"كان والدي دائماً مَثلي الأعلى والمعلم. أرشدني خلال رحلتي المهنية وتطوري الشخصي" هكذا عبر المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ماغنيت (Magnitt) فيليب بحوشي عن امتنانه لوالده عند سؤاله عن أكثر شخصية مؤثرة بحياته في أثناء حديثه مع فورتشن العربية.
والداه عراقيا الأصل، توجها إلى لندن وأنجبا هناك ابنهما فيليب، حيث أمضى 23 عاماً من حياته، ثم جذبته المنطقة العربية وعاد إليها منطلقاً بفصل جديد من حياته المهنية.
التعليم والرغبة في التفوق
تلقى بحوشي تعليمه في مدارس ساكس هاوس، ثم سانت بول بلندن، ثم التحق بكلية لندن للاقتصاد، ووصف تلك الفترة الممتدة بين أواخر الثمانينيات وطوال عقد التسعينيات بـ "الرائعة"، إذ اعتبر أنه حظي بتجربة عالمية بالدراسة، ما كان عاملاً أساسياً في تشكيل تفكيره للسنوات التالية.
كانت جميع محطاته الدراسية عالية المستوى وتنافسية على حد تعبيره، ما وفر له الثقة والرغبة في الاستمرار بالتفوق. فكانت سانت بول تشتهر بأنها أكبر المدارس الدولية في المملكة المتحدة، وكان من الضروري أن يلتحق بها لتعلم المهارات المختلفة للتفاعل مع أشخاص من خلفيات عرقية مختلفة في سن مبكرة جداً.
تعد كلية لندن للاقتصاد أيضاً مؤسسة دولية ذات سمعة ساعدت بحوشي في بناء تجاربه وخبراته، وفي نفس الوقت كان بحوشي مهتماً أكثر بفهم آليات عمل الشركات وعالم الاستشارات الإدارية.
يلخص بحوشي تلك المرحلة في حديثه مع فورتشن العربية قائلاً "بفضل والديّ، تمكنت من الحصول على تعليم وفّر لي فرصاً وساعدني على الانطلاق في الحياة. إذ أعطتني الجامعة في كلية لندن للاقتصاد نظرة عالمية أتاحت لي الفرصة للانضمام إلى شركة أوليفر وايمان (Oliver Wyman) العاملة في الخدمات المالية والاستشارات الإدارية المتخصصة. بفضل رحلتي مع أوليفر وايمان، فتحت أبواب الشرق الأوسط بالقيام بمهمة عمل في الكويت، والتي أتبعتها لاحقاً بالانتقال إلى دبي. ومنذ ذلك الحين، جعلت دبي موطناً لي".
نظراً لكونه من أصول عراقية كان لدى بحوشي دائماً تقارب مع المنطقة، فقد كان هذا مكملاً لتعليمه في الغرب، إذ كان مزيجاً مثالياً لنقل ما تعلمه من المملكة المتحدة إلى المنطقة. في نفس الوقت كان مفتوناً بحب السفر والثقافة والتعلم من الآخرين، وفقاً لحديثه.
التوجه إلى الشرق الأوسط
في يناير 2008، طلبت شركة أوليفر وايمان من بحوشي القيام بمهمة عمل في الكويت، فتوجه إلى هناك وقضى عاماً كاملاً في رحلته الأولى إلى الشرق الأوسط. يصف بحوشي نفسه بأنه طموح ومتعطش دائماً للنجاح، وهو ما جعله يستمر بالانغماس أكثر في رحلته لمواصلة اكتشاف هذا الجزء من العالم (الشرق)، فانتقل إلى دبي في يناير 2009 مع شركة أوليفر وايمان في مجال الخدمات المالية. أخذه ذلك إلى مهام عمل أخرى في قطر وأبوظبي والبحرين والمملكة العربية السعودية.
انتقل بحوشي إلى الفصل التالي في مساره المهني، عندما عمل في بنك باركليز (Barclays) بدبي، والذي كان يبحث عن شخص يقدم المشورة لرئيس البنك فيما يخص الأمور الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
أمضى بحوشي ثلاث سنوات في أداء أدوار استراتيجية كرئيس للموظفين بالبنك، ما أضاف له "خبرة كبيرة لا تقدر بثمن في حياته الريادية" على حد تعبيره، إذ انتقل من تقديم المشورات حول الاستراتيجية، إلى تقديم الدعم داخل البنك، مع التركيز على التنفيذ وليس تقديم استشارات فقط، وأصبح يتحمل المسؤولية الكاملة عن التنفيذ.
