يعد استثمار الدَّين الجريء (Venture debt) من الاتجاهات الاستثمارية الرائجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتحقق فئة الأصول الجديدة هذه عوائد مجزية؛ إذ يتراوح معدل العائد الداخلي في المتوسط بين 14% و17%، كما أنها تجذب المستثمرين التقليديين والمصرفيين الاستثماريين وصناديق رأس المال المغامر وحتى البنوك.
واقع استثمارات الدَّين الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تشير بيانات شركة ماغنيت (Magnitt) إلى أن استثمارات الدَّين الجريء في الشركات التكنولوجية الناشئة المدعومة من رأس المال المغامر آخذة في الازدياد، وتتّجه لأن تشكّل 10% من إجمالي رأس المال المغامر في المنطقة قريباً.
وكشف تقرير شركة ماغنيت بشأن استثمارات الدَّين الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA Venture Debt Report) عن ازدياد إسهامات المستثمرين الدوليين من 20% في عام 2021 إلى نحو 50% في عام 2022، ما يشير إلى أن نسبة المستثمرين الدوليين الذين يأتون من خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا آخذة في الازدياد.
وتجدر الإشارة إلى أن تردد المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشأن استثمارات الدَّين الجريء لا يرجع إلى نقص رأس المال، بل على العكس من ذلك؛ إذ إن المنطقة عموماً، والخليج خصوصاً، وفيرة برأس المال.
ما العوامل التي قد تعيق انخراط الممولين في ميدان استثمارات الدَّين الجريء؟
1- قلة البيانات: وجدت المؤسسات المالية التقليدية على وