الرئيس التنفيذي لشركة طيران الرياض (Riyadh Air) توني دوغلاس هو مسؤول تنفيذي بقدرات فريدة؛ تمكّن من بناء شركة طيران من الصفر، لتكون شركة جديدة كلياً غير مثقلة بعقود من الأنظمة القديمة، والبنية التحتية المتهالكة، والعمليات التي عفا عليها الزمان والتي تعرقل العديد من شركات الطيران الأخرى. لكنه يقوم بذلك كله تحت ضغط هائل. كانت أهداف دوغلاس منذ تعيينه في مارس/آذار الماضي تتمثّل في إنشاء شركة طيران عالمية المستوى لتؤدّي دوراً مركزياً في جهود المملكة العربية السعودية لتعزيز صورتها العالمية وتنويع اقتصادها أبعد من النفط من خلال دفعة كبيرة في قطاع السياحة.
وسيقود دوغلاس الخطوط الجوية الجديدة لتنافس أيضاً شركات كبيرة راسخة مثل الخطوط الجوية القطرية، وطيران الإمارات، والخطوط السعودية، وهي شركة الطيران المحلية التي تتيح التنقل في أرجاء البلاد من جدة، وتشمل المسيرة المهنية الطويلة لدوغلاس في مجال الطيران التجاري تجارب مميزة مثل منصب الرئيس التنفيذي لشركة الاتحاد للطيران ومقرها أبو ظبي، ومسؤول تنفيذي كبير في شركة بي أيه أيه (BAA) وهي الشركة الأم للخطوط الجوية البريطانية. وستبدأ شركة طيران الرياض رحلاتها في عام 2025 بهدف خدمة 100 مدينة بحلول عام 2030، ومقر الشركة يقع في عاصمة المملكة العربية السعودية التي تحمل الاسم نفسه، والتي تمثّل منطقة حضرية يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة. وقد طلب دوغلاس بالفعل 78 طائرة طراز بوينغ 787 (Boeing 787).
ويأتي إطلاق شركة الطيران في الوقت الذي تتطلع فيه المملكة العربية السعودية إلى تعميق تواصلها مع بقية العالم، ومن الجهود في هذا السياق إطلاق دوري إل آي في غولف (LIV Golf)، وهو اتحاد منافس لدوري رابطة لاعبي الغولف المحترفين (Professional Golfers’ Association)، وقد وقّع الطرفان اتفاقية شراكة معقدة في يونيو/حزيران من العام الحالي، وإطلاق الدوري السعودي للمحترفين (Saudi Pro League) الذي جذب نجوم كرة القدم الأوروبيين مثل كريستيانو رونالد. ولتحقيق غايات المملكة في تعميق التواصل، أصدر ولي العهد الأمير محمد بن سلمان توجيهات لصندوق الثروة السيادية السعودي بضخ 100 مليار دولار في البنية التحتية للطيران في البلاد، وتعمل السعودية حالياً على بناء مطار ضخم في الرياض وتستثمر 30 مليار دولار في شركة طيران الرياض.
يعتقد دوغلاس أن شركة الطيران الناشئة تتمتّع بفرص مواتية في قطاع الطيران المزدحم، وذلك نظراً لأن السعودية دولة شاسعة وسريعة النمو، ديموغرافياً واقتصادياً على حد سواء، وتتّصف بسوق محلية غير مخدّمة بصورة كافية وغنية بالشباب محبي السفر الذين يبحثون عن تجربة طيران عالية التكنولوجيا والخدمات بدلاً من استخدام تطبيقات موبوءة بالمشاكل والطيران مع خطوط طيران ذات خدمة اتصال واي فاي رديئة في أثناء السفر على سبيل المثال. ويقول دوغلاس إن أحد الجوانب المهمة أيضاً من وجهة نظر الشباب السعوديين الذين تحاول الشركة جذبهم هو أن تُثبِت شركة الطيران أنها تعمل باستدامة، وأوضح قائلاً: "الأمر في غاية السهولة، لن تتمكّن أي شركة طيران تجارية من الاستمرار في العمل ما لم تأخذ الاستدامة البيئية على محمل الجد".