الرغبة في القيام بشيء
بعد ثلاث سنوات من ممارسة مهاراته الجديدة كان الوقت قد حان بالنسبة له لمحاولة العمل على ما كان يفكر بالقيام به، وبدأ متابعة الدراسة لنيل ماجستير إدارة الأعمال، والتي حصل عليها في إنسياد (INSEAD) عام 2013، وهو معهد فرنسي للدراسات العليا في إدارة الأعمال. قضى بحوشي ستة أشهر في فونتينبلو في فرنسا وستة أشهر في سنغافورة حيث تقع مقرات إنسياد، ليحظى بتجربة تعليمية مميزة كما وصفها.
إلى يومنا هذا، يتذكر بحوشي مقولة مقتبسة من يومه الأول في إنسياد، طرحها عميدها من بحث أُجري في الجامعة، فقال "السمة الأكثر شيوعاً بين المسؤولين التنفيذيين الناجحين في الشركات التي تُدرج على قائمة فورتشن 500 هي أنهم عاشوا و/أو عملوا في ثلاث دول لفترة تزيد على ستة أشهر من حياتهم. إن المهارات التي تعلموها من أجل التكيف كانت ضرورية لنمو شخصياتهم".
بعد حصوله على ماجستير إدارة الأعمال أراد بحوشي شق طريق خاص به. يقول لفورتشن العربية "كنت مهتماً دائماً بتأسيس شركة عندما كبرت. في أثناء دراستي للاقتصاد في الجامعة كنت دائماً مفتوناً بصناعة الخدمات المالية. ليس كثيراً من الناحية الفنية، وإنما بعمليات الشركات في هذا المجال والبيانات. كان هذا هو الدافع للانضمام إلى أوليفر وايمان".
أجرى بحوشي محادثة مع صديقه إدو سيرفوني الذي كان يدرس معه الماجستير، وصارحه برغبته في تأسيس شركة ناشئة، فقال له صديقه جملة مازال يتذكرها حتى اليوم: "فيليب، أنت في التاسعة والعشرين من العمر. كما أنك في وضع جيد حيث إنك غير مرتبط بوظيفة معينة، وليس هناك فعلياً ما يعوقك. أنت في وضع مثالي للمجازفة، فإن لم تفعل ذلك الآن، فلن تفعل ذلك أبداً".
بداية ماغنيت
كلام صديقه أخذ يتردد مراراً في ذهنه، ولم يستطع التخلص من التفكير في هذا الأمر. استيقظ في اليوم التالي وجلس إلى مكتبه، وبدأ يكتب النسخة الأولية من خطة عمل ماغنيت، الأمر الذي استغرق يومين فقط.
استخدم بحوشي كل ما تعلمه في إدارة الأعمال، ومعرفته وخبرته في مجال الاستشارات، وكتب الخطوط العريضة في 15 صفحة تضم الرؤية والخطة.
كانت الفكرة الأولى لماغنيت مبنية على مفهوم "كيف يمكنك ربط رواد الأعمال الحاصلين على ماجستير في إدارة الأعمال مع شبكة الخريجين من الجامعة، والذين يمكن أن يدعموهم في أعمالهم.
بدأ بحوشي ماغنيت على نمط وغرار تطبيق تندر (Tinder) المتخصص في التعارف والمواعدة، ولكن في عالم الشركات الناشئة الخاصة برواد الأعمال. وركز على الحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال لأن أحد الأشياء المهمة التي تعلمها في إنسياد هي التركيز على تخصص معين وبدء البناء من هنا.
تحديات
كان أحد أكبر التحديات التي واجهها بحوشي هو محاولة بناء مجتمع خاص بشركته، وعلى الرغم من كونه موجهاً لشريحة محددة، إلا أنه يقدم منتجاً عالمياً له جمهور عالمي راقٍ لكل تخصصات ريادة الأعمال في الجامعات التي تواصل معها، سواء كانت هارفارد، أو كولومبيا، أو ستانفورد. هؤلاء كلهم كانوا يريدون المنتج كقاعدة بيانات وليس المجتمع الذي يريده بحوشي، حيث أراده أن يكون للتواصل بين الشركات والحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال داخل هذا المجتمع.
