تتوقع وكالة ستاندرد آند بورز الأميركية للخدمات المالية، أن تشهد منطقة الخليج بقيادة السعودية والإمارات (أكبر اقتصادين في منطقة مجلس التعاون الخليجي) خلال الأعوام المقبلة استثمارات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، حيث استثمرت الإمارات نحو 40 مليار دولار في مشروعات الطاقة المتجددة خلال 2021، وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 أطلقت السعودية 13 مشروعاً للطاقة المتجددة بـ 9 مليارات دولار، ضمن خطة المملكة للوصول إلى صافي صفر انبعاثات كربونية بحلول عام 2060.
على الرغم من اعتماد دول المنطقة على صناعة النفط والغاز، جددت التزامها باتفاقية باريس لتحقيق الأهداف المناخية؛ وهي الحد من الانبعاثات الكربونية والوصول إلى صفر انبعاثات والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.
وتشير ستاندرد آند بورز في تقرير نشرته بعنوان "استثمارات دول الخليج لتسريع نشر الطاقة المتجددة" في فبراير/شباط 2023 إلى أن إجمالي القدرة المركبة للطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي بلغت 3.4 غيغاواط عام 2021، وهي نسبة ضئيلة حينها، وسط توقعات بتحسن السعة الإنتاجية من الطاقة المتجددة والنظيفة في الخليج بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة.
وعلى الرغم من أن دول الخليج ما تزال تستثمر في مشروعات الوقود الأحفوري أو الطاقة غير المتجددة، تقول وكالة ستاندرد آند بورز أن هذه الدول حرصت على أن تكون الاستثمارات في مشروعات الطاقة غير المتجددة ذات انبعاثات منخفضة، في استجابة منها لأهداف اتفاقية باريس للحد من الانبعاثات الكربونية، مشيرة إلى الإمارات التي حوّلت مجمع حصيان للطاقة ليعمل بالغاز الطبيعي بدلاً من الفحم.
وأظهر التقرير أن حجم إنتاج السعودية من الطاقة المتجددة بلغ 443 ميغاواط في عام 2021، مقارنة بنحو 24.3 ميغاواط في عام 2016، وأن سعة إنتاج الطاقة المتجددة في المملكة تزداد بسرعة كبيرة؛ ففي 2022 وصل حجم الإنتاج إلى 700 ميغاواط من الطاقة المتجددة المتصلة بشبكة الكهرباء، وإضافة لذلك هناك مشروعات لإنتاج نحو 11.4 غيغاواط أخرى من الطاقة المتجددة قيد التطوير.
مشروعات الطاقة الشمسية
بلغ إنتاج دولتي الإمارات والسعودية من الطاقة الشمسية خلال عام 2016 نحو 165 ميغاواط، لينمو ويصل إلى 3 غيغاواط عام 2021، وفي ذات العام كانت 90% من قدرة الطاقة المتجددة في منطقة الخليج موجودة في هاتين الدولتين، وتمثل الإمارات وحدها 77%.
وتأتي الطاقة الشمسية على رأس مصادر الطاقة المتجددة التي استخدمتها منطقة مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة الأخيرة، وفي عام 2021 كانت 97% من مصادر الطاقة المتجددة في الخليج مرتبطة بالطاقة الشمسية، حسب التقرير.
تحدي التمويل
تعد مسألة تمويل مشروعات الطاقة المتجددة أكبر تحدٍّ يواجه الشركات في أغلب الدول، لكن الإمارات والسعودية تغلبتا على هذا العائق بوضع أطر تنظيمية للشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ لتسهيل تمويل المشاريع وتعزيز نشر ثقافة الطاقة المتجددة بالمنطقة. وتتوقع ستاندرد آند بورز أن يستفيد العديد من الشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة، وخصوصاً في مجال الطاقة الشمسية، من سوق رأس المال الاستثماري بما يضمن سهولة تمويل المشروعات ونفقات صيانتها.
في 13 سبتمبر/أيلول 2022، أصدرت الإمارات التقرير الثاني لإسهامات الدولة في تحقيق الحياد المناخي وإزالة الكربون من قطاع الطاقة، وأعلنت فيه استهدافها خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 31% بحلول 2030، بما يعادل خفض وتحييد انبعاثات بنحو 93.2 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون، وخفض معدل الانبعاثات إلى 208 ملايين طن متري من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وذلك مقارنة بالوضع الاعتيادي للأعمال، والذي يسجل انبعاثات بنحو 301.2 مليون طن من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون.
كان هدف الإمارات السابق للحياد المناخي في 2021 هو تخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 23.5% بحلول عام 2030، قبل أن ترتفع النسبة المستهدفة لخفض الانبعاثات في 13 سبتمبر/أيلول عام 2022 إلى 31% بحلول 2030.
