المحتوى محمي
المحتوى محمي
استثمار

هل تنجح قطر في تفادي العوائق التنظيمية لشراء نادي مانشستر يونايتد؟

 يحظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) وفق المادة الخامسة المتعلقة بالنزاهة، أن يتنافس ناديان في بطولاته يعودان لملكية أو تأثير أو سيطرة جهة واحدة.

بقلم ، 


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية، تصميم: أسامة حرح)

 بدا عرض رئيس بنك قطر الإسلامي (QIB)، الشيخ جاسم بن حمد آل ثاني، الأكثر إثارة من بين العطاءات المقدّمة لشراء نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي (Manchester united) الذي يستعد لنقل ملكيته من عائلة غلايزرز الأميركية إلى مالك جديد في الأسابيع المقبلة.

تقدّم رجل الأعمال البالغ من العمر 44 عاماً، نجل رئيس الوزراء القطري السابق، عبر تحالف "كونسورتيوم" قطري محلي، بعطاء شراء 100% من أسهم أكبر نادي كرة قدم في عموم بريطانيا بعرض قد يصل إلى نحو 6 مليارات دولار، وإن تمت الصفقة، فستعتبر الأضخم في عالم الرياضة على الإطلاق، حسب بلومبرغ.

 أوكلت غلايزرز –التي استحوذت على النادي بالكامل منذ عام 2005 مقابل نحو مليار دولار- مهمة البيع إلى بنك راين (Raine) الأميركي الذي أشرف قبل أشهر على بيع نادي تشيلسي (Chelsea) إلى تحالف يقوده رجل الأعمال الأميركي تود بوهلي.

ويأتي اسم الملياردير البريطاني جيم راتكليف كأبرز المتنافسين مع الشيخ جاسم بن حمد لشراء مانشستر يونايتد عبر مؤسسة إينيوس غروب هولدينغز (Ineos Group Holdings) البتروكيماوية والمالكة لناديي نيس الفرنسي ولوزان السويسري، إضافة إلى صندوق التحوط الأميركي إليوت مانجمنت كورب (Elliott Management Corp) الذي يرمي  ثقلَه في الصفقة.

لوائح الاتحاد الأوروبي قد تعيق ماذا؟

مع أن العرض القطري يبدو الأقوى من بين العطاءات المقدّمة، انبثقت هواجس أرّقت الشيخ جاسم بن حمد حيال الهيكل التنظيمي التنافسي لملكية الأندية الأوروبية. حيث يحظر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA) وفق المادة الخامسة المتعلقة بالنزاهة، أن يتنافس ناديان في بطولاته يعودان لملكية أو تأثير أو سيطرة جهة واحدة. ومن المعلوم أن ملكية نادي باريس سان جيرمان الفرنسي (Paris saint germain) تؤول منذ 2013 إلى مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية (QSI) التي تقدم نفسها على أنها خاصة 100%؛ أي أنها منفصلة عن الصندوق السيادي الحكومي، جهاز قطر للاستثمار (QIA) الذي قُدّرت أصوله بنحو 461 مليار دولار في سبتمبر/أيلول 2022، وقالت مصادر لبلومبرغ إن المسؤولين فيه يساعدون في التحضيرات لتقديم العرض، إلى جانب مكاتب عائلية محلية.

يعتبر جهاز قطر للاستثمار المساهم الأكبر في بنك قطر الإسلامي بنسبة 17.2%، ما يضعنا أمام شبكة علاقات مترامية الأطراف بين الصندوق السيادي القطري الذي كان والد الشيخ جاسم بن حمد، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، يديره بين 2008 و2013، وهناك تقارير تؤكد ارتباط شركة قطر للاستثمارات الرياضية والصندوق وبأنها تتبع له.

في حال كان الارتباط قائماً بالفعل بين الصندوق السيادي القطري وشركة الاستثمارات الرياضية التي تمتلك باريس سان جيرمان، فإن قوانين الاتحاد الأوروبي ستستبعد أحد الناديين -مانشستر يونايتد أو باريس سان جيرمان- من بطولاتها استناداً إلى السيطرة المشتركة عليهما من جهة واحدة.

من هذا المنطلق، سيتعيّن أيضاً على الشيخ جاسم بن حمد إقناع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم بأن مصدر ثروته الشخصية لا يمت بصلة مباشرة أو غير مباشرة إلى نادي باريس سان جيرمان، عبر تقديم المستندات والوثائق من خلال فريقه القانوني. بينما تصر قطر حسب فورتشن أن مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية لا تخضع للصندوق السيادي الذي يمتلك حصة الأسد في بنك قطر الإسلامي.

استبعاد أحد الناديين من البطولات الأوروبية سيجلب خسائر هائلة تقدّر بعشرات الملايين من الدولارات للعام الواحد، وهو ما يهدف الشيخ جاسم بن حمد إلى تفاديه عبر إثبات أن الناديين لا ينتميان إلى ملكية أو إدارة مركزية واحدة.