ولأنه لم يكن شخصاً تقنياً لم يكن مرتاحاً تماماً لما يحدث. وهكذا بات في معضلة حقيقية، وكان عليه أن يسأل نفسه "كيف يمكنني دفع هذا المنتج للنمو، إذا لم يحظ بالاهتمام اللازم لتقدُّمه؟ يمكنني البدء بإنسياد لكن ماذا بعد؟".
في تلك المرحلة، عرض بحوشي منصة ماغنيت الأولى للحاصلين على ماجستير إدارة الأعمال في مؤتمر ستيب للشركات الناشئة الذي أقيم في مارس/آذار 2015 بدبي، وبدأ المهتمون يسألون "لماذا هذه المنصة خاصة فقط بطلاب الماجستير في إدارة الأعمال" وكان يجيبهم قائلاً "أردت أن أجد تخصصاً وشريحة سوقية صغيرة، وأعتقد أنني بحاجة إلى أن أبدأ بتخصص وأبني عليه منتجي".
لكن الإجابة لم تقنع المهتمين، وعندما فكر كثيراً في النموذج والنهج الذي يتبعه، قام بعد شهرين فقط من عرض المنصة في مؤتمر ستيب، بإزالة هذا القيد الذي يقيّد المنصة بشريحة محددة، لتصبح ماغنيت منصة اتصال أكثر شمولاً من ناحية الشريحة وتركز على دبي والشرق الأوسط، لكنها ليست منصة عالمية.
قرر بحوشي بناء أكبر منصة مجتمعية تربط رواد الأعمال بأصحاب المصلحة في البيئة الريادية. في البداية كان من الصعب إقناع الأطراف المستهدفة بمشاركة معلوماتهم، حيث تساءلوا: أين القيمة في ذلك؟
أدرك أهمية توجيه دعوات تحث رواد الأعمال على طرح أفكار شركاتهم على أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية، أو التواصل مع المستثمرين الممولين. ثم أصبح أحد المحاور التي تركز عليها رسالة ماغنيت وجزءاً كبيراً منها، هو تمكين رواد الأعمال الصغار والشركات الناشئة من العثورعلى أصحاب المصلحة المناسبين والتواصل معهم، سواء كانوا مستثمرين أو مرشدين أو مستشارين أومقدمي خدمات محترفين وغيرهم.
من الإحباط إلى الانطلاق
لم يكن طريق ماغنيت مفروشاً بالورود، فقد مر بحوشي بفترة فكر فيها بالاستسلام والتخلي عن مشروعه، وذلك في صيف 2016، إذ قوبل بكثير من الرفض وردود أخرى ممن عرض عليهم الاشتراك بالمنصة كـ "ربما أشترك" أو "عد إلينا مرة أخرى". كان يشعر بالهزيمة، لأنه كان يحاول خلق قيمة لرواد الأعمال ومساعدتهم في التواصل مع المستثمرين. ومع ذلك لم يرغب أحد في الانضمام إليه. فانهارت معنوياته، واضطر للتوقف لمدة شهر.
هنا برز دور آخر للأب المعلّم، إذ قال له "حسناً إذا كانت المشكلة في المال ولا يرغب رواد الأعمال في الدفع ولا يرغب أصحاب رأس المال الاستثماري في الدفع، فبالتأكيد هناك شخص ما يرغب في الدفع. من هو هذا الشخص؟".
فجأة، لمعت الفكرة في ذهن بحوشي، بعدما وجد أن مشكلة الطرفين المستهدفين من المنصة ليست القدرة على الاتصال، بل في الوصول إلى البيانات والمعلومات، إذ رأى أن المؤسسات والمستثمرين يريدون البيانات، وليس الاتصالات، لذا قرر تغيير الفكرة بأكملها، وبدأ بالتركيز على جمع وتعبئة البيانات الخاصة برواد الأعمال والشركات الناشئة والجهات الاستثمارية.
