المحتوى محمي
المحتوى محمي
وجه

عنان الجلالي من مشرد في أوروبا إلى مالك سلسلة فنادق هلنان

"أعتبر نفسي رجلاً بسيطاً وهذه البساطة جعلتني أصل إلى ما وصلت إليه، فلم أخطط لحياتي بطموحات عالية، لأن طموحي الوحيد كان الوصول إلى وجبة طعام وسرير أنام عليه عندما بدأ مشواري مع الهجرة".

بقلم


money

عنان الجلالي، ملياردير مصري ومؤسس سلسلة فنادق هلنان (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

التجربة هي أقوى قيمة يمتلكها أي إنسان باستغلال الوقت وتنمية المهارات، حتى إنها تعتبر أقوى من المال الذي يمكن أن يضيع في الأزمات، بينما تأثير التجربة يدوم مدى الحياة، هذا ما توصل إليه الملياردير المصري ومؤسس سلسلة فنادق هلنان عنان الجلالي، خلال تجربته في الحياة، وفقاً لحديثه مع فورتشن العربية.

شهدت تجربة الجلالي تحولات لا تحدث سوى في قصة خيالية، مثلما ذكرت عنه الصحف الدنماركية، إذ فشل بالثانوية، ولكنه بعد سنوات حصل على 5 شهادات دكتوراة فخرية. بدأت رحلته في أوروبا بالتشرد وحلمه بوجبة طعام، إلى أن امتلك سلسلة فنادق عالمية، وعلى الرغم من ذلك، ما زال يرى نفسه في بداية المشوار.

الفشل دراسياً

على الرغم من أهمية التجربة بالحياة، إلا أنها ليست أمراً سهلاً ، إذ بدأت تجربة الجلالي مع فشله في الدراسة، على الرغم من نشأته وسط عائلة أكاديمية ووالد عمل ضابطاً بالقوات المسلحة المصرية.

بصعوبة وصل إلى المرحلة الثانوية، لكنه في المقابل كان عضواً نشطاً في العديد من الأنشطة الاجتماعية والرياضية. شعوره بالغربة في بلده، بعد أن فشل في تخطي الثانوية العامة أكثر من سنة بينما التحق زملاؤه بالجامعات، دفعه للتفكير بالسفر، وأحد الأشياء التي ساعدته على أن يكمل حياته بعد خروجه من المدرسة، هو أن والده لم يؤنبه أو يعاقبه أبداً.

فضّل الجلالي أن يكون غريباً بالخارج بدلاً من جلب وصمة عار لأسرته، فسافر إلى النمسا سنة 1967 وبحوزته عشرة جنيهات إسترلينية (12 دولاراً تقريباً) فقط، إذ إن هذا المبلغ هو الذي كان مصرحاً للمغادرة به في ذلك الوقت، لتبدأ الرحلة.

المعاناة في أوروبا

عندما وصل الجلالي إلى النمسا أقام بأحد الملاجئ، لضعف إمكانياته المادية، ثم بدأ بعد ذلك في بيع الجرائد، وعاش في ظروف صعبة لدرجة أنه كان يشتري البيض ويتناوله نيئاً لعدم امتلاكه إمكانيات لطهوه.

تستكمل المعاناة مطاردتها للجلالي، فعندما حدثت نكسة عام 1967، شاهد صور القتلى المصريين في الجرائد التي كان يبيعها، ولذلك اقتنع بأن الحياة في النمسا باتت مرتبطة بذكريات أليمة؛ فقرر الذهاب إلى الدنمارك، ليستمر معه الواقع المرير، وهناك لم يكن يملك أي مقومات مالية تمكّنه من العيش، فكان ينام في ملاجئ مخصصة للشباب، أو كبائن الهواتف.

على الرغم من كل ذلك، رفض الجلالي الاستسلام أو الاستمرار بالحياة في الغربة كمواطن من الدرجة الثانية، فتوجه لإثبات ذاته، وبدأ يبحث عن فرصة عمل في المطاعم والفنادق حتى يضمن وجبة طعام في اليوم على الأقل، بعد أن كان يبحث عن الطعام في صناديق القمامة.

ذهب إلى أحد الفنادق يطلب العمل مقابل الطعام حتى لو كان الطعام الفائض عن الزبائن، وكان هدفه الحقيقي الحصول على الخبرة والاحترام. حصل على عمل في غسل الصحون مقابل راتب صغير وغرفة، وبدأ يعمل ضعف العمل المناط به، ونتيجة تفانيه في العمل تدرج بالمناصب في الفندق خلال 4 سنوات؛ ليتحول من غاسل صحون إلى نائب مدير عام الفندق سنة 1971 في أحد فنادق سلسلة البيت الأبيض (Hvide Hus) وهو أحد أكبر سلسلة فنادق الدنمارك.

