المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
آراء وخبرات

كيف تسهم الشركات العائلية في تشكيل اقتصادات الدول؟ دروس من كوريا الجنوبية

إن الشركات العائلية في المنطقة تتجه نحو تغيير استراتيجيات الأعمال لمواكبة متطلبات المستقبل، وإعطاء الأولوية للتحول الرقمي والاستثمار في الموارد البشرية، وكذلك اتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لضمان استمرار الشركات في أيدي الأجيال المقبلة.

بقلم


money

خالد عبد الكريم الفهيم، رجل أعمال إماراتي (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

غالباً ما تبدأ الشركات العائلية بوصفها شركات صغيرة ومتوسطة، ثم تتحول إلى حجر الأساس لمعظم الاقتصادات المحلية، إذ بمقدورها خلق فرص عمل، وتحفيز الابتكار، وتحقيق عوائد عالية. حسب مؤشر إرنست آند يونغ الصادر حديثاً، بلغت إيرادات أكبر 500 شركة عائلية عالمياً 8 تريليونات دولار، وتوظف 24.52 مليون شخص، لتشكل ثالث أكبر إسهام اقتصادي في العالم من حيث الإيرادات.

وتؤدي الشركات العائلية دور الداعم القوي لاقتصاد منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً في دول الخليج. فحسب استطلاع أجرته شركة برايس ووتر هاوس كوبرز (PwC) في الشرق الأوسط حول الشركات العائلية عام 2021، تُسهم هذه الشركات بنحو 58% من الناتج الإجمالي المحلي، وتوظف ما يزيد على 80% من القوى العاملة.

تحقق الشركات العائلية في دول الخليج إجمالي إيرادات سنوية تبلغ 100 مليار دولار، وذلك وفق استطلاع أجرته شركة ماكنزي آند كومباني بالتعاون مع مجلس الشركات العائلية الخليجية، فيما من المتوقع انتقال أصول بنحو تريليون دولار إلى الجيل التالي من هذه الشركات.

وأظهر استطلاع شركة ديلويت حول الشركات العائلية في الشرق الأوسط: "تحول الأعمال: تماشياً مع المستقبل"، أن الشركات العائلية في المنطقة تتجه نحو تغيير استراتيجيات الأعمال لمواكبة متطلبات المستقبل، وإعطاء الأولوية للتحول الرقمي والاستثمار في الموارد البشرية، وكذلك اتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لضمان استمرار الشركات في أيدي الأجيال المقبلة.

ما أهمية تجربة الشركات العائلية في كوريا الجنوبية؟

في ستينيات القرن العشرين، بدأت رحلة التحول الاقتصادي في كوريا الجنوبية. وركزت إدارة الرئيس السابق بارك تشونغ-هي (Park Chung-hee) مع توليه السلطة عام 1961 على تنمية اقتصاد الدولة التي كانت تعتمد على المساعدات الخارجية، ويصل نصيب الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي إلى 158 دولاراً، فبدأت تتحرك لتشجيع الشركات على زيادة الصادرات والدخول في صناعات جديدة مثل الإلكترونيات وإنتاج الصلب وبناء السفن، من خلال تقديم الإعفاءات الضريبة وتسهيل الحصول على القروض.

هنا ظهر تكتل الشركات العائلية مثل سامسونغ (Samsung) وهيونداي (Hyundai Motor) ولوتي (Lotte)، والمعروفة باسم تشيبول (chaebol)، وتوطدت علاقتها مع الدولة وأدت دوراً كبيراً في تعزيز النمو والصناعة، واستمر تأثيرها حتى الآن، ففي عام 2021 شكلت عائدات أكبر عشر شركات عائلية نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

بداية انطلاق الشركات العائلية وأهميتها

كان لمفهوم نقل مشاريع الأعمال الحرة من جيل إلى آخر دور حيوي في التنمية الاقتصادية. فقد بدأ العديد من الشركات العالمية الشهيرة، مثل وول مارت وسامسونغ وتويوتا، بوصفها شركات عائلية صغيرة وتوسعت توسعاً كبيراً بمرور الوقت. 

