كان عرض نادي الهلال السعودي للتعاقد مع الأرجنتيني ليونيل ميسي (36 عاماً) أكبر بنحو 8 أضعاف من ناحية الراتب، ومع ذلك اختار أفضل لاعب في العالم 7 مرّات العرض الأقل، وانتقل إلى نادي إنتر ميامي الأميركي الذي أقنعه بعقد ثلاثي الأقطاب يضمن له أرباحاً من شركتي آبل (Apple) الأميركية وأديداس (Adidas) الألمانية إضافة إلى الراتب السنوي البالغ نحو 54 مليون دولار.
بدا أن مسؤولي الهلال واثقون من الحصول على توقيع ميسي، وجلبه إلى الدوري السعودي لإحياء التنافس مع عدوه البرتغالي كريستيانو رونالدو (38 عاماً) الذي يلعب لنادي النصر منذ يناير/كانون الثاني 2023، ما من شأنه أن يجذب متابعة عالمية للكرة السعودية. فرصد النادي العاصمي لميسي راتباً سنوياً يُقدّر بـ 440 مليون دولار، وهو نحو 3 أضعاف راتب غريمه رونالدو.
توجّه الهلال إلى التعاقد مع ميسي محاولاً مجاراة المنافسة المحتدمة في جلب النجوم العالميين بالدوري السعودي، إذ تعاقد نادي الاتحاد -المنتمي إلى مدينة جدّة- مع أفضل لاعب في العالم 2022، الفرنسي كريم بنزيما من ريال مدريد الإسباني، وجلب الأهلي المهاجم البرازيلي روبرتو فيرمينو من ليفربول الإنجليزي. أمّا النصر فيمتلك رونالدو -أفضل لاعب في العالم 5 مرات- لذلك، كان لا بد للهلال من صفقة مدوّية، وعلى الرغم من عرضه المغري لميسي فقد فشل.
ميسي ما بين طائرة خالية وحلفاء محتشدين
جهّز الهلال طائرة خاصة لتُقلّ ميسي ووالده خورخي، من العاصمة الفرنسية باريس إلى الرياض مباشرة بعدما تقدّمت المفاوضات بين الطرفين، حسب يومية ديلي ميل (Daily mail) البريطانية. بيد أن اللاعب المُلقّب بـ"البولغا" -أي البرغوث في الإسبانية- أعاد طائرة الهلال خالية الوفاض، واختار الانتقال إلى إنتر ميامي الذي جذب اللاعب من خلال عقد متنوّع المزايا.
مجلة وول ستريت جورنال (Wall street gournal) الأميركية، عنونت حول فوز إنتر ميامي بصفقة ميسي بأن النادي "حشد قواه عبر آبل وأديداس لمواجهة نفوذ السعودية". ويعزي المحامي الرياضي الدولي للاعبي كرة القدم، محمد متولي، في مقابلة مع فورتشن العربية سبب تفضيل ميسي العرض الأميركي على السعودي إلى المنافع الاقتصادية المتشابكة والمتعددة من عقد النادي الأميركي، مقارنة بالعقود الاعتيادية للاعبي كرة القدم، والتي كان أحدها عقد الهلال المقترح.
إضافة إلى العقد الذكي من إنتر ميامي، يعتقد متولي أن الانتماء لعب دوراً في الصفقة، فميسي يشعر بالانتماء إلى ميامي، إذ يمتلك عقارات في المدينة ويتردد عليها باستمرار مع أسرته، كما أن سكّان ميامي يرتبطون تاريخياً بأميركا الجنوبية بالنظر إلى وفود أجيال عديدة من المهاجرين اللاتينيين إلى المدينة على مدار عقود. وهي ميزة لا تتوفر في السعودية بالنسبة للاعب.
ما آلية عقد ميسي مع إنتر ميامي؟
بموجب العقد المبرم بين الطرفين، يحصل ميسي على نسبة مئوية سنوية من أرباح شركة آبل التي تبث مباريات الدوري الأميركي عبر منصّاتها، ونسبة من أرباح مبيعات قمصان الفريق التي تتولّى شركة أديداس صناعتها وبيعها في متاجرها. ووصف أحد مدراء مؤسسة ذا سبورتس لو غروب الأميركية (The Sports Law Group)، إروين كيشنر، الصفقة قائلاً: "لم يحظ أي رياضي من قبل بمثل هذا العقد سواء في البيسبول أو كرة السلة أو كرة القدم، إنه عقد فريد من نوعه ومن الصعب رؤية شيء مثله".
يوضّح متولي ميزات عقد ميسي بقوله إنه بالإضافة إلى الراتب السنوي البالغ نحو 54 مليون دولار، والحصة من أرباح آبل وأديداس، فإن اللاعب سيشتري حصّة من أسهم النادي بعد الاعتزال وسيصبح شريكاً مساهماً، إذ من المتوقّع أن تتضاعف القيمة السوقية لإنتر ميامي خلال سنوات قليلة، ما سيسهم في زيادة حصّة ميسي بالتبعية.