فورتشن: يمتلك المسافرون من منطقة الخليج بالفعل خيارات أخرى مثل الخطوط الجوية القطرية وطيران الإمارات والاتحاد للطيران والخطوط السعودية، هل تتوقع أنهم بحاجة شركة طيران جديدة؟
دوغلاس: نتحدث هنا عن المملكة العربية السعودية التي تمتلك ثاني أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، وتغطي مساحة كبيرة من اليابسة وتتصف بتعداد سكاني سريع النمو يبلغ حالياً 36 مليون نسمة. تستثمر قيادة المملكة المليارات في تعزيز الوجهات السياحية العالمية والمعالم السياحية ومنتجعات البحر الأحمر وما إلى ذلك، كما تتصف المملكة بشريحة سكانية شابة خبيرة في استخدام التكنولوجيا، وبالتالي فإن مهمة الخطوط الجوية الوطنية هي ضمان حصول الشعب السعودي على اتصال وترابط أفضل بكثير على مستوى العالم، كما إن العاصمة الرياض ما تزال حتى اليوم غير مخدّمة بالشكل اللازم.
فورتشن: لماذا لا يمكن أن نعتمد على الخطوط السعودية ونوسّعها فقط؟
دوغلاس: شهدت البلاد في السنوات السبع الماضية انفتاحاً هائلاً بقيادة الملك وولي العهد، ونتيجة لذلك، ارتفع الطلب على السفر الجوي من المملكة وإليها بصورة جنونية، وقد حقّقت الخطوط السعودية إنجازاتٍ رائعة في بناء قدرات إضافية، لكننا بحاجة ماسّة إلى تطوير المزيد وبدرجات أكبر.
فورتشن: يُنظَر إلى السعودية بأنها دولة محافظة لديها قواعد صارمة بشأن الكحول وما يمكن للنساء ارتداؤه علناً، وفي المقابل، يمكن لزوار دبي الاستمتاع بالمشروبات بأنواعها وفي منازلهم الخاصة وارتداء ما يحلو لهم على الشاطئ، كيف يبدو قطاع السياحة في السعودية؟
دوغلاس: تعد السعودية ثاني أكثر الوجهات بحثاً عبر الإنترنت، وهذا الاهتمام مدفوع بالفضول نظراً للانفتاح الهائل للمملكة على مدى السنوات السبع الماضية بوتيرة مذهلة؛ من خلال الاستثمار واسع النطاق في مناطق الجذب السياحي مثل العلا، وهي أول موقع تراث عالمي مسجل في اليونسكو بالمملكة، وكذلك منطقة دادان. كما أن بعض الأماكن التي كانت مغلقة لعقود من الزمن أصبحت الآن متاحة للسياح. وهناك جوانب أخرى مثل مهرجان ميدل بيست (MDLBEAST) الموسيقي الحديث، كما عُقِد سباق فورمولا 1 في جدة، إضافة إلى انتقال نجم كرة القدم كريستيانو رونالدو للسكن في الرياض.
فورتشن: هل يعني ذلك أن قطاع السياحة لا يركز على السياحة المائية وغيرها من المظاهر ذات الصلة؟
دوغلاس: ستركز السياحة في السعودية على الثقافة والطبيعة.
فورتشن: ذكرتَ أن شركة طيران الرياض سوف تستفيد من القدرات الرقمية، ماذا يعني ذالك؟ السؤال هنا هو أن المسافرين حول العالم يستخدمون الويب والتطبيقات لحجز رحلات الطيران واختيار المقاعد أو الوجبات، ماذا سيختلف في حالة شركة طيران الرياض؟
دوغلاس: ستكون التذكرة مرتبطة بخاصية التعرف على الوجه، وسوف نولي اهتماماً كبيراً بالتفاصيل، فعلى سبيل المثال، إذا علمنا أن أحد المسافرين يستخدم اليد اليسرى، فسوف نضع الشوكة والسكين بما يناسب ذلك عند تقديم وجبة الغداء.