وتنص المبادرة الاستراتيجية الإماراتية للحياد المناخي بحلول 2050 على أن يحتل إنتاج الطاقة النظيفة 30% من إجمالي إنتاج الطاقة بالإمارات بحلول 2030، وترتفع النسبة إلى 50% بحلول 2050.
وتستهدف الإمارات ضمن هذه الاستراتيجية مزيجاً من مصادر الطاقة المتجددة والنووية والنظيفة لضمان تحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والأهداف البيئية، باستثمارات تبلغ 600 مليار درهم (163.36 مليار دولار) حتى 2050 لضمان تلبية الطلب على الطاقة.
وتهدف الاستراتيجية إلى رفع كفاءة الاستهلاك الفردي والمؤسسي بنسبة 40%، ورفع إسهام الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة المنتجة في الإمارات إلى 50%؛ منها 44% طاقة متجددة و6% طاقة نووية، وتحقيق توفير يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050، بالإضافة إلى خفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة.
تحديات تواجه الطاقة الشمسية الكهروضوئية
ترى وكالة ستاندرد آند بورز أن مشروعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية هي الأقل تكلفة من حيث التنفيذ بين مصادر الطاقة المتجددة الأخرى، لكن العقبة الوحيدة التي قد تواجه هذه المشروعات هي تكلفة الصيانة المرتفعة وصعوبة الحصول على الألواح الشمسية في ظل أزمة سلاسل الإمداد. وبالتالي، تتوقع انخفاضاً في إنتاج الطاقة الشمسية على المدى الطويل، في حالة عدم وجود خطة مالية لتوفير تكاليف صيانة واستبدال الألواح الشمسية التالفة.
وتعتزم الإمارات تشغيل محطة الظفرة في أبوظبي بكامل طاقتها خلال العام الجاري، لتصبح واحدة من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم؛ بسعة 2.1 غيغاواط، كما ستخفض الانبعاثات الكربونية بمعدل 2.4 مليون طن سنوياً، وذلك في أعقاب بدء مشروع العجبان للطاقة الشمسية الكهروضوئية، والذي سيضيف على إنتاجية المحطة 1,500 ميغاواط من الطاقة الكهروضوئية.
ويشير تقرير ستاندر آند بورز إلى أنّه في حين لا تدرج وكالة الطاقة الدولية محطات الطاقة النووية ضمن مشروعات الطاقة المتجددة في تقاريرها؛ إلا أن الإمارات تدرج مشروع براكة للطاقة النووية ضمن تعريفها للطاقة النظيفة. وفي 24 فبراير/شباط الماضي، أعلنت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية في الإمارات بدء التشغيل التجاري لثالث محطات براكة للطاقة النووية، والتي ستضيف لشبكة كهرباء الإمارات ما يصل إلى 1,400 ميغاواط من الطاقة الكهربائية الخالية من الانبعاثات الكربونية.
مشروعات السعودية في الطاقة المتجددة
وحسب التقرير، تعتزم السعودية الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية بحلول 2060، كما تعتزم خفض الانبعاثات الكربونية وتجنبها وإزالتها إلى 278 مليون طن من غازات ثاني أكسيد الكربون الدفيئة.
ويشير تقرير ستاندرد آند بورز إلى أول مزرعة رياح في السعودية، وهو مشروع دومة الجندل المصنف كأكبر مشروع لطاقة الرياح بمنطقة مجلس التعاون الخليجي، والذي بدأ تأسيسه بنهاية عام 2021. ومن المتوقع أن يزيل المشروع نحو مليون طن من الانبعاثات الكربونية ويوفر 400 ميغاواط، إضافةً إلى أن السعودية تتوسع حالياً في مثل هذه المشروعات.
وقال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، في تصريحات له خلال مشاركته في منتدى "اكتفاء 2023" بنهاية يناير/كانون الثاني الماضي، إن السعودية تعتزم استثمار نحو تريليون ريال سعودي (266.4 مليارات دولار) بمجالات توليد الطاقة النظيفة، ضمن خطة رؤية السعودية 2030 التي تستهدف أن تشكل الطاقة المتجددة (مشروعات طاقة شمسية وطاقة رياح وطاقة نووية نظيفة وسلمية) 50% من إنتاج الكهرباء بحلول عام 2030.
هناك تعاون صريح بين السعودية والإمارات في الطاقة المتجددة، حيث تعتزم شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر الإماراتية"، التي تعد إحدى شركات الطاقة المتجددة الأسرع نمواً في العالم، تنفيذ 5 مشروعات طاقة متجددة في السعودية، تشمل مشروعات طاقة شمسية ورياح بقدرات تصل إلى 3.3 غيغاواط.
