المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
قصة ريادة

بيت التحميص: وقع في حب القهوة فحوّل الشغف لنموذج عمل ريادي

شغفه دفعه للتوسّع بالقراءة عن القهوة، وعن أساليب تحميصها وطرق تحضيرها، وقال "عند دخولي الجامعة لدراسة القانون التجاري والتجارة الدولية اقتنيت أول محمصة منزلية، وبدأت تجارب التحميص بشكل دوري".

بقلم


money

أسامة العوام، الشريك المؤسس لمنصة بيت التحميص (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

منذ أن كان عمره 16 عاماً، ارتبطت رائحة القهوة التي يحضّرها والده كل صباح وهو يستعد لبداية يومه بنجاحاته التي يحققها، حتى وقع في حب القهوة والسعي لاستكشاف عالمها بشكل أوسع، خاصةً بعد كوب كابتشينو احتساه بدعوة من والدته عندما كانوا في بريطانيا، ومن بعدها، أصبح يستمتع بها بشكل يومي في المقاهي إلى أن بدأ شغفه يشتد بالقهوة.

بدأ السعودي أسامة العوام بإعداد الكابتشينو واللاتيه بنفسه، وأتقن فن الرسم على الحليب في المنزل. يشرح العوام، وهو الشريك المؤسس لمنصة بيت التحميص، بأنّ شغفه دفعه للتوسّع بالقراءة عن القهوة، وعن أساليب تحميصها وطرق تحضيرها المتعددة، وقال "عند دخولي الجامعة لدراسة القانون التجاري والتجارة الدولية اقتنيت أول محمصة منزلية، وبدأت تجارب التحميص بشكل دوري، تطور معها حبي للقهوة وتحميصها منذ ذلك الحين وطورت أدواتي تماشياً مع اكتسابي المزيد من الخبرة، وما زلت أحتفظ بتلك الأدوات حتى اليوم؛ لأنها كانت نقطة التحول من مجرد الاهتمام والإلمام بالمجال إلى حرفة وأسلوب ونمط حياة". 

بعد عودته إلى السعودية، لاحظ صعوبة الحصول على أنواع حبوب القهوة الخضراء الطازجة من المزارع وطرائق معالجتها المختلفة، فقرر دراسة هذه النقاط التي كانت تواجهه مع بعض الأصدقاء والمعارف الذين يشاركونه ذات الشغف والهواية.

سعى العوام وأصدقاؤه لتأسيس مشروع يسدّ تلك الفجوة الخاصة بأنواع البن الرائجة في السعودية، تكون فكرته تجارية قابلة للنمو والتوسع والاستدامة وممتعة في ذات الوقت. حتى أسسوا بيت التحميص كمحلٍّ صغير في العام 2013 في المملكة. 

يشير العوام إلى أنّ طريق التأسيس لم يخلُ من الصعاب، قائلاً "أول مشكلة واجهتني هي كيف أستطيع جلب أصناف القهوة التي أحبها بكميات تجارية كافية وبأسعار عادلة لمشروعي ولعملائي، حيث لم تتوفر وقتها مصادر التوريد المحلية لأصناف القهوة المختصة الخضراء". قرر هو وشركاؤه بناء نموذج عمل يميزهم عن العلامات التجارية العالمية التي كانوا ينافسونها آنذاك، وهي استيراد البن مباشرة من مراكز التصدير التي تعمل مع المزارعين وتوفير خيارات متنوعة يقوم بيت التحميص بتحميصها في الرياض ويقدمها مع أدوات تحضيرها في بيئة تثقيفية. 

يقول العوام إنّه وشركاءه ابتعدوا عن تحضير المشروبات لبيعها جاهزة ما سيرفع من تكاليف تشغيل المشروع وينعكس بالتالي على الأسعار النهائية. وكانت النتيجة "مبهرة" حسب قوله. "قهوة مختصة [أي أجود أنواع القهوة من حيث المذاق وأسلوب الزراعة] في أكياس تحافظ على جودتها لمدة أطول، ومع كل قهوة قصة وحكاية وهوية مستوحاة من كل منطقة تزرع فيها، وأدوات تحضير عالية الجودة وبأسعار تشجيعية".

قدم بيت التحميص فرصاً لعملاء الجملة ليبدؤوا قصص نجاحاتهم الخاصة، عبر برامج تشجيعية لعملاء الجملة من المقاهي والمشاريع التجارية المتنوعة، تشمل فرص المساهمة بدعم عملاء بيت التحميص عبر برامج تدريب للموظفين على الطرق الصحيحة لتحضير القهوة ووصفاتها المتعددة، وبرامج إعادة بيع للمنتجات الرائجة التي يوفرها بيت التحميص بهوامش ربح مجدية، بالإضافة للدعم التسويقي عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو المساهمة في دعم الحملات الإعلانية والتسويقية التي يقوم بها العملاء، واتفاقيات متنوعة مثل اتفاقيات الدفع لاحقاً وفق شروط سلسة من باب دعم المشاريع للنمو.