في الحقيقة لا يمنع الاتحاد الأوروبي أن تمتلك نفس الجهة عدّة أندية، لكنها تحظر منافسة هذه الأندية في بطولة واحدة معاً. لذلك كانت مؤسسة مجموعة سيتي لكرة القدم (City Football Group) الإماراتية التي تأسست عام 2014، محقّة عندما امتلكت 13 نادياً في 5 قارات. وبالتالي، تتباعد تلك الأندية عن بعضها ونادراً ما يتواجه نادٍ ضد الآخر في مسابقة قارية، وهو أمر لم يحدث حتى الآن. وتحظى المجموعة بملكية أندية من إنجلترا والصين والهند والولايات المتحدة وأوروغواي وأستراليا واليابان وبوليفيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا.

 تجربة ريد بول تلوح في الأفق

وقع الاتحاد الأوروبي في مشكلة مشابهة عام 2018 حينما تأهل ناديان مملوكان لشركة مشروبات الطاقة الأميركية ريد بول (Red bull) إلى بطولة دوري أبطال أوروبا، وهما ريد بول سالزبورغ النمساوي وريد بول لايبزيغ الألماني. حينها اضطرت الشركة إلى إجراء تعديلات على الهيكل التنظيمي لنادي سالزبورغ؛ بإقالة بعض أفراد مجلس الإدارة ممّن يرتبطون بعلاقات مع الشركة، وإنهاء عقود الاقتراض من ريد بول.

تنص المادة الخامسة من لوائح الاتحاد الأوروبي المتعلقة بنزاهة المنافسة على أنه: "لا يمكن لأي جهة أن يكون لها السيطرة أو التأثير على أكثر من نادٍ يشارك في بطولات الاتحاد الأوروبي". واستناداً إلى ذلك قدّمت الشركة وثائق أثبتت انقطاع الصلة الثلاثية بين ريد بول ولايبزيغ وسالزبورغ، ما جعل هيئة الرقابة المالية في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (CFCB) تسحب اعتراضها وتؤكد أنه لا يوجد انتهاك للمادة الخامسة.

سيتعيّن على الشيخ جاسم بن حمد القيام بجهود وفيرة لمحاكاة نموذج ريد بول. لا سيما أن قطر تتمتع بسلطة شبه مركزية على مؤسساتها جميعاً، ومن الصعب إقناع الاتحاد الأوروبي أن الكيانات القطرية منفصلة عن بعضها حسب بلومبرغ. ويقول أستاذ الجغرافيا السياسية في الرياضة، جان بابتيست جيجان، لوكالة الأنباء الفرنسية أيه إف بي (AFP) إنه: "عندما يتقدّم أحد أفراد عائلة آل ثاني بعرض شراء، فحتماً هو عرض من الدولة"، معتبراً أن قرارات شراء أندية كرة القدم تمر بهرم سلطوي من الأعلى، من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

وفي نفس السياق، أعربت منظمة فير سكواير الحقوقية عن مخاوفها من غياب مبدأ النزاهة التنافسية عندما تسيطر مؤسسات تتبع دولة قطر على أندية أوروبية. وقد اصطدمت الجهود الرامية لوأد عملية الاستحواذ القطرية بشخصية رئيسية في عالم كرة القدم، وهو رئيس نادي باريس سان جيرمان ورئيس رابطة الأندية الأوروبية منذ 2021 وعضو المجلس التنفيذي في الاتحاد الأوروبي، القطري ناصر الخليفي؛ فالخبرات التي يتمتع بها الخليفي ستجعل استحواذ الشيخ جاسم بن حمد على مانشستر يونايتد في الإطار التنظيمي الصحيح، ووصفت بي بي سي (BBC) الخليفي بأنه الرجل الرئيسي في أي عملية شراء قطرية وإن لم يكن طرفاً مباشراً.

 وعن أسباب اتجاه الشيخ جاسم بن حمد إلى شراء مانشستر يونايتد، يقول الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في جامعة جورج تاون القطرية، دانييل رايشي، لوكالة فرانس 24: "ليس هناك دوري كرة قدم في العالم يتمتع بقدر كبير من البروز عالمياً مثل الدوري الإنجليزي. أرى أن الاستحواذ على نادٍ بحجم مانشستر يونايتد سيكون منطقياً". وسبقه وزير الرياضة السعودي، عبد العزيز بن تركي الفيصل، في تصريح سابق هذا العام وقال في مقابلة مع بي بي سي إن: "السعودية ستدعم أي مساعٍ لشراء مانشستر يونايتد، لأنه الدوري الأكثر مشاهدة في المنطقة". أمّا السبب الأكثر منطقية فهو إيرادات النادي الهائلة التي بلغت 749 مليون دولار العام الماضي، حسب تصنيف ديلويت (Deloitte) الأميركية.


image
image