توسع في إنتاج الهيدروجين الأخضر
وفيما يتعلق بإنتاج الهيدروجين الأخضر، من المتوقع أن يصل الطلب العالمي عليه إلى نحو 30 مليون طن سنوياً بحلول 2030، وينمو إلى 610 ملايين طن سنوياً بحلول 2050. وقد أظهر تقرير ستاندرد آند بورز توسع دول الخليج في إنتاج الهيدروجين ضمن مشروعات الطاقة النظيفة.
وتخطط السعودية لبناء أكبر محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، وهي محطة مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر التي ستعمل بأكثر من 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لإنتاج نحو 1.2 مليون طن متري من الأمونيا الخضراء يومياً (600 طن متري من الهيدروجين الخالي من الكربون يومياً)، ويتوقع بدء تشغيلها عام 2025 المقبل. وفي عام 2026، ستكون نسبة 100% من إنتاج الهيدروجين الأخضر متاحة للتصدير العالمي بموجب اتفاقية حصرية طويلة المدى مع شركة إير برودكتس آند كميكالز (Air Products & Chemicals Inc) التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.
وقال وزير الطاقة السعودي، خلال مؤتمر المناخ بالرياض يوم 24 فبراير/شباط 2021، إن المملكة ستستخدم جزءاً كبيراً من حقل الجافورة للغاز البالغة تكلفته 110 مليارات دولار لإنتاج الهيدروجين الأزرق، وذلك من خلال تحويل الغاز الطبيعي والتقاط انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، أعلنت السعودية تسليم أول شحنة تجارية في العالم من الأمونيا النظيفة (الزرقاء) إلى شركة لوت فاين كيميكال (Lotte Fine Chemical) الكورية الجنوبية، والتي أرسلتها شركتا سابك للمغذيات الزراعية وأرامكو السعوديتان، وبلغ حجم الشحنة 25 ألف طن متري.
وفي الإمارات، تهدف شركة مصدر للهيدروجين الأخضر إلى إنتاج 1.5 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنوياً بحلول عام 2030، كما تطمح إلى تعزيز قدرتها على إنتاج الطاقة المتجددة عالمياً لتصل إلى ما لا يقل عن 100 غيغاواط بحلول عام 2030.
ومطلع سبتمبر/أيلول 2022، أعلنت شركة بترول أبوظبي الوطنية– أدنوك (Adnoc) تصدير أول شحنة أمونيا منخفضة الكربون من إنتاج الإمارات إلى ألمانيا، وهي أول شحنة تجريبية من المادة يتم شحنها إلى ألمانيا، لصالح شركة أوربيس (Aurubis) الألمانية، المزود العالمي للمعادن غير الحديدية وواحدة من أكبر شركات إعادة تدوير النحاس على مستوى العالم ومقرها هامبورغ. وتأتي هذه الخطوة في أعقاب بيع أدنوك عدة شحنات مماثلة من الأمونيا منخفضة الكربون لعملائها في آسيا.
واتفقت مصدر وشركة بي بي (BP) البريطانية وأدنوك الإماراتية مع شركة الاتحاد للطيران ومركز أبوظبي لإدارة النفايات- تدوير؛ على استكشاف فرص إنتاج وقود مستدام للطائرات في الإمارات باستخدام الطاقة الشمسية والهيدروجين والغاز المستخلص من النفايات.
واستحوذت مصدر أيضاً على حصة في مشروع منشأة تيسايد لإنتاج الهيدروجين الأخضر الذي تطوره شركة بي بي، وسينتج 60 ميغاواط من مدخلات الهيدروجين الكهربائية عند بدء التشغيل عام 2025، لتصل إلى 500 ميغاواط بحلول عام 2030.
كما وقعت مصدر مذكرة تفاهم مع شركة إنجي الفرنسية لإنشاء تحالف استراتيجي لتطوير محطة هيدروجين أخضر بقدرة 200 ميغاواط في الإمارات.
وأعلنت شركة مياه وكهرباء الإمارات الخميس 2 مارس/آذار الجاري عن توفير أكثر من 80% من إجمالي الطلب على الطاقة عبر مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة، حيث تمكنت الشركة من تحقيق هذا الإنجاز، وللمرة الأولى، في 10 فبراير/شباط الجاري في تمام الساعة 2:26 ظهراً، بقدرة توليد تبلغ نحو 6.2 غيغاواط من إجمالي الطلب على الطاقة البالغ 7.7 غيغاواط، وذلك عبر مشاريع الطاقة الشمسية التابعة للشركة ومشاريع إنتاج الطاقة النووية.