سوف تواجه نحو 90% من الشركات الأميركية خطراً فعلياً (مادياً) على أعمالها في غضون العقدين المقبلين. وحذّر الرئيس والمدير التنفيذي لشركة إس آند بي غلوبال (S&P Global)، دوغلاس بيترسون، من ذلك قائلاً: "سنشهد مخاطر مرتبطة بالظروف الجوية على جزء كبير من اقتصادنا"، وألقى بيترسون هذا الخطاب التحذيري شديد اللهجة في مستهلّ حديثه في مؤتمر الرؤساء التنفيذيين (CEO Roundtable) الذي نظّمته فورتشن (Fortune) يوم الخميس الماضي، وقال إن الولايات المتحدة معرّضة بشدة للمخاطر المادية نظراً لأن الكثير من المراكز الاقتصادية هي مناطق ساحلية.
وعلى الرغم من أن البيانات تكشف عن أن الوعود التي شملها اتفاق باريس (Paris Agreement) في عام 2015 بتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة لا تسير كما هو مُخطَّط لها، بدأت الحكومات في اتخاذ إجراءات وإحداث تغييرات على الأطر التي تحدد القوانين والحوافز المالية والضرائب. وبينما تعد هذه التغييرات قاصرة عن إحداث تغيير حقيقي وإعادة اتفاق باريس لمساره الصحيح، فإنها تدفع الشركات إلى إعادة التفكير في استثماراتها ووتيرة هذه الاستثمارات فيما يتعلق بانتقال الطاقة.
وكان الرؤساء التنفيذيون المشاركون في المؤتمر الذي عقدته فورتشن، والذي ركّز على إزالة الكربون، متفائلين بشكل خاص بشأن الظروف المواتية التي يوفّرها قانون خفض التضخم (Inflation Reduction Act)، والذي سيخصص ما يقرب من 400 مليار دولار من التمويل الفيدرالي للطاقة النظيفة.
كما أن خطة الصفقة الخضراء الصناعية (Green Deal Industrial Plan) الأوروبية الهادفة لتعزيز القدرة التنافسية في سياق القطاع الصناعي معدوم الانبعاثات الكربونية تعدّ أيضاً خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أنها سوف تستغرق وقتاً لتُحدِث أثراً واضحاً.
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة سولفاي (Solvay)، إلهام قادري، إن "الشركة لديها استثمارات في الولايات المتحدة"، وشركة سولفاي هي شركة كيميائية بلجيكية فرنسية متعددة الجنسيات أعلنت العام الماضي عن خطة لبناء مصنع بقيمة 850 مليون دولار في جورجيا لتصنيع قطع بطاريات المركبات الكهربائية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه معاناة الشركات من ضغوط التضخم، وعمليات تسريح الموظفين في القطاعات النشطة مثل التكنولوجيا، وأزمة القطاع المصرفي في أعقاب فشل بنك سيليكون فالي (Silicon Valley Bank)، يقول كبار المسؤولين التنفيذيين إن إزالة الكربون ما تزال على جداول أعمالهم.
إذ قال الرئيس التنفيذي لشركة بوسطن كونسلتنغ غروب (Boston Consulting Group)، كريستوف شفايتزر: "لا يتعلق الأمر بالمفارقة بين التكلفة والقدرة التنافسية أو المناخ، إنما يمكننا القول إنه بالاهتمام بالمناخ لتحقيق الهدفين". ويوافقه الرأي الرئيس التنفيذي لشركة غينباكت (Genpact)، تايغر تياغاراجان، إذ قال: "يتجه الناس للحفاظ على الاستثمارات طويلة الأمد وحمايتها، حتى في الظروف الحالية. ويمكنني أن أصف تحوّل الطاقة الراهن بأنه استثمار طويل الأمد يحاول الجميع الحفاظ عليه".
وأوضح رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لعملاق خدمات حقول النفط بيكر هيوز (Baker Hughes)، لورنزو سيمونيلي: "نعتقد أن انتقال الطاقة جارٍ على قدم وساق، وسوق تقودنا جوانب الكلفة (الملاءة) والاستدامة والأمن في سياق الطاقة إلى تسريع ذلك الانتقال، لكنني أعتقد أيضاً أننا يجب أن نكون عمليين وواقعيين في هذا السياق".
ويضيف سيمونيلي إن الغاز الطبيعي المُسال على وجه الخصوص يخضع لدورة نمو طويلة الأمد ويجب علينا دعم هذا المورد لأنه أسهل طريقة لتسريع خفض الانبعاثات الكربونية. لكنه أوضح إنه يجب أيضاً فهم عناصر المحاسبة من حيث صلتها بانبعاثات النطاق 1 والنطاق 2 والنطاق 3، وذلك لأنها تتعلق بالتنظيمات والقوانين.
وأحد الأمثلة على الفكرة السابقة شركة إنترجي (Entergy)، التي توفّر الكهرباء لـ 3 ملايين عميل بوساطة مرافقها في ولايات أركنساس ولويزيانا وميسيسيبي وتكساس، حيث أوجدت الحوافز المرتبطة بقانون خفض التضخم فرص نمو ملحوظة لمبيعات الكهرباء بمستوى لم نشهده منذ السبعينيات.