ومن محل صغير يحمل بين جدرانه حلماً كبيراً يطمح لنشر ثقافة القهوة المختصة في المنطقة انطلق بيت التحميص، ليصل فريقه اليوم إلى ما يقرب من 100 موظف أو شريك نجاح كما يصفهم العوام، بكفاءات سعودية متنوعة، بين مدربين ومقيّمين للجودة ومحضّرين معتمدين من الجمعيات العالمية ومسؤولي حسابات الجملة ومستشاري بيع في الفروع.

قنوات العمل والأسواق

"لدينا 5 فروع داخل مدينة الرياض ويعمل فيها فريق عمل احترافي متخصص بتقديم كافة المعلومات عن محاصيل القهوة ومعداتها لمساعدة المبتدئين وعاشقي القهوة والمحترفين على حد سواء وتخدم أيضاً طلبات التطبيق الخاص بنا وتطبيقات التوصيل" حسب العوام.

ويضيف إنهم طوروا متجراً إلكترونياً لخدمة العملاء داخل وخارج السعودية، وهو يحتوي على مدونة تروي بعض قصص بيت التحميص مع المزارعين وبعض طرائق التحضير وروايات عن تاريخ القهوة وأحدث العروض الترويجية المتاحة. يقوم التطبيق حالياً بخدمة العملاء داخل مدينة الرياض في النطاق القريب من أحد الفروع فقط، "ونعمل على تطوير هذا التطبيق بحيث يصبح يخدم جميع العملاء".

يعمل العوام وشركاؤه حالياً على التوسع لتغطية المنطقة الغربية والمنطقة الشرقية في السعودية قريباً، ويقول "نسعى أن يكون بيت التحميص هو المرجع الأول لعشاق القهوة المختصة من مختلف أنحاء العالم وباللغتين العربية والإنجليزية ليتمكن المتابع من معرفة النكهات والإيحاءات عن طريق الوصف الدقيق لكل طبقة من طبقات النكهة واستشعارها عن بعد". 

ويشرح العوام أنّ أول مشكلة واجهها في تطوير المشروع هي كيفية أتمتة بيع القهوة، ويقول: "تستطيع بكل سهولة شرح وصف عبق القهوة ونكهاتها وإيحاءاتها وطريقة استخدام أدواتها لعميل يقف أمامك، ولكن واجهتنا هذه المشكلة عند إطلاق المتجر الإلكتروني، وكنا نعلم بوجود هذا التحدي؛ ولهذا السبب بنينا رؤيتنا ورسالتنا حول نشر ثقافة القهوة وأدوات تحضيرها في بيئة تحفز التعلم، وبيئة نستطيع منها تكوين قاعدة عملاء وجنود للمعرفة يقومون بمشاركة هذه المعلومات مع أهاليهم وأصدقائهم".

ويضيف: "لكي نتمكن من ذلك تحدثنا مع مجموعة من مجتمع عشاق القهوة منذ بداياتنا للعمل على توحيد المسميات وأوصاف القهوة وأدواتها باللغة العربية المترجمة من الإنجليزية وحفظها في ملف مشترك قابل للنمو والتطوير، كلمات مثل "استخلاص" و"إيحاءات" و"قمع الترشيح" كلها كانت غير شائعة، ولكن مع نمو هذا المجتمع أصبحت معروفة ومتداولة بشكل أكبر. وبالتالي، نستثمر دوماً في محاولة تعزيز الوصول إلى المعلومة عبر المدونة، وعبر الأوصاف التسويقية لكل منتج بحيث يسهل على القراء الربط بينها وبين تجاربهم الشخصية واستشعارها بمجرد القراءة عنها والإبحار في رحلة القهوة من المزرعة وحتى الكوب".

ويصف العوام شركاءه بأنهم مجموعة من الأصدقاء يسميهم شركاء العقول وليس شركاء المال فقط، فكان اختيارهم مبنياً على إضافة القيمة وليس على إضافة المال، لأن مصادر التمويل متنوعة في المملكة ووفيرة، حسب قوله. ويضيف: "علاقاتي مع مستثمرين من داخل وخارج المملكة بحكم عملي السابق وإقامتي في بريطانيا تجعل من فرص حصولي على تمويل إضافي لمشروعي أسهل، ولكن اخترت أن أبدأ المشروع مع أصدقائي وكل فرد منهم قدّم، وما زال يقدم ويسهم، في تطوير استراتيجية وخطة عمل بيت التحميص".

