تكتسب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مكانة بارزة بسرعة بوصفها مركزاً عالمياً للصحة، وتحفز دبي والمملكة العربية السعودية هذا التطور. دبي بالفعل واحة للسفر والرفاهية، وقد ازدادت جاذبيتها دولياً عندما أصبحت الوجهة الطبية الأولى في العالم العربي، وفقاً لوكالة ميديكال ترافل ماركت (Medical Travel Market). تتخصص إمارة دبي في العلاجات المعقدة في تخصصات التجميل والأسنان والخصوبة، وتستقطب المرضى من آسيا والدول العربية المجاورة ودول مجلس التعاون الخليجي بصفة أساسية. وفقاً لتقرير هيئة الصحة بدبي، فإن 39% من المرضى من الدول الآسيوية، و22% من أوروبا ورابطة الدول المستقلة، و21% من الدول العربية ودول مجلس التعاون الخليجي (هيئة الصحة بدبي، 2023).
تليها مباشرة المملكة العربية السعودية التي تسعى إلى اكتساب مكانة في مشهد الرعاية الصحية. وقد كشفت المملكة عن خططها لضخ مبلغ مذهل قدره 66 مليار دولار في البنية التحتية للرعاية الصحية خلال السنوات الخمس المقبلة. ويهدف هذا الاستثمار إلى زيادة دور القطاع الخاص في الرعاية الصحية من 25% حالياً إلى 35% بحلول عام 2030، اتساقاً مع رؤية المملكة 2030.
تُعزى هذه الطفرة في السياحة العلاجية إلى العديد من المبادرات المبتكَرة، خاصة في دبي. على سبيل المثال، أطلقت هيئة الصحة بدبي مؤخراً منصتها للسياحة العلاجية بالتعاون مع منشآت الرعاية الصحية في جميع أنحاء الإمارة. علاوة على ذلك، أطلقت هيئة الصحة بدبي مبادرة "دبي في يوم واحد"، وهي خدمة تقدم حزم فحوص سريعة وفعالة. وفقاً لمدير إدارة السياحة الصحية بهيئة الصحة بدبي، محمد المهيري، يمكن للسياح إجراء فحوصهم الطبية بالكامل في غضون ساعتين إلى 6 ساعات، اعتماداً على الحزمة المختارة. وتتوفر النتائج عادة خلال 24 إلى 48 ساعة، ما يوفر مستوى من الراحة يجعلها ذات جاذبية خاصة للسياح.
يبدو أن هذا النهج المنسَّق يؤتي ثماره جيداً. ففي عام 2022، شهدت دبي ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد القادمين للسياحة العلاجية، إذ اجتذبت 674 ألف سائح علاجي أنفقوا 992 مليون درهم (270 مليون دولار)، بزيادة قدرها 262 مليون درهم (71 مليون دولار) عن العام السابق.
الإطار التاريخي
واجهت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مر التاريخ تحديات تتعلق بالزيادة السريعة في عدد السكان وارتفاع معدل انتشار الأمراض المرتبطة بنمط الحياة مثل السكري والسمنة، إلا أنها تزيد استثماراتها وإسهاماتها باستمرار لمواجهة هذه التحديات. فبين عامي 2010 و2020، على سبيل المثال، ضاعفت دول مجلس التعاون الخليجي عدد مستشفياتها، وجرى بناء نحو 80% منها من خلال المبادرات الحكومية والتمويل الحكومي.
المثير للاهتمام بوجه خاص هو التركيز على مشاركة القطاع الخاص. فقد أضفت المملكة العربية السعودية الصبغة الرسمية على قوانين تشجع على إقامة شراكات بين القطاعين العام والخاص، ما أدى إلى إبرام بعض الصفقات الواعدة جداً في قطاع الرعاية الصحية. وبالمثل، أظهرت دبي أيضاً التزاماً بتعزيز نمو القطاع الخاص، فقد نشرت مؤسسة دبي للرعاية الصحية مخططاً للشراكات بين القطاعين العام والخاص في مشاريع المستشفيات الجديدة.
ما الذي يخبئه المستقبل؟
وفقاً لشركة فيتش سولوشنز (Fitch Solutions)، من المتوقع أن تنمو سوق الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.7% لتصل إلى 243.6 مليار دولار في عام 2023، ارتفاعاً من 185.5 مليار دولار في عام 2019. وهذه ليست أخباراً سارة للقطاع الصحي وحده، فالمجموعة الضخمة من المشاريع البالغ عددها 161 مشروعاً تقريباً في قطاع الرعاية الصحية في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي (بقيمة 53.2 مليار دولار) تتيح فرصاً للأعمال التجارية، خاصة للشركات الاستشارية المعمارية والموردين المتخصصين في مشاريع الرعاية الصحية.
تشهد الصحة الرقمية أيضاً مرحلة انتعاش، إذ تستثمر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بكثافة في الطبابة عن بُعد ومراقبة المرضى عن بُعد والخدمات الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ووفقاً لشركة ماكنزي آند كومباني، يمكن أن تصل سوق الصحة الرقمية في هذين البلدين وحدهما إلى 4 مليارات دولار بحلول عام 2026.
مع التركيز ليس فقط على العلاج بل أيضاً على الوقاية، يوسّع قطاع الرعاية الصحية نطاقه ليشمل المراكز الصحية والعيادات المتخصصة. ووفقاً للبنك الدولي، من المتوقع أن ترتفع نسبة سكان الإمارات العربية المتحدة الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً إلى 4.4% بحلول عام 2030، ما يؤدي إلى زيادة الطلب على رعاية المسنين على وجه الخصوص.
من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أعتاب نهضة في قطاع الرعاية الصحية. فمن خلال الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والتركيز المتزايد على الابتكار الرقمي ومشاركة القطاع الخاص، ترسم المنطقة مساراً يَجدُر بالمناطق الأخرى الاقتداء به. ومع استمرار ازدهار سوق الرعاية الصحية، وجذب السياح والأطباء والمستثمرين من جميع أنحاء العالم، أصبح من الواضح جداً أن قطاع الرعاية الصحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليس مجرد قوة إقليمية، بل قوة عالمية مزدهرة.
سواء كنت مستثمراً يتطلع إلى اغتنام الفرصة الكبيرة التالية أو مستهلكاً مهتماً بخدمات الرعاية الصحية المتقدمة، أبقِ عينيك على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إذ تجري النهضة في قطاع الرعاية الصحية على قدم وساق، ويبدو المستقبل أكثر إشراقاً من أي وقت مضى.