وقال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة إنترجي، درو مارش: "يتطلّع مستثمرونا وعملاؤنا إلى استثمارات تصل مدتها إلى 30 أو 40 عاماً، ويفكرون في كيفية الحصول على ميزة الأولوية (الريادة)، وإمكانية الاستفادة من البنية التحتية للطاقة النظيفة الموجودة بالفعل على امتداد السواحل". وأضاف إن الشركة قد توقّعت زيادة بنسبة 6% في نمو المبيعات من العملاء الصناعيين قبل صدور قانون خفض التضخم، ومن المرجّح أن يؤدي القانون إلى زيادة تلك النسبة.
ويقول رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة جونسون كونترولز (Johnson Controls) التي تهدف لتشييد مبانٍ أكثر استدامة، جورج أوليفر، إنه يحرص على تثقيف القطاعين العام والخاص حول أهمية تغيير طرق البناء، إذ تمثّل المباني نحو 40% من انبعاثات الكربون العالمية.
وأوضح قائلاً: "كانت المباني أقل أهمية استراتيجية على مر الوقت، ولم تتلقَّ التمويل الكافي لإحداث ذلك التغيير، لكن في الواقع، لا يمكننا تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية دون الأخذ بعين الاعتبار إسهام المباني في ذلك".
وحتى مع التركيز الشديد على إعادة النظر بقرارات الاستثمار الضخمة في أعقاب قانون خفض التضخم، أوضح القادة إنه ما يزال هناك الكثير من الفجوات التي يجب ردمها قبل تخصيص أموال هذا القانون، وقال شفايتزر: "نثق بوفرة المواهب في هذا السياق". وتشمل القيود والفجوات المذكورة قلة عدد العاملين والموظفين الخبراء القادرين على إعداد طلبات تمويل كفيلة بالحصول على المليارات التي تنوي الحكومة إنفاقها على الطاقة النظيفة، كما أن هناك أسئلة مهمة بشأن الأشخاص الذين سيعملون على جوانب التخطيط والتركيب والتشغيل لتكنولوجيا الطاقة النظيفة الجديدة كلها.
وقال المدير الإداري والشريك في شركة بوسطن كونسلتنغ غروب، توم بيكر: "من منظور اقتصادي، أعتقد أن هذه السياسات موضوعة بطريقة جذّابة وتحفّز الإنتاج المحلي، لكن المشكلة ستكون في وتيرة الإنجاز". ويستشهد بقطاع الطاقة الشمسية مثالاً على فكرته، إذ حصل هذا القطاع في الولايات المتحدة على الحوافز اللازمة للتطوّر، لكن الخطوة الأولى لتطويره، وهي تصنيع السيليكون، تتطلب من سنتين إلى أربع سنوات من العمل لإنجازها، وما يقرب من عقد من العمل بعد ذلك حتى تصل إلى فترة الاسترداد، أي استعادة تكلفة الاستثمار ورأس المال المدفوع بالكامل.
وتبحث البنوك ملياً أيضاً في انعكاسات ذلك كلّه على الميزانيات العمومية، إذ قال الرئيس والمدير التنفيذي لبنك رويال الكندي (RBC)، ديف ماكاي: "سيكون هناك اضطراب في الاقتصاد بالتوازي مع وضوح مضمون مجموعة القواعد والقوانين هذه ومقدار السيولة الذي سيتعين علينا الاحتفاظ بها في قاعدة الودائع، خاصة بالنسبة للبنوك الإقليمية. وسيكون بمقدورنا تحمّل المزيد من المخاطر على المدى المتوسط في ميزانياتنا العمومية في ظل نضوج التكنولوجيا وترسّخها في ظل القانون المذكور".
ويدعو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لبنك ستيت ستريت (State Street)، رون أوهانلي، إلى إجراء تغييرات في مجال المحاسبة المرتبطة بإزالة الكربون من المحافظ الاستثمارية، أي إجراء استثمارات صديقة للبيئة مثلاً أو الخروج من الاستثمارات الضارة بالبيئة. وأعطى مثالاً على شركة أميركية قررت إيقاف استثمارها في مجال الفحم والاستعاضة عنه باستثمار في معمل غاز طبيعي مُسال في ألمانيا. وفي حين أنه من الجيد في نهاية المطاف أن تحل البيئة محل الفحم، فإن هذا النوع من الاستثمار يعد في الواقع مخالفاً لمعايير النطاق 1 والنطاق 2 من الانبعاثات، ما يؤدي إلى عوائق تنظيمية.
وأبدى ماكاي ملاحظته بأن ثمة مؤشرات على مخاوف المستثمرين فيما يتعلق بمخاطر انتقال الطاقة، مشيراً إلى التدفقات الخارجة "الضخمة" مؤخراً من صناديق الاستثمارات البيئية والاجتماعية واستثمارات حوكمة الشركات، والتي تخلّفت في الأداء عن صناديق الاستثمارات الأخرى. وعلى الرغم من أن المستثمرين غير هادئين أو مرتاحين في الوقت الراهن، فإنه يلاحظ "الكثير من الزخم والطاقة" منهم، ويدعو إلى مزيد من الصبر على التكنولوجيا التي لم تثبُت قدرتها بعد، والتي يمكن أن تصبح جزءاً مهماً من الاقتصاد بنجاح على الرغم من المخاطر المصاحبة لها.