على عكس التوقعات، استمرت شركة وكيل أعمال لاعبي كرة القدم، الإيطالي مينو رايولا وان (One)، بأعمالها ولم تتأثر بوفاته في 30 أبريل/نيسان الماضي عن عمر 54 عاماً، بفضل مساعدته السابقة ومديرة الشركة الحالية، المحامية البرازيلية رافائيلا بيمنتا، التي جذبت الأنظار إليها في وقت قياسي، واستطاعت لملمة الأوراق المبعثرة، لتقدّم نفسها للعالم رسمياً، بعد 20 عاماً من العمل الخفي في ظل رايولا، ما جعل وسائل إعلام تصفها بـ "أقوى امرأة في عالم كرة القدم".
عُرف عن رايولا بأنه ضمن أكبر وكلاء اللاعبين في التاريخ. وتتولى شركته التي تتخذ من إمارة موناكو مركزاً لها وكالة 76 لاعب كرة قدم في الوقت الحالي، منهم الفرنسي بول بوغبا والإيطالي ماركو فيراتي والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش، بقيمة إجمالية للاعبين تخطت حاجز 800 مليون دولار. ويبدو أن رايولا قد ترك امبراطوريته الثمينة في أيدٍ أمينة، بعد أن قادت بيمنتا صفقة انتقال هالاند إلى مانشستر سيتي بنجاح 13 يونيو/حزيران الماضي، بعد شهر ونصف فقط من وفاته، لتكون أول صفقة تعقدها بيمنتا منفردة خارج سطوة وإشراف رايولا.
لا وقت للحداد
كانت تحركات بيمنتا، التي اتسمت بالسعة والدقة، بعد رحيل رايولا مباشرة محطاً للأنظار، فلم تشغل وقتها بالحداد وبادرت بالعمل. أحد وكلاء اللاعبين –رفض الإفصاح عن هويته- قال لصحيفة ذي أتلتيك (The Athletic) الإنجليزية: "سيقيم الوكلاء الكبار فترة حداد مهنية مؤقتة، قبل أن يبدأ كل منهم عملية اصطياد لاعبي رايولا واحداً تلو الآخر"، لكن ذلك لم يحدث، إذ حافظت بيمنتا على وكالة الجميع، ولم تفقد لاعبًا واحداً، بل حسمت صفقة نقل هالاند وغيره أمثال ريان غرافينبيرش وتشافي سيمونز وألفونس أريولا ونصير مزراوي، ونجحت في إعادة بوغبا إلى يوفنتوس بعد مفاوضات متتالية، وتقترب حالياً من حسم نقل ماتياس دي ليخت إلى بايرن ميونيخ.
رايولا وبيمنتا.. كيف بدأت القصة؟
في حفل خيري نظّمه أسطورة كرة القدم البرازيلية، ريفالدو، عام 1998 في مدينة ساوباولو لإطلاق ناديه الخاص غاراتينغيتا (Guaratingueta) التقى رايولا -الوكيل المشهور آنذاك- بيمنتا لأول مرة، حينها كانت رافائيلا المسؤول القانوني في النادي الوليد، بالإضافة إلى عملها في حكومة الرئيس البرازيلي، فرناندو هنريك كاردوذو كمفتشة في قسم مكافحة الاحتكار، بعد سنوات قليلة من حصولها على بكالوريوس القانون من جامعة ساوباولو وإتقانها مهنة المحاماة.
وبعد ملاقاة رايولا باتت البرازيل والعمل الحكومي من الماضي بالنسبة لها، وانتقلت إلى حياة جديدة في موناكو عام 2002 لتدشين مسيرتها المهنية في عالم وكالة لاعبي كرة القدم، ومن هنا بدأت قصة إحدى أكبر الشراكات الملهمة في تاريخ وكالة اللاعبين على الإطلاق، واستمرت لنحو عقدين من الزمان.
لماذا رافائيلا بيمنتا؟
لدى رايولا ابنان يعملان في الهيكل الإداري لشركة وان "One" هما ماريو وغابرييل، وابن عمه فينشينزو كبير الكشافين، ومع ذلك آلت رئاسة الإدارة إلى بيمنتا –الوحيدة خارج العائلة التي تمتلك أسهماً في الشركة- بإسناد من رايولا نفسه، بصفتها الشخص الثاني في المؤسسة والوريث الكفؤ لكرسي الرئيس، ولو كان هناك ورثة حقيقيون له، وقد وصفها أحد المصادر لذي أتلتيك بأنها ذات دراية واسعة بكل تفاصيل موكليها، وقال : "شعرنا دائماً أن هناك شخصاً ذكياً خلف رايولا، إنها أصعب وكيل يمكن أن تتفاوض معه على الإطلاق".
تتقن بيمنتا 6 لغات، ورافقت رايولا في كل صفقاته الشهيرة، مكتسبة منه الخبرات اللازمة في صنع القرارات الاستراتيجية، لإدارة الأمور وقت غيابه في أثناء العطلات وفترة مرضه وحتى بعد وفاته.
وفي صفقة القرن، عند انتقال بوغبا من يوفنتوس إلى مانشستر يونايتد الإنجليزي عام 2016، حصل رايولا على عمولة خاصة من يونايتد نظير إتمام الصفقة بنجاح قُدّرت بـ 53 مليون دولار وكان لبيمنتا دور كبير في فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، ووصفت لاحقاً بأنها أكبر عمولة رياضية في التاريخ. وفي عام 2019، رشّحها رايولا لتشغل منصب نائب المدير التنفيذي لمؤسسة ذي فوتبول فورم (The Football Forum) الدولية المعنية بشؤون وكلاء اللاعبين.
لم تكن بيمنتا اسماً معروفاً في عالم كرة القدم قبل وفاة رايولا، وبالكاد تُذكر في الصحف، لدرجة أن تاريخ مولدها غير معلوم ومن الصعب العثور على معلومات شخصية عنها عبر محركات البحث، أو صور خاصة أو أي شيء قد تريد معرفته عنها وعائلتها.
كما لم يشر إليها الكاتبان الرياضيان الإيطاليان، أنخيلو بيساني وجيوفاني كيانيلي، في كتابهما، رايولا. لأعداء مينو (Raiola. Per i nemici Mino) الصادر عام 2018 عن سيرة حياة رايولا، فهما لم يأتيا على ذكر بيمنتا على الإطلاق لعدم معرفة الوسط الرياضي بها. إنّما، بعد إدارتها وان، عقب وفاة رايولا وذيوع صيتها، بدأت وسائل الإعلام تشير إليها باسم "الوريثة".
إضافة إلى عملها في رئاسة إدارة امبراطورية مينو رايولا، يعتقد الكثيرون أن بيمنتا تُجهّز نجليه، ماريو وغابرييل (في أوائل العشرينات) لاستلام دفّة القيادة من بعدها لضمان استمرار إرث والدهما على المدى البعيد. وحسب تقرير لذي أتلتيك، تحظى بيمنتا باحترام ماريو وغابرييل وتلعب دور الوصيّة، على الرغم من وجود والدتهما روبرتا برفقتهما في موناكو.
لماذا يندر وجود وكيلات أعمال في عالم كرة القدم للرجال؟
على غير عادة النساء، اقتحمت بيمنتا عالم وكالة لاعبي كرة القدم الذي يستأثر به الرجال، وأصبحت أول امرأة تمتلك هذا الصيت والهالة الإعلامية. فالخبرات المخزّنة على مر العقدين السابقين، ظهرت في الوقت الحالي للعيان وبدأت في تأسيس سمعتها الخاصة.
على الرغم من أن ثلث العاملين في مجال كرة القدم الاحترافية للرجال بإنجلترا هم نساء، إلا أنه من الصعب العثور على اسم وكيلة أعمال للاعب كرة قدم في الدوري الإنجليزي الممتاز أو في الدوريات الأوروبية الكبرى بصفة عامة، إذ اقتصر تمثيل العنصر النسائي على المناصب الثانوية والدرجات الأقل مثل المبيعات وحجز التذاكر، ولم تصل إحداهن إلى مجالس الإدارة والأدوار القيادية، وقد أظهر تقرير من جامعة دورهام البريطانية (Durham University) أن دور المرأة في كرة القدم يتقلص كلما صعدت درجة في هرم اللعبة.
يمكن اختزال سبب ندرة وكيلات الأعمال للاعبي كرة القدم في النظرة المجتمعية للعبة، وبأنها ذكورية بحتة ويجب أن يمثّلها الرجال، بداية من اللاعبين أنفسهم مروراً بالمدربين والهيكل الإداري والفنّي للفِرَق وصولاً إلى وكيل الأعمال، بل إن الأمر تعدّى إلى الرياضة في بلدان أخرى مثل الدوري الوطني لكرة القدم الأميركية "N.F.L" حينما أقنعت كيلي ماسترز أحد لاعبي فريق أوكلاهوما بأن تتولى وكالة أعماله عام 2014، قبل أن يتراجع اللاعب لاحقاً وينسحب بإيعاز من والدته التي قالت، حسب يومية "تايمز"، إنه لا يجب أن تتدخل النساء في عمل الرجال.
وفي ذات السياق، قالت وكيلة الأعمال في الدوري الوطني الأميركي لكرة القدم، يوجين لي، لليومية المذكورة: "بدا لي أن اللاعبين قلقون حيال التعاون مع وكيلة أعمال، لأنهم دائماً محاطون بالرجال في كل مكان، زملاؤهم في الفريق والمدرب ومجلس الإدارة والكشّافون، كل هؤلاء من الرجال". فيما أوضحت وكيلة الأعمال الشهيرة كريستين كوليجا لنفس اليومية: "حضرت مؤتمراً لوكلاء اللاعبين عام 2002 وكنت المرأة الوحيدة هناك، نظرات الجميع لي كانت ممزوجة بشفقة وتعاطف. قال لي أحد وكلاء الأعمال حينها: لا يُسمح للمرأة أن تعمل وكيلة، اذهبي إلى المطبخ".
أن تقتحم بيمنتا عالم وكالة اللاعبين بهذه السرعة والقوة وسط تلك النظرة الذكورية بعض الشيء للعبة، فهو أمر يُحسب لها، ولا سيما أنها أصبحت مسؤولة عن أهم وأشهر لاعبي كرة القدم في أوروبا، وليست مجرد وكيلة اعتيادية.