ويضيف "في اعتقادي أن القيمة الإجمالية لمنافع عقد ميسي المتعددة مع إنتر ميامي سنوياً ستقترب، في نهاية المطاف، من قيمة عقد الهلال المقترح الذي قُدّر بنحو 440 مليون دولار سنوياً، وعلى المدى القريب قد يتجاوزه"، حسب متولي.
اقتسام كعكة ميسي
المثير أن إنتر ميامي -وعلى غير عادة أندية كرة القدم- أشرك معه في المفاوضات أديداس وآبل، حيث لعبا دوراً بارزاً في الضغط على اللاعب وإقناعه بعرض ميامي. ليس كذلك فحسب، بل إن مسؤولين من رابطة الدوري الأميركي لكرة القدم (MSL) عقدوا جلسات مع ميسي. وأوضحت الخبيرة في العلامات التجارية، لارا لوستيك، في مقابلة مع شبكة إي إس بي إن (ESPN) إن آلية عمل إدارة نادي إنتر ميامي في صفقة ميسي، عبر إقحام شركائها في المفاوضات، أشبه بتقطيع الكعكة وتجزئتها، إذ استفاد جميع الأطراف من اللاعب، وفاز الجميع في نهاية المطاف.
لأديداس علاقة قوية مع ميسي، إذ إن لشركة مستلزمات الرياضة الألمانية اتفاق رعاية مع اللاعب منذ عام 2006. وفي 2017، أبرمت معه عقداً يسري "مدى الحياة" للترويج لمنتجاتها، حتّى بعد التقاعد. أمّا على مستوى الدوري الأميركي (Major League Soccer - MLS) فإن أديداس تصنع قمصان الفِرق كافة، وهي أحد الرعاة الرئيسيين للدوري.
في الجهة المقابلة، دشّنت آبل العام الماضي عقد بث مباريات الدوري الأميركي لمدّة 10 سنوات قادمة مقابل 250 مليون دولار للموسم الواحد، وتعمل حالياً مع ميسي لإنتاج فيلم وثائقي من 4 أجزاء عن كواليس فوز اللاعب مع منتخب الأرجنتين بكأس العالم قطر 2022. هذه المعطيات تُفضي إلى أن النادي والشركتين ورابطة الدوري، لديهم مصالح متشابكة ومشتركة مع اللاعب.
تأثير ميسي
أحدثَ انتقال ميسي إلى إنتر ميامي ثورة غير مسبوقة في كرة القدم الأميركية، فقد أصبح صاحب أكبر مبيعات قمصان في تاريخ كل الرياضات خلال أول 24 ساعة بعد الانضمام لناد جديد، حسب إي إس بي أن، في حين جنى إنتر ميامي أكبر مبيعات تذاكر مباراة في تاريخ كرة القدم بالولايات المتحدة، عندما حقق مبلغ 110 آلاف دولار من مبيعات تذاكر مباراة ميسي الأولى ضد كروز آزول في 21 يوليو/تموز، حسب شبكة سي إن إن (CNN)، لتصبح أغلى مباراة في تاريخ البلاد، كما قفزت أسعار تذاكر النادي الإجمالية منذ الإعلان عن التعاقد مع اللاعب بنسبة 700%.
ويؤمن رئيس شركة كوسنر ميديا الأميركية (Kosner Media) للاستشارات الإعلامية، جون كوسنر، أن صفقة انتقال ميسي إلى إنتر ميامي تدور بطريقة ما حول اكتساب عملاء جُدد لآبل وأديداس، ويشاركه في الرأي أحد خبراء الإعلام في الولايات المتحدة، إد ديسر، الذي قال: "سيساعد وصول ميسي على جذب الانتباه وتوسيع الانتشار الدولي [في دول أميركا اللاتينية تحديداً]، خاصة لشركة مثل آبل، إنه شيء يثيرهم".
ميسي سفيراً للسياحة السعودية "ليس كافياً"
في مايو/أيار 2022، أبرم ميسي عقداً أصبح بموجبه سفيراً سياحياً للسعودية، وحسب صحيفة ذا نيويورك تايمز (The New York Times) الأميركية، فإن اللاعب يربح 25 مليون دولار على مدار 3 أعوام، مقابل الترويج للأماكن السياحية السعودية وقضاء إجازته السنوية في المملكة والمشاركة في أنشطة تخص السعودية عالمياً. ربما كانت تلك النقطة هي الركن الرئيسي الذي استند إليه الهلال لجلب ميسي، بيد أنها لم تكن كافية.
الأندية السعودية لن تحاكي عقد إنتر ميامي وستسفيد من تجربة رونالدو
لا يتوقّع متولي أن تحذو الأندية السعودية حذو إنتر ميامي في تقديم عقود متشابكة المصالح، إلا في أضيق الحدود، ويشرح: "لا أرى إمكانية حدوث ذلك على نطاق واسع، ليس لعدم قدرتها على التنفيذ، ولكن لاختلاف الأهداف، فإنتر ميامي قد ابتكر هذا النوع من العقود لأن مالكيه يبحثون عن طريقة لإعلاء قيمة النادي وتحقيق أكبر أرباح ممكنة، أما الأندية السعودية الأربعة الكبرى التي آلت ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة، وهي الهلال والنصر والاتحاد والأهلي، فلديها استراتيجية مغايرة، وهي إعلاء قيمة الدوري ككل والصعود به إلى مصافّ أفضل 5 دوريات في العالم".