وبالإضافة إلى المقاهي والمطاعم التي تنشط بمجال تقديم القهوة المختصة، يتوجه بيت التحميص أيضاً إلى خدمة الفنادق والموزعين والشركات المتخصصة ببيع لوازم المقاهي وتجهيزاتها، والمتاجر الإلكترونية، وشركات إدارة المناسبات والمؤتمرات، والقطاعات الحكومية والقطاع الخاص من المهتمين بتقديم أفضل تجارب القهوة المختصة لموظفيهم وضيوفهم. 

وعن نموذج العمل، يشرح العوام أنهم يسعون للحفاظ على عدة ركائز مهمة وضعوها قبل انطلاق مشروعهم، منها نشر ثقافة القهوة المختصة وأدوات تحضيرها، فضلاً عن سعيهم للربح. ولتحقيق هذا الهدف فإن بيت التحميص لا يبخل أبداً بالاستثمار في العنصر البشري والمعدات وفي اختيارات القهوة الأفضل لتقديم أفضل تجربة للعملاء، وقال "لهذا قمنا مؤخراً باستحداث قسم مختص بالتطوير والتدريب ليصبح قريباً من عملاء التجزئة وتدريبهم على اختيار المحاصيل المناسبة وتشغيل الأدوات ومعدات التحضير وصيانتها".

فضلاً عن ذلك، يستثمر بيت التحميص بإنشاء وتشغيل المصنع الأول من نوعه في الشرق الأوسط لتحميص وخلط ووزن وتعليب القهوة بشكل مؤتمت وبقدرة إنتاجية تصل إلى 10,000 كيلو غرام يومياً ليصبح نقطة تحول محلياً وإقليمياً في مجال صناعة القهوة "ويزيد من ثبات واستدامة مشروعنا التجاري وقدرته". ويشرح العوام أنّ أول محل لبيت التحميص كان في شارع هشام بن عبدالملك بحي الملك فهد، وهو شارع صغير بمدينة الرياض لم يشتهر بالقهوة أبداً، وكانوا يحمصون ويطحنون ويعلبون طلبات الأفراد والجملة والمتجر الإلكتروني في نفس المكان، ومن هذا المكان اشتهر بيت التحميص وما زال الفرع يستقبل العملاء اليوم. من ثمّ توسعت الشركة بفرع ثانٍ أكبر واستخدمت فيه معدات حديثة بتقنية عالية وبطاقة إنتاجية تفوق الأولى بثلاث مرات تقريباً حسب العوام، ومن ثم "استثمرنا في معمل كبير شمال مدينة الرياض لتغطية حاجة العمل لمدة ثلاث سنوات تقريباً وكجسر عبور إلى أن يكتمل تجهيز المصنع الرئيسي في المدينة الصناعية الثانية بالرياض"، دون الإفصاح عن تكلفة الاستثمار.

وحتى الآن، لم يقم بيت التحميص بأي جولة تمويلية استثمارية أو توسع بالبحث عن مستثمرين جدد، إذ ينصبّ تركيزهم الآن على تحقيق خطتهم الاستراتيجية والتي تشمل التوسع بابتكار منتجات جديدة تواكب الطلب ونمو السوق بالإضافة للتصدير إلى نطاق أوسع، وخطط الهيكلة الإدارية التي يسعون إليها، "ولكننا نبقى منفتحين على أفكار استثمارية تتماشى مع خطتنا الاستراتيجية"، حسب العوام الذي يؤكّد أنّه بمتابعتهم اليومية للتطور والتوسع الذي تشهده السعودية فإنهم على يقين بأن السوق ستكون واعدة وتتطلب المزيد من الجهود لمواكبة هذا التوسع. 

عملاء ذوّاقة

يشرح العوام أنّ عملاءه يركزون على شراء وتجربة محاصيل القهوة من أفضل مزارع البن حول العالم، والتي تشمل مزارع البن الخولاني جنوب السعودية، وأدوات تحضيرها المنزلية والتجارية التي يتميز بيت التحميص باستيرادها من علامات تجارية عالمية شهيرة مثل شركة هاريو اليابانية، وكوماندانتي الألمانية، وفيلو الأميركية. 

