قد يبدو اختيار شركة بيركنستوك (Birkenstock)، التي اشتهرت بتصنيع الصنادل الشبابية، لخريف 2023 توقيتاً سيئاً لطرح أسهمها للاكتتاب العام. فبعد عامين من ارتفاع معدلات التضخم، تراجعت رغبة المستهلكين في الإنفاق على شراء الملابس والأحذية، علاوة على أن العودة إلى المكتب بعد الجائحة أجبرت العديد من الموظفين على العودة إلى ارتداء الملابس الرسمية والتخلي عما اعتادوا ارتداءه من ملابس بسيطة وهم يعملون بعيداً عن المكتب.
ولكن، ربما تعرف بيركنستوك أموراً تغيب عنا. في الحقيقة، إن إقدام شركة صناعة الأحذية على طرح عام أولي بهذا الحجم، وهو ما أعلنت عنه هذا الأسبوع، يسلط الضوء على عامل واحد من شأنه أن يشجعها على تلك الخطوة: النسوية. فهي تستعين "بصعود الحركة النسوية المعاصرة" وتجعل منه "صيحة استهلاكية كبرى".
وخاطبت الشركة، التي يقع مقرها في ألمانيا، المستثمرين المحتملين: "ما يزال تطور دور المرأة المستمر والمتوسع في المجتمع يُحدث تحولات جوهرية في تفضيلاتها عند اقتناء الأحذية والملابس".
واسترسلت الشركة في خطابها: "بينما تظهر صيحات الموضة وتندثر، نؤمن بأن تفضيل المرأة المتزايد للملابس والأحذية العملية كان طويل الأجل بطبيعته وسيبقى كذلك". أي إن المرأة التي تخلصت من الحذاء عالي الكعب المؤلم غير العملي؛ مثلها مثل باربي في الفيلم الذي حصد نجاحاً كبيراً هذا الصيف، لن تعود إليه من جديد.
وتستطرد الشركة: "ولأننا علامة تجارية طالما دافعت عن الأداء العملي للمنتجات، فإننا نعتقد أن هذه الرياح المواتية مستمرة في تعزيز الملاءمة والنمو".
وقد تكون الشركة محقة: فمع أن الملابس غير الرسمية تسللت إلى مكاتب العمل وانتشرت نوعاً ما على مر عقود، إلا أن الجائحة أسهمت في زيادة أكبر بهذا الاتجاه. وأصبحت الأحذية الرياضية والجينز، التي شاعت قبل عقد فحسب داخل مكاتب شركات التكنولوجيا والمجالات المبدعة، مشهداً روتينياً في مكاتب العديد من شركات القطاعات الأخرى. وفي ذات الوقت، يزداد الموظفون الأصغر سناً جرأة على ارتداء القمصان قصيرة الأكمام والسراويل القصيرة وحتى الملابس غرائبية الهيئة.
وقالت محللة قطاع التجزئة المتخصصة في الأحذية في بلومبرغ إنتليجنس، أبيغيل غيلمارتن (Abigail Gilmartin): "منذ عاد الجميع للعمل من المكتب، تخلوا، وخاصة السيدات، عن ارتداء الأحذية غير المريحة". وأضافت: "أصبحنا نرى موظفات يرتدين أحذية رياضية أسفل أزياء فاخرة، وكذلك الصنادل، بل والقباقيب".
القيمة المحتملة: 8.7 مليارات دولار
تقدر بلومبرغ إنتليجنس أن تبلغ قيمة الاكتتاب العام الأولي لشركة بيركنستوك ما بين 7 و8.7 مليارات دولار، أي ثلاثة أضعاف القيمة السوقية لشركة صناعة الأحذية ستيف مادن (Steve Madden) وأعلى بكثير من رسملة شركة كروكس (Crocs) البالغة 5.4 مليارات دولار. وقالت غيلمارتن: "سوق الأحذية البسيطة تنمو، ولا أعتقد أن بيركنستوك بحاجة إلى الحصول على حصة سوقية من أي شركة أخرى، حيث بمقدورها جميعها النمو معاً".
ونوهت غيلمارتن إلى فيلم باربي الذي حاز نجاحاً لافتاً هذا الصيف بوصفه دليلاً على الأهمية الثقافية التي حازتها منتجات بيركنستوك. فمن بين المشاهد التي انطبعت في ذاكرة من شاهد الفيلم، يتعين على بطلة الفيلم الاختيار بين العيش في عالم الخيال أو معايشة العالم الواقعي، وهو ما رمز إليه صناع الفيلم بالاختيار بين حذاء وردي عالي الكعب أو صندل بيركنستوك. (بعد عرض الفيلم، قفز حجم مبيعات منتجات بيركنستوك، حسب تقرير فوتوير نيوز).
سجلت الشركة إيرادات قيمتها 687 مليون دولار خلال النصف الأول من هذا العام، بزيادة قدرها 19% عن الفترة ذاتها من العام السابق. وتفصح بيركنستوك عن أن العام المالي 2022 شهد بيع 30 مليون حذاء.
وخلال ما مضى من أشهر في 2023، كانت الأحذية الرياضية أو تلك التي بلا كعب هي الأنواع الأكثر مبيعاً، وفقاً لمنصة التسوق ليست (Lyst). وتراجعت عمليات البحث عبر الإنترنت عن الأحذية ذات الكعب العالي إلى أقل بكثير من مستوياتها في العام 2019، حسبما ذكرت شبكة سي إن إن في تحقيق تلفزيوني الشهر الماضي، تساءلت خلاله: "هل هي نهاية الحذاء عالي الكعب؟"
ومن المؤكد أن لدى بيركنستوك من العوامل المواتية ما يتجاوز تلك النقلات الثقافية: تُنبه غيلمارتن إلى أن شركة صناعة الأحذية تحقق أرباحاً كبيرة، بهامش وصل إلى 35%، باستثناء بعض النفقات، ومصنع يتميز بتكامل رأسي ييسر لها مراقبة صارمة للجودة. وهذا، علاوة على ولاء صادق تبديه عميلات الشركة المحبات لمنتجاتها: ومما أوردته بيركنستوك في خطاب الاكتتاب إن متوسط ما تقتنيه عميلاتها من منتجاتها يبلغ 3.6 أحذية للعميلة الواحدة.
حتى إن غيلمارتن نفسها واحدة من عميلات الشركة: "ابتعت أول حذاء خلال الجائحة، ومن ثم ابتعت ثلاثة أحذية أخرى".