يعود نجاح الشركات العائلية إلى تبنيها رؤية طويلة الأمد للاستثمارات والعلاقات، والتركيز على الابتكار وبناء المواهب الأساسية لدى مجموعة منتقاة من الأفراد، وخلق قدر أكبر من الاستقرار المالي. وعليه، تتجلى أهميتها في: 

  • تحفيز النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة عن طريق خلق فرص عمل، واستقطاب المواهب والحفاظ عليها.
  • الصمود في وجه الركود الاقتصادي واتخاذ قرارات استراتيجية تعود بالنفع على قطاع الأعمال والاقتصاد المحلي؛ من خلال اعتماد رؤية طويلة الأجل والتركيز على بناء إرث مستدام بدلاً من السعي إلى تحقيق مكاسب على المدى القصير.
  • تعزيز ريادة الأعمال من خلال نقل المهارات والمعارف والقيم الثمينة من جيل إلى آخر. ويساعد استمرار ثقافة ريادة الأعمال على بناء بيئة أعمال نابضة بالحياة داخل البلد.

دور الشركات العائلية في اقتصاد كوريا الجنوبية

تُعد كوريا الجنوبية مثالاً جيداً على الإسهامات الكبيرة التي تقدمها الشركات العائلية في الاقتصاد الوطني. فبعد الحرب الكورية في أوائل الخمسينيات، بدأت كوريا الجنوبية رحلة استثنائية للتنمية الاقتصادية السريعة، مدفوعة إلى حد كبير بالشركات العائلية.

فكيف أسهمت شركات مثل سامسونغ وهيونداي ولوتي في دعم اقتصاد كوريا الجنوبية؟

  • سامسونغ 

أسسها لي بايونغ تشول (Lee Byung Chul) في عام 1938 بوصفها متجراً للبقالة، لتتوسع بعدها في صناعات أخرى بما فيها الإلكترونيات وبناء السفن والإنشاءات والتمويل. واستمرت في النجاح على الرغم من الأزمات التي مرت بها. وفي عام 2022، حلّت في المرتبة الثامنة ضمن قائمة فوربس للعلامات التجارية الأكثر قيمة في العالم، بقيمة بلغت 50.4 مليار دولار، وإيرادات قاربت الـ 210 مليارات دولار.

  • هيونداي

بدأت عام 1947 كشركة إنشاءات أطلقها تشونغ جو-يونغ (Chung Ju-yung)، ومع مرور الوقت توسعت في قطاعات مختلفة منها السيارات والصناعات الثقيلة والتمويل. وباتت هيونداي موتور، الشركة المتخصصة بصناعة السيارات ضمن المجموعة، شركة عالمية رائدة، واحتلت الصدارة بمبيعات السيارات بحصة بلغت 66,660 وحدة، بما يعادل 51.9% من حصة السوق، لتسهم بشكل كبير في اقتصاد كوريا الجنوبية المعتمِد على التصدير.

  • لوتي 

أسسها شين كيوك-هو (Shin Kyuk-ho) في عام 1948، وبدأت بوصفها شركة صغيرة لتصنيع اللبان (العلكة). وقد نمت منذ ذلك الحين لتصبح تكتل شركات متعددة الجنسيات تعمل في قطاعات تشمل البيع بالتجزئة والضيافة والكيماويات والترفيه. وكان لها دور مهم في تشكيل قطاع البيع بالتجزئة في كوريا الجنوبية، وتوفير فرص عمل، وإثراء تجربة المستهلك عبر توظيف التكنولوجيا الحديثة.

يجسد الاقتصاد الكوري الجنوبي التأثير العميق للشركات العائلية. فقد أصبحت شركات مثل سامسونغ وهيونداي ولوتي رموزاً عالمية، وعناصر رئيسية في التنمية الاقتصادية للبلاد، وكانت تربطها علاقة طويلة المدى وقوية مع الحكومة، وبدت في معظم الأحيان إيجابية لأنها أسهمت في النمو السريع للاقتصاد، وفي أحيان أخرى سلبية نتيجة تورطها في العديد من فضائح الفساد.

بينما نحتفي بإنجازات الشركات العائلية، من الضروري الاعتراف بأهميتها المتواصلة ودعم مساعيها، وينبغي للحكومات وصانعي السياسات توفير بيئة ملائمة تدعم هذه الشركات وتحافظ عليها، مع الاعتراف بقدرتها على تشكيل الاقتصادات وضمان حياة أفضل للأجيال المقبلة.


image
image