تلك الفترة ".