في كل عام، بمناسبة هذا اليوم نكتب، جميعنا أو معظمنا، مقالات وننسج مواويل وأشعاراً في النساء اللاتي احتللن مناصب عالية في الشركات، وكسرن السقف الزجاجي الوهمي، واتخذن الخيارات الأفضل لأنفسهن. لكن هذا لا يعني بأننا نكرر أنفسنا، بل هو نجاحٌ تراكمي يكبر عاماً بعد عام، وهذا العام تتم كتابة أفضل فصل في كتاب المرأة حتى اللحظة.
دعونا ننسى السقف الزجاجي الوهمي والتفريق بين الجنسين! في هذا العام ترسم النساء لوحاتٍ جميلة وتتخذ مساراتٍ جديدة لا يحدها شيء. في هذا العام، تنهض النساء بحياتهن على جميع الأصعدة المهنية والخاصة، ولم يتوانين عن اتخاذ أي قرار يُحسّن حياتهن للأفضل، بما في ذلك الاستقالة.
لهذا العام نكهة خاصة للاحتفال، حيث أبحرت النساء بهذا القارب بعيداً أكثر من أي وقت مضى، ووصلن إلى مطارح لم يصلها الرجال بعد. بينما تواصل النساء مسيرتهن بخطواتٍ سريعة وواثقة، ما يزال الرجال يحصلون على مناصب أعلى، ودخل أكبر، وفترة جلوس أطول على كراسي السياسة والاقتصاد.
هنيئاً لكل نساء العالم بهذه الإنجازات العظيمة والمستحقة؛ ففي سبتمبر/أيلول الماضي حكمت النساء 13 دولة على مستوى العالم، إضافة إلى 15 رئيسة حكومة، ووصلت نسبة مشاركة النساء في مجالس النواب الوطنية إلى 26%.
ولم تتوقف سلسلة الإنجازات. ففي يناير/كانون الثاني من هذا العام، أعلن ترتيب فورتشن 500 أن 10% من أكبر 500 شركة في الولايات المتحدة تترأسها النساء؛ أي 53 رئيسة تنفيذية. وفي بريطانيا، بلغ تمثيل النساء في مجالس إدارة أكبر 100 شركة 39% متجاوزاً بذلك هدف نادي الثلاثين بالمائة (30% club) الذي تم تأسيسه في بريطانيا عام 2010 بهدف تحقيق 30% لتمثيل النساء في مجالس الإدارة في مؤشر فوتسي 100 لأكبر 100 شركة على مستوى البلاد.
وتعلو الزغاريد في المملكة العربية السعودية لتنصيب أول سفيرة لها في الولايات المتحدة، بينما تهتف نساء الإمارات لأول رائدة فضاء إماراتية، ولبنان يرفع الراية عالياً لأول امرأة لبنانية تقود طائرة عسكرية.
يا نساء العالم تابعن مسيرتكن برؤوس مرفوعة وشامخة؛ فالإنجازات لم تنته بعد، بل سأخبركم عن أكبر إنجاز للمرأة حتى الآن، برأيي الشخصي، وكيف تخطت المرأة الحدود وكسرت الجدران ورفعت الأسقف.
نساء اليوم يستطعن اتخاذ قراراتهن المصيرية بأنفسهن، بما فيها "التخلّي". تذهب النساء اليوم الى أقصى الحدود لتحقيق طموحاتهن، ومع ذلك لا يخفن من التخلي عنها إذا شعرن بأن هذا الطموح لم يعد يخدمهن، أو ببساطة أن هذا الأمر لم يعد يمثلهن أو يناسبهن؛ فاخترن التخلي عنه. مثل: جاسيندا أرديرن التي أصبحت رئيسة وزراء نيوزيلندا وهي في عمر الـ 37 عاماً فقط، ونيكولا ستورجون، لحقتها في غضون أسابيع معدودة، لتقدم استقالتها من منصب الوزير الأول لاسكتلندا الذي حصلت عليه وهي في عمر الـ 44.
قرار التخلي عن منصبٍ مرموقٍ كهذا وعلى مستوى عالمي، يمكنك من خلاله التأثير على حياة الملايين، هو أمر مثير للإعجاب ويدعو للتوقف عنده. بل وأكثر من ذلك، فالخروج على الملأ والاعتراف بضعفك كإنسان وتقديم استقالتك لنفاد طاقتك التي تحتاجها لإنجاز عملك، واعترافك بأن هذا المنصب يؤثر على جودة حياتك، بل وأن تضع كبرياءك جانباً وتقر لنفسك أولاً وللجميع من بعدك بأن هذا المكان لم يعد يناسبك بعد اليوم؛ إنه لقرارٌ مهيب يحتاج رجاحة الحكماء وتواضع الملوك وشجاعة الفرسان وعزيمة جبارة وتركيزاً كبيراً ورحمة بالنفس واسعة، هذه الصفات هي نفسها التي نطلبها من القائد الناجح.
في مسيرتي المهنية والشخصية لم أسمع بعد عن رجل أقدم على خطوة كتلك التي اتخذتها جاسيندا ونيكولا الشجاعتان، فهاتان السيدتان أعطتا درساً فريداً سيبقى محفوراً في الذاكرة.
وهذا القرار يعيدني بالذاكرة للوراء، عندما قال لي مشرفي في العمل عندما كنت صغيرة: "إن الأمر يتطلب من الرجل مزيداً من الجهد للتوقف والإقرار بأن هذا الأمر ليس له، بدلاً من الاستمرار في ضرب رأسه بجدار لا يخدمه ولا يخدم من يسعى لخدمتهم".
كان معلمي على حق. يتطلب الأمر المزيد من الرجل للقيام بذلك. يتطلب الأمر امرأة.
يوم عالمي سعيد للمرأة.