يستطرد متولي قائلاً عن نجاح الدوري السعودي في جلب النجوم والمنافسة مع الدوريات العالمية: "ومع ذلك، فقد تمكّنت السعودية من تحقيق الجزئية الأصعب، وهي ما نسميه بلغة التسويق "نشر الوعي" (Spreading awareness). لقد كانت صفقة رونالدو حجر الأساس الذي أقنع اللاعبين العالميين من بعده بالتعاقد مع الأندية السعودية. لم يعد الدوري السعودي مجهولاً بالنسبة للغرب، فقد رأيت طفلاً أميركياً في مدينة بلومينغتون بولاية إنديانا يرتدي قميص النصر السعودي برقم رونالدو".
يعتقد متولي أن قوة الدوري السعودي في المستقبل ستصبح العنصر الأساسي في إقناع اللاعبين بالقدوم لأندية المملكة، وستلعب الأندية على هذا الوتر، عوضاً عن محاكاة عقد إنتر ميامي، ويوضّح: "بعد صفقة رونالدو، تحدث العالم بأسره وانتشرت الأخبار في كل مكان عن كرة القدم السعودية، ثم توافد نجوم اللعبة من أوروبا إلى المملكة، حيث شعروا أنهم سينتقلون إلى دوري يراه الجميع ويتحدث عنه".
نموذجان لعقود لاعبي كرة القدم في السعودية
يعتقد متولي أن الأندية السعودية ستقدّم نوعين من العقود لاستقطاب نجوم كرة القدم. النموذج الأول سيحظى فقط بميزة مضاعفة الراتب ربما أكثر من 4 أو 5 مرّات مقارنة بالنادي السابق، إذ يحصل الفرنسي نغولو كانتي على راتب مع الاتحاد يُقدّر بنحو 110 ملايين دولار سنوياً، في حين كان راتبه مع فريقه السابق تشيلسي 19.2 مليون دولار. وهذا هو نوع السواد الأعظم من العقود.
أمّا النموذج الثاني فيبدو مشابهاً قليلاً لعقد ميسي مع إنتر ميامي، ويخصّ نجوم كرة القدم من الدرجة الأولى، وقلَما يتم تقديمه. فعلى سبيل المثال، عرض نادي الهلال عقداً ضخماً لضم النجم كيليان مبابي من باريس سان جيرمان يضمن له الحصول على راتب سنوي ثابت يقّدر بــ 220 مليون دولار، مع بعض البنود الإضافية التي سترفع قيمة راتبه السنوي في نهاية المطاف إلى 768.7 مليون دولار.
يتقاطع العقد المقترح من الهلال لضم مبابي، مع عقد إنتر ميامي مع ميسي في بعض النقاط، فاللاعب لن يتقاضى الراتب السنوي البالغ 220 مليون دولار فقط، بل سيكسب نحو 547 مليون دولار أخرى من نشاطات اقتصادية مرتبطة بالنادي، مثل صفقات إعلانية وتجارية وحقوق الصورة. لكن مع ذلك، رفض مبابي العرض؛ لرغبته في البقاء ضمن حيّز كرة القدم الأوروبية.
عقد نيمار متعدد المنافع
بعد الفشل في التعاقد مع ميسي ومبابي، اتجه الهلال لجلب نجم عالمي آخر لا يقل عنهما قيمة، وقد أثمرت الجهود عن التعاقد مع البرازيلي نيمار جونيور من باريس سان جيرمان، في صفقة كلّفت خزائن النادي السعودي 98.1 مليون دولار دفعها للنادي الباريسي. وتشير منصّة فوت ميركاتو (Foot mercato) الفرنسية إلى أن الهلال صاغ عقداً بامتيازات واضحة لجذب نيمار، إذ إن الوضع لا يحتمل إخفاقاً جديداً.
حسب فوت ميركاتو، سيضع الهلال تحت تصرّف نيمار طائرة خاصة، ومنزلاً ضخماً مع طاقم عُمّال كامل لخدمته، إضافة إلى 87 ألف دولار لكل انتصار يحققه الفريق، ومبلغ 542 ألف دولار لكل منشور ينشره اللاعب عبر منصّاته في وسائل التواصل الاجتماعي، للترويج للهلال والسعودية. والأهم أن راتب اللاعب مع الهلال يصل إلى 163.5 مليون دولار سنوياً، وهو أكبر بـ 6 مرّات من راتبه مع فريقه السابق باريس سان جيرمان.
هذا هو الوتر الذي ستلعب عليه الأندية السعودية في الصفقات المستعصية مستقبلاً، عبر تقديم امتيازات إضافية مع الراتب السنوي مثلما حدث مع نيمار، ويمكن القول إن عقد ميسي مع إنتر ميامي، وإخفاق الهلال في جلب اللاعب -على الرغم من ثقة النادي المفرطة-، قد أيقظ حلولاً مبتكرة في المقابل لدى الأندية السعودية.