ويقول: "إن عملاءنا يحبون اكتشاف وتجريب أنواع جديدة من القهوة المختصة. ويتميز بيت التحميص بتقديم محاصيل قهوة بإيحاءات رنانة ونكهات مختلفة لتلبية رغبة العملاء، كما ونفخر بأننا نعمل عن قرب منذ انطلاقتنا لاستكشاف طرائق معالجة تُميز النكهات وتواكب أحدث طرائق المعالجة كالتخمير اللا هوائي والمعالجة بالنيتروجين وبحمض اللاكتيك لتعزيز قوام ونكهة القهوة، إضافة لمشاركتنا في بعض المزادات العالمية للحصول على انتقاء نادر جداً من محاصيل القهوة المختصة". والإيحاءات هي نكهات موجودة في القهوة تشبه النكهات الحقيقية مثل نكهة الفراولة والتوت والكرز لأصناف القهوة المعالجة بالطريقة المجففة، وتتم عبر قطف كرز القهوة الناضج وتجفيفه تحت أشعة الشمس لعدة أيام، ما يجعل حبوب القهوة بالداخل تكتسب نكهة فاكهة كرز القهوة بشكل عميق، أو البرتقال والليمون والحمضيات بشكل عام. 

أثر مبادرة "عام القهوة السعودية 2022" 

شكّلت مبادرة "عام القهوة السعودية 2022"، التي أطلقتها وزارة الثقافة السعودية، حافزاً لتفعيل حب القهوة بين الجمهور السعودي. ويقول العوام إنّ هذه المبادرة هي تسويق مبتكر لحفظ الموروث من الهوية السعودية، ويعتبر نافذة تعريفية ومساحة للتواصل مع الجمهور والتفاعل معهم. 

يقول العوام "أفخر بأن وزارة الثقافة ممثلة بهيئة فنون الطهو قد اختارتني كأحد المحكمين في أول بطولة تقام احتفالاً بهذا المسمى، وهي بطولة درب الفنجال التي أقيمت تصفياتها في بعض مدن المملكة وتوج البطل بعد منافسة قوية أقيمت في قلعة الدوسرية التراثية بجازان وبالقرب من مرتفعات زراعة البن الخولاني، ولهذا أستطيع القول بأن وزارة الثقافة أتاحت لنا كرواد أعمال سعوديين فرصة المشاركة في أداء واجبنا لتكريس ثقافة القهوة السعودية كقوة ناعمة نفخر بتقديمها في مجالس ضيافتنا".

ويضيف: "نعتز في بيت التحميص بأن نكون داعمين لبعض مزارعي البن الخولاني السعودي منذ عدة أعوام عبر العمل المباشر معهم ومشاركة الأفكار والاقتراحات وأيضاً إيصال بعض أجهزة التحميص الصغيرة لهم وتدريبهم عليها بغرض المساهمة في استمرار تطوير المحاصيل. نشاركهم رأينا في طرائق الاعتناء بأشجار القهوة وتشذيبها ورعايتها، بالإضافة للتغذية الراجعة عن المحاصيل وأفكار تحسينها للارتقاء بذائقة عملائنا وطلبهم".

ويشرح أنّ المبادرة أتاحت لهم الفرصة ليكتشفوا ويشاركوا مع السعوديين مسيرة القهوة السعودية منذ زراعتها المحلية وحتى أساليب تقديمها وما يرافقها من "ضيافة القدوع" بتنوع فصائلها وألوانها ومذاقاتها. 

ومن ناحية الأعمال، انعكست هذه المبادرة إيجابياً على بيت التحميص عبر زيادة الإقبال في الفروع على القهوة السعودية المختصة والمنتقاة واعتمادها كمشروب رسمي بعدة فعاليات ومناسبات. "وبهذه المناسبة قمنا بتصميم منتج خاص بالقهوة السعودية يضم خمس درجات تحميص وبهارات متنوعة تمثل مناطق المملكة المتعددة وتتماشى مع الدليل الإرشادي الذي أطلقته الوزارة". 

ويختم العوام بأنه على الرغم من وجود تحديات اقتصادية تواجه العديد من الدول عالمياً، إلا أن المملكة تعيش الآن عصراً ذهبياً في ظل رؤية 2030 لما فيها من فرص واعدة في شتى القطاعات، وما يتبعها من طلب متنامٍ لتحقيق أهداف هذه الرؤية، مضيفاً: "إن الفرص، والتسهيلات والتمكين والعطاءات، التي تقدمها المملكة تتطلب من كل رائد ورائدة أعمال العمل الجاد لمواكبة هذه الفرص وتحقيق النتائج المرجوة منها، والتركيز على الأهداف بشكل دقيق ووضع خطط واضحة لتحقيق المكاسب المستدامة، والابتكار المستمر والتفكير دوماً بالتطوير لأن المعايير في منطقتنا وإقليمنا الآن، أصبحت تنافس المعايير والذائقة العالمية وتفوقها في شتى المجالات".

 


image
image