عملت ماغنيت على جمع البيانات وبناء العلاقات داخل النظام البيئي للأسواق الناشئة، لتصبح منصة بيانات تركز على رأس المال الاستثماري عبر الأسواق الناشئة، وتغطي الشرق الأوسط وإفريقيا وباكستان وتركيا.
انطلقت الفكرة الجديدة بتقرير "التمويل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2016"؛ وكان ذلك نقطة تحول كبيرة لماغنيت. العديد من المستثمرين من جميع أنحاء المنطقة الذين لم يكن معظمهم مقتنعين بفكرة ماغنيت، تغيرت نظرتهم تماماً بعد إصدار المخطط المعلوماتي البياني، فقد اتصلوا وأرسلوا لبحوشي رسائل إلكترونية فحواها "شكراً لك. لديك بيانات حول التمويل تفوق ما لدينا. ويمكننا الآن استخدام البيانات لإقناع شركائنا بطريقة لم نكن قادرين على القيام بها من قبل". أدرك بحوشي حينها أنه أضاف قيمة حقيقية، لتنطلق ماغنيت في طريق النجاح.
ساعد بحوشي في جمع البيانات بعض المتدربين، إذ أدرك في نهاية 2015 أنه لا يمكنه بناء شركة ناشئة بمفرده، مع عدم قدرته على توظيف أحد. كان عليه أن يجد حلولاً مبتكرة للمساعدة، وأثبت المتدربون أنهم مورد رائع له.
رصد التقرير حصول الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على استثمارات بقيمة 870 مليون دولار أميركي في 2016، وكانت أكبر الجولات في 2016 من نصيب كريم (Careem) التي حصلت على 350 مليون دولار، ثم سوق وحصلت على 270 مليون دولار، كما حصلت الشركات الإماراتية على 50% من قيمة الاستثمارات، ثم لبنان بنسبة 13%، وبعدها الأردن بنسبة 10%، ثم مصر بنسبة 8% وبعدها السعودية بنسبة 4%.
يتطلع بحوشي لأن تصبح ماغنيت أكبر منصة على الإنترنت لربط الشركات الناشئة في المنطقة بأصحاب المصلحة المختلفين، سواء كانوا مستثمرين أو شركات أو مقدمي خدمة.
حصاداً لخطوات ماغنيت الناجحة، أعلنت المنصة في 2018 عن حصولها على استثمار بقيمة تصل إلى ما يقارب مليون دولار أميركي من مستثمرين دوليين وآخرين من منطقة الخليج، للإسهام في الإسراع من عملية تطوير المنصة ونموها، على الصعيد الإقليمي وكذلك في الأسواق الناشئة.
ثقافة إيجابية للموظفين
لدى بحوشي طريقة خاصة لإدارة ماغنيت. يقول: "أحب أن أقوم بتمكين الفريق، وأن يكون لديّ ثقافة إيجابية للموظفين. تكون الشركة الناشئة جيدة بقدر الروابط التي يستطيع الفريق تطويرها بشكل جماعي. في ماغنيت تتمحور قيمنا الأساسية حول الطموحات، والعمل كفريق واحد، والقيادة لتصبح هذه القيم هي المرجع، مع الاستماع دائماً إلى عملائنا والتركيز على العميل. تعد دقة البيانات والشمولية واتخاذ القرارات المدفوعة بالبصيرة أمراً أساسياً لتحديد أهدافنا وأسلوب إدارتنا".
نصائح من واقع التجربة
يوجّه بحوشي نصائحه إلى مؤسسي الشركات الناشئة من خلال فورتشن العربية قائلاً "من واقع تجربتي، أقول لأي رائد أعمال كن طموحاً، واحرص دائماً على أن يكون لديك أهداف ترغب في تحقيقها، ولكن كن متواضعاً في الاستماع إلى الآخرين وإلى نصائحهم وتعليقاتهم، وخاصة العملاء. قد تكون لديك وجهة نظر مختلفة، لكن لا تكن دفاعياً. استمع لما يقوله الناس. إذا كان لدى عدد كاف من الأشخاص نفس الآراء أو التعليقات، فربما يجب أن تكون ذكياً في التكيف وألا تكون عنيداً".