"علّم أطفالك باكراً ما تعلمته متأخراً"، من هذا الشعار انطلقت فيريتي (Verity)، وهي شركة ناشئة للتكنولوجيا المالية مقرها الإمارات، في سبتمبر/أيلول 2022. تختص المنصة بمحو الأمية الماليّة لدى الأطفال واليافعين، مركزة على تعليم هذه الفئة كيفية الكسب والادخار والعطاء والإنفاق بشكل مسؤول.
أسس الشركة 3 مختصين في مجالات متنوعّة: فالمؤسس المشارك الأول، كمال السامرائي، جاء من مجال المصارف مع خبرة تزيد على 20 عاماً في الخدمات المصرفية والتوظيف في المملكة المتحدة والإمارات. وفي الواقع، يأخذ السامرائي على عاتقه مواجهة تحدي الثقافة المالية بطابع شخصي، بصفته أباً، إذ يأمل في مساعدة الأهالي على تعليم أولادهم المهارات المالية التي تعلموها هم في وقت لاحق من حياتهم.
يقول السامرائي لفورتشن: "لم يعلمني أهلي الثقافة المالية، وفي عمر 22 عاماً كان علي دائماً العودة إليهم لتسديد مدفوعات بطاقاتي المصرفية". ويضيف: "كان لدي هاجس دائم أنهم [أي الأهل] لو قاموا بالأمور بشكل مختلف، لكان وضعي وثقافتي المالية ومعرفتي حينها مختلفة تماماً. أريد أن أحمي ابنتي من القيام بالأخطاء نفسها". هكذا نشأت فكرة فيريتي واستغرق تنفيذها 18 شهراً.
بدأت رحلة السامرائي الريادية عام 2023 عندما أسس دوام، شركة توظيف مقرها دبي، وأطلق منصة تو دجريس، سوق رقمية تعطي الشركات فرصة الوصول إلى شبكة من شركات التوظيف المستقلة، المنتشرة في مختلف أنحاء العالم.
بينما تحمل المؤسِّسة المشاركة، دينا شومان، خلفية مصرفية مع خبرة تزيد على 20 عاماً في هذا المجال، وفي تعليم أساسيات المعرفة المالية. وتعتبر فيريتي ثالث استثماراتها في مجال تعليم أساسيات المعرفة المالية، إذ أسست شركة إنهيركويست في نيويورك، والتي توفر ألعاباً ونشاطات تستند إلى منهج علمي لتساعد الفتيات على بدء رحلتهن في التعامل مع الأموال، وشركة نهجي الاجتماعية الأردنية التي تعلم المبادئ المالية الأساسية من خلال مجموعة من المواد التفاعلية.
قبل بدء رحلتها الريادية، شغلت شومان منصب نائب الرئيس ورئيس قسم الترويج للعلامة التجارية لدى البنك العربي. كما شغلت عضوية مجلس الإدارة في البنك والبنك العربي السويسري والبنك العربي في أستراليا، فضلاً عن عدة منظمات غير ربحية في الأردن.
أما المؤسس المشارك الثالث، عمر الشريف، فيمتلك خبرة تزيد على 15 في مجال الشركات الناشئة وريادة الأعمال بالمنطقة مع ميل خاص للتحول الرقمي. وبدأ مسيرته المهنية بالمشاركة في تأسيس مركز الملكة رانيا للريادة في عمان عام 2004، والذي شهد إطلاق أول مسابقة للشركات الناشئة على مستوى المنطقة.
عمل الشريف لاحقاً مع العديد من الشركات الاستثمارية والتقنية، حيث كان أحد أعضاء فريق تأسيس أويسس 500، منصة تسريع الأعمال والابتكار، ومدير صندوق معنيّ بالاستثمار في الشركات خلال مراحل التأسيس. وانتقل إلى الإمارات عام 2016، وانضم لفريق عمل شركة اتصالات في منصب مدير تسويق الأعمال والابتكار، حيث أطلق البرنامج الرقمي للشركة.
انضم عام 2018 إلى ومضة، المنصة الناشطة في مجال بناء البيئات الريادية والاستثمار الجريء في المنطقة، حيث ترأس قسم تطوير الأعمال وساهم في إنجاز تقارير الأبحاث وتيسير الشراكات.
كيف يعمل التطبيق
تتوجه فيريتي للأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاماً. وتلفت شومان إلى أنّ الأطفال بإمكانهم بدء تعلم المفاهيم المالية منذ عمر 3 أو 4 سنوات، فيمكنهم مثلاً فهم أنك تحتاج إلى المال لقاء بعض الأمور، مشيرة إلى أنه حتى سنّ 7 أو 8 سنوات من المحبذ الاستمرار في استخدام النقود الفعلية معهم لكي يفهموا قيمة الأموال، ولذلك تتوجه فيريتي إلى الذين تبدأ أعمارهم من 8 سنوات فهم أكثر استعداداً لفهم استخدام البطاقات الرقمية والتطبيقات.
تقول شومان لفورتشن: "تتجه المجتمعات لأن تستغني أكثر فأكثر عن النقود، ويقال إنه خلال عام 2023، 69% من مجتمعات المنطقة ستعتمد الدفع الرقمي وتستغني عن النقود، وبالتالي، علينا إدخال الأطفال باكراً في هذه الحلقة ليتعلموا هذه الأدوات ويفهموا كيف يديرون أموالهم، والنفقات، ووضع ميزانية، إلخ".
تشرح شومان أنه بهدف جعل الأطفال يتفادون المشاكل المالية التي قد تواجههم عندما يكبرون، خلقت لهم فيريتي بيئة اختبار تمكنهم من ارتكاب الأخطاء في بيئة مراقبة لاكتساب الدروس والعبر. "والمنزل والعائلة بيئة حاضنة للأطفال تتيح لهم فهم وكسب الثقافة المالية حتى لو كانوا يتعلمونها في المناهج الدراسية".
تبدأ الرحلة بمجرد تحميل الأهل تطبيق فيريتي مجاناً، وإنشاء حساب خاص يتم المصادقة والموافقة عليه من قبل مصرف التطبيق الشريك (بنك المشرق)، وبعدها بإمكان الأهل إضافة حسابات الأطفال، وربط هذه الحسابات بحساب أحد الأبوين المصرفي (لأنه لا يحق للقاصرين استخدام حساب مصرفي عادي) وإنشاء بطاقات مصرفية لكل منهم (حتى 10 أطفال).
يشرح الشريف أنه يمكن للأهل تحويل الأموال إلى كل من هذه الحسابات. ويمكن للأطفال تحويل هذه الأموال إلى ادخارات، أو استخدامها للدفع من البطاقات التي بحوزتهم، وبإمكانهم كسب المزيد من الأموال عبر القيام بمهام يحددها الأهل، فمثلاً "قم بترتيب سريرك وسأعطيك 3 دراهم إضافية"، كما يمكن للأهل تتبع نفقات الأطفال.
دخلت فيريتي في شراكة مع فيزا ومنصة الخدمات المصرفية نيم كارد (NymCard)، لتسهيل تجربة الخدمات المصرفية الرقمية، وإصدار بطاقات خصم مخصصة مدمجة بالكامل في التطبيق، والسماح للأطفال بإجراء عمليات شراء عبر الإنترنت وفي المتاجر ضمن الأطر التي حددها آباؤهم. يتمتع الآباء بعد ذلك برؤية كاملة لكل معاملة يقوم بها أطفالهم ويتلقون تقارير في الوقت الفعلي عن الإنفاق العائلي والفرد، ما يمنحهم القدرة على توجيه رحلة أطفالهم المالية بطريقة أكثر استنارة.
القيمة المضافة في عالم مزدحم
في عالم بدأت تتزاحم في شركات التكنولوجيا المالية، يعتبر الشريف أن "فيريتي أول تطبيق مالي يقدم منتجاً شاملاً في الإمارات مع بطاقات تعمل في الواقع ويمكن استخدامها، على عكس نماذج أخرى".
ويضيف: "نغطي أشكال الثقافة المالية كافة انطلاقاً من الادخار الذي نعتبره مهما جداً، كما نركز أيضاً على الأهل، من حيث المحتوى والتسويق، إذ نريد دمج الأهل في هذه الحلقة [أي أن يشاركوا في عملية تثقيف أبنائهم وحتى مراقبة المدفوعات]، أما التطبيقات المنافسة فتركز على الصغار بشكل رئيسي. وما يميزنا أيضاً هو محتوانا الذي تركز عليه دينا، فنحن نريد أن يتعلم مستخدمو التطبيق الثقافة المالية وينمّوها".
اسم التطبيق، فيريتي، مشتق من فيريتاس في اللاتينية، أي الحقيقة، ما يعكس الفكرة التي بنيت على أساسها الشركة حسب الشريف الذي أضاف إن "اسمنا يعكس شفافية تطبيقنا والخدمات التي نوفرها على عكس ما يحصل عادة في عالم المصارف لجهة المصاريف الخفية التي يدفعها المستخدمون، فكل مصاريفنا محددة على موقعنا بوضوح ليفهم المستخدمون علامَ ينفقون".
ينمو مستخدمو التطبيق بمعدل 150% في الأسبوع منذ انطلاقته، ويبلغ عددهم آلاف العائلات (دون الإفصاح عن الرقم الفعلي للمستخدمين). يقول الشريف "نحن نتوقع مليون مستخدم في المنطقة خلال 3 أعوام".
نموذج العمل
بنت فيريتي بالأساس نموذج عملها على الاشتراكات، لكنها لم تنطلق بعد باعتماده وما تزال تطبيقاً مجانياً. فقد أكد المؤسسون بمقابلتهم مع فورتشن العربية، أنه على الرغم من أن مكون نموذج الاشتراكات رائج جداً حول العالم، إلا أنه لم يتم التحقق منه واعتماده بعد في المنطقة.
يقول السامرائي: "نحن نريد فهم كيف يستخدمون المنصة لمعرفة ما هو أفضل نموذج عائدات نعتمد عليه. قد يكون الاشتراك بخدمة معينة داخل التطبيق مثلاً".
ويشرح أنّ أحد شروط المستثمرين المغامرين كان ألا يجعلوا نموذج أعمالهم قائماً على العائدات حصراً في الفترة الأولى، إنما على كيفية رفع عدد المستخدمين، بسبب قناعتهم بأن وضع تكاليف عالية للاشتراك في العام الأول سيعيق النمو وبالتالي لن يكون نموذج العمل ناجحاً. وهذا ما جعلهم يتريثون قليلاً قبل طرح الاشتراكات.
الشريف يضيف بأنّ هناك مجالات واسعة للنمو سيحاولون اكتشافها، كإدخال العملات المشفرة مثلاً، وهناك خطط للعامين القادمين في هذا المجال، إلا أنهم سيتصرفون وفق نمو وتطور حاجات مستخدمي التطبيق. "يهمنا الحصول على البيانات لنعرف كيف يستخدم التطبيق لنعرف ماذا نضيف ومتى"، وفقاً له.
وعن الربح والعوائد يقول السامرائي إنهم يتوقعون أن يصبحوا شركة رابحة خلال 5 أعوام، إنما ما يهمهم في الوقت الحالي هو الحفاظ على ضخ العوائد من خلال رفع أعداد مستخدمي التطبيق (فهم يحصلون على نسب ربح معينة من نيم كارد والمصرف الذي يتعاملون معه، لم يفصح عنها)، ما يدل على استمراريتهم ونموهم.
الجولات التمويلية والتحديات
"قمنا بأول جولة ما قبل البذرية في أيلول 2021 بقيمة 800 ألف دولار بمشاركة ومضة كابيتال (Wamda Capital) وفنتشر سوق (Venture Souq) وبيوند كابيتال (Beyond Capital) إضافة إلى 7 مستثمرين ملائكة"، وفقاً للسامرائي.
وانطلقت فيريتي بعد جولة استثمارية تكميلية (Bridge round) بدعم من بلاس في سي (Plus VC)، أحد المستثمرين المغامرين في المنطقة، إضافة إلى مستثمرين آخرين. ورفع هذا التمويل إجمالي المبلغ الذي تم جمعه بما يشمل الجولة التمهيدية إلى 1.2 مليون دولار أميركي. سيتم استخدام رأس المال الإضافي لتطوير ميزات تطبيقات جديدة وتسهيل أنشطة اكتساب العملاء، مع دعم توسع الشركة في أسواق جديدة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويضيف السامرائي: "نحن في صدد إطلاق جولة استثمارية جديدة، لكننا لم نقرر قيمتها بعد".
أما عن التحديات، فتقول شومان إنّ أبرزها كان إيجاد مصرف راعٍ لتوفير البطاقات، فضلاً عن التشريعات "لأننا نود التوسع في عدة بلدان ولكل منها نظام تشريعات خاص". وتضيف: "قاعدة بيانات المستخدمين (KYC requirements)، والتي تتغير بدورها، شكلت أيضاً تحدياً لأننا أردنا الالتزام بها على أكمل وجه، ما استدعى تغييرات واطلاع دائم".
وتضيف "ما ننصح به رواد الأعمال كمؤسسين ناضجين، هو التأني في تقييم الشركة وعدم اختلاق تقييمات غير متناسبة مع قيمة الشركة الفعلية". وينصحهم الشريف بأن يطلقوا المنتج باكراً و"ألا ينتظروا أن يكون كاملاً لأنهم سيتعلمون من التكرار والتجارب ويصقلون منتجهم انطلاقاً منها".