فورتشن: ماذا عن المهام في الأدوار التي لا تتعامل مع العملاء مباشرة؟ فمع الانهيار الشامل الذي شهدته شركة ساوث ويست (Southwest) في فترة الطقس السيئ هذا الشتاء، رأينا كيف يمكن أن تفشل أنظمة المعلومات القديمة المُجمَّعة معاً فشلاً ذريعاً.
دوغلاس: الفرصة سانحة أمامنا لتأسيس شركة طيران جديدة كلياً والعمل وفق أحدث الطرق، بعيداً عن المعاناة مع أنظمة عمليات وخدمة مسافرين ومواقع وتطبيقات قديمة وغير فعّالة.
فورتشن: يُصنَّف المنافسون والمطارات في منطقة الخليج دائماً من بين الأفضل في العالم، وهي أفضل بكثير من تلك الموجودة في الدول الغربية التي تعاني من اهتلاك العديد من المطارات، كما أن شركات الطيران الخاصة بتلك الدول تتصف بجودة أقل من حيث تجربة العملاء. ما أسباب هذه الظواهر برأيك؟ وهل للثروة الناتجة عن النفط دور في جودة شركات منطقة الخليح ومطاراتها؟
دوغلاس: شركة طيران الإمارات هي شركة الطيران الأكثر نضجاً والأقدم في هذه المنطقة، إذ يبلغ عمرها نحو 40 عاماً، والخطوط القطرية هي ثاني أقدم شركة بعمر نحو 30 عاماً، أما شركة الاتحاد للطيران فيبلغ عمرها 20 عاماً، لكنها جميعاً حديثة وفقاً للمعايير الأوروبية أو الأميركية الشمالية، لذلك لا تعاني من البنية التحتية والأنظمة القديمة، وفي الوقت نفسه، هناك توقعات ومتطلّبات مرتفعة فيما يتعلق بمعايير الخدمة.
فورتشن: تصدّر موضوع الحرارة الشديدة المشهد هذا الصيف، هل تخشى من انخفاض ميل الأشخاص المهتمين بالتغير المناخي للسفر بالطائرة؟
دوغلاس: الأمر بغاية السهولة، لن تتمكّن أي شركة طيران تجارية من الاستمرار في العمل ما لم تأخذ الاستدامة البيئية على محمل الجد، وعلى الرغم من أن الطيران التجاري لا يمثل سوى 2% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، فإن هذه المعلومات ليست بتلك الأهمية مقارنة بالتصوّر السائد لدى العامة، لذلك ينبغي على شركات الطيران عدم تجاهل أثرها البيئي. وإذا عدت إلى قصص الصحف في العامين الماضيين، ستجد قصصاً تناقش بعض الإجراءات التي يجب على مصنّعي الطائرات بمفردهم القيام بها، أو مصنّعي المحركات لوحدهم، وغيرها من الأفكار المشابهة، لكن الحقيقة هي أن حل مشكلة التغير المناخي يحتاج إلى كل ما سبق وإلى مشاركة الجميع.
فورتشن: إذاً كيف تسهم شركة طيران الرياض في حل المشكلة؟
دوغلاس: طائرات بوينغ 787 التي طلبناها للشركة هي طائرات مصنوعة من مواد مركبة ومزوّدة بأحدث المحركات التي تعد أيضاً أكثر كفاءة في استهلاك الوقود بنسبة 21% من سابقاتها من الحجم نفسه من الطائرات، كما سنعمل على تقليل مسارات المواد المتكاثفة، وهي الخطوط الرفيعة الطويلة من غازات العادم التي تظهر خلف الطائرة، والبحث في إمكانية اعتماد المركبات التي نستخدمها على الكهرباء، وتخطيط مسار الطيران، والعديد من الإجراءات الهادفة الأخرى.
فورتشن: ألا تشعر بالقلق من انخفاض رغبة الأشخاص في الطيران بسبب المخاوف البيئية؟
دوغلاس: الجواب موجود في حركة الازدحام المروري هذا الصيف، لن يتغيّر الطلب بأي شكل على الرغم من التحديات.