يقول الجلالي "نحن الذين نصنع الفرص، فقد كنت في أوقات راحتي من العمل أتدرب في الوظيفة التي أريد أن أرتقي إليها ثم أطلبها من الإدارة حينما تكون متاحة لأنتقل إليها".

يضيف الجلالي لفورتشن العربية "سافرت بسن 22 عاماً، وكافحت حتى بنيت كل ما بنيته دون معونة أو دعم من أحد بعد أن كنت مشرداً في شوارع أوروبا. وعندما بدأت وظيفة غاسل الصحون في فندق البيت الأبيض كانت هناك ماكينة تغسل الصحون وكنت أتعلم كيفية تشغيلها في أوقات فراغي، وعندما استقالت المرأة التي كان تعمل عليها طلبت من الإدارة الحصول على تلك الوظيفة، وحصلت عليها بالفعل، ثم طلبت وظيفة بواب، وتعلمت كيف أتقن وظيفة ثم أطلبها. أتقنت كل المهن داخل الفندق، وهذا درس لأي شخص لديه هدف يجب أن يسعى للوصول إليه".

لم يكن الجلالي يضيع وقته حتى في الترفيه، وكان يذهب إلى السينما فقط ليتعلم اللغة الإنجليزية والدنماركية. يقول لفورتشن العربية "كسبت وخسرت مئات الملايين خلال مسيرتي، وعلى الرغم من ذلك أشعر الآن كما لو كنت في بداية المشوار وأعمل على تنمية نفسي. هذا ما أنصح به الجميع، الاهتمام بتنمية أنفسهم واكتساب المهارات اللازمة، وعدم الوقوف عند أي حد، فمثلاً: يمكن للشباب الآن استغلال الإنترنت في تنمية مهاراتهم بدلاً من الدردشة والألعاب، فأنا لم أضيّع وقتي في أي شيء، وعلى الشباب السعي لتنمية أنفسهم وعائلتهم ومجتمعهم".

بداية الشهرة

تعجب أحد الصحفيين المعروفين بالدنمارك من وجود نائب مدير عام عربي شاب لفندق كبير، وسأله عن كيفية وصوله إلى ما هو عليه، فحكى له الجلالي القصة، وبدأ يحقق الشهرة بعدها؛ حيث بدأت الصحف تتحدث عنه، حتى أصبح المدير الإداري ورئيس سلسلة فنادق البيت الأبيض بأكملها، ولم يخجل عندما أطلقت عليه الصحف لقب "أشهر غاسل صحون في العالم".

تضايق الجلالي من بعض الأشياء في أثناء إدارته للفندق فقدم استقالته، لأن هناك من كان يحاول مزاحمته من أجل الحصول على مركزه، وقرر التوجه إلى مشروعه الخاص، وذهب إلى أحد البنوك من أجل تأسيس شركة برأس مال 20 مليون كرونة دنماركي.

لم يكن يملك أي أموال حينما قرر تأسيس الشركة، لأن كل الأموال التي حصل عليها كان يضعها في "تأمين المعاشات" ولم يكن يريد استخدامها، كما لم يكن لديه ضامن، وقال لإدارة البنك "أنا أقوى شخص في إدارة الفنادق في هذه الدولة، أنا لا أتكبر ولكني أثق بنفسي". بعدها وافق البنك على قرض بقيمة 20 مليون كرونة.

أسس الجلالي شركة وسلسلة فنادق هلنان العالمية عام 1982 بالدنمارك، والتي استوحى أول جزء من اسمها "هل" من منطقة هليوبوليس مكان مولده الأصلي بالقاهرة لاعتزازه بها، و"نان" من اسمه عنان.

لم يقف الجلالي عند ذلك، بل وسع استثماراته لتشبع طموحه، وباتت استثماراته تتخطى الحدود، فقد امتلكت شركته عدداً من الفنادق في كل من الدنمارك والسويد والنمسا وألمانيا ومصر والمغرب، ووصل عددها إلى أكثر من 40 فندقاً، تجاوزت قيمتها السوقية مليارات الدولارات، مؤكداً أنه وصل إلى ذلك نتيجة "جهد خارق" بذله وإصرار على قهر الفشل، واجتهد وتعلم أصول مهنة الفندقة.

على الرغم مما حققه الجلالي من ثراء وتوسع وشهرة، يرى أنه من الضروري ألا ندير ظهرنا لأصلنا وثقافتنا وأمتنا وعرقنا وقيمنا وعائلتنا.

حصاد الرحلة

حقق الجلالي العديد من النجاحات بعد ذلك، وحصل على 5 شهادات دكتوراة فخرية، بعد أن فقد الأمل في شبابه بالحصول على الشهادة الثانوية. لم يعد يشعر بالغربة نتيجة حجم الاحترام الذي حظي به، والذي لم يكن يحلم بالوصول إلى 1% منه على حد تعبيره.

حصل في 2014 على لقب "فارس دانبروغ" من الملكة مارغريت الثانية، وهو أعلى لقب في الدنمارك يتم منحه للشخصيات الناجحة، بعد أن تعرف على الأسرة المالكة في أثناء عمله بالفندق.

وبسبب شهرته وخبرته، أصبح الجلالي محاضراً في العديد من الجامعات، ليتم اختياره بعد ذلك رئيساً لمجلس كبار المستشارين بالاتحاد العالمي لرؤساء الجامعات على مستوى العالم، وعندما تم اختياره في هذا المنصب كان متعجباً، لأنه لم يدرس في أي جامعة طوال حياته، فقال لهم بعد اختياره من قبل المجلس "أثبتم باختياركم لي أن الدراسات والأبحاث والشهادات لا يمكن أن تصبو إلى أهدافها دون الخبرة التي أمثّلها؛ لأنني لم أحصل حتى على الشهادة الثانوية" فوقفوا لتحيته، وخرج من كل ذلك بحكمةٍ هي أنه لا يوجد مستحيل.

حصل الجلالي على وسام ملكي آخر من ملكة الدنمارك في 2018، وأشار إلى أن المهاجرين يمكنهم الوصول إلى مكانة دولية ومحلية مرموقة، طالما أنهم يسهمون في تنمية البلاد التي أتوا إليها وأيضاً الدول التي نشؤوا بها، وفي 2018 أيضاً كُرّم من قبل اتحاد رواد الأعمال العرب كواحد من أهم مائة شخصية عربية مؤثرة بالمجتمع، حسب الاستفتاء الدولي الذي نظمه الاتحاد.

خسائر

لا تخلو تلك الرحلة من تحديات، إذ خسر الجلالي عدة مليارات الدولارات بسبب الأزمة الاقتصادية التي نتج عنها إفلاس أحد البنوك التي يتعامل معها في 2014، لكنه كان يبرع في إدارة الفنادق المنهارة، وبالتالي يستطيع التغلب على الأزمات والمشكلات، تلك البراعة جعلته يقود فنادق هلنان لتحقيق إيرادات ضخمة في أثناء جائحة كورونا التي واجهت العالم.

يقول الجلالي لفورتشن العربية "لقد تعرضت لأزمة اقتصادية في 2014 وكتبت الصحافة الدنماركية أن القصة الخيالية لعنان الجلالي انتهت، ولكني رددت عليهم وقلت إني قد "بدأت سابقاً من تحت الصفر، واليوم أمتلك الخبرة التي لم أكن أمتلكها سابقاً، وهي ما سيجعلني أبدأ من جديد".

طريقته في العمل

يؤكد الجلالي لفريق عمله في أثناء لقاءاته معهم أنهم موجودون ليس لمناقشة الأمور فحسب، بل لاتخاذ القرارات والتصرف. لديه فلسفته الخاصة تجاه الفشل الذي يعتبره نقطة انطلاق للحصول على تجارب جديدة، فالفشل لا يعني أننا فقدنا أي شيء، على حد تعبيره.

يعمل الجلالي دائماً بيده وعقله وروحه، ويتوقع أن يفعل موظفوه الشيء نفسه، مؤكداً أنه ينحني لكل الموظفين على جهودهم، ويؤكد أنه يتخذ دائماً قراراً سريعاً، ويرى أن صانعي القرارات هم الفائزون دائماً حتى لو اتخذوا قرارات غير صحيحة، فهم بذلك يكتسبون الخبرة.

تلقى الجلالي العديد من العروض لكتابة قصة حياته في كتاب، أو تصويرها في فيلم أو مسلسل تلفزيوني، لكن إجابته كانت "كل يوم بالنسبة لي هو كتاب أو فيلم جديد، دعني أعش الحياة الحقيقية بدلاً من كتابتها".

على الرغم من مشوار الجلالي بالخارج، إلا أنه أصر على الزواج من مصرية، لأنه لم يكن يريد أن يعيش غريباً في منزله، ويقول "أعتبر نفسي رجلاً بسيطاً وهذه البساطة جعلتني أصل إلى ما وصلت إليه، فلم أخطط لحياتي بطموحات عالية، لأن طموحي الوحيد عندما بدأ مشواري مع الهجرة كان الوصول إلى وجبة طعام وسرير أنام عليه، وكل ما وصلت إليه لاحقاً جاء بتوفيق من الله وتنمية مهاراتي الشخصية"، وفقاً لما يلخص عن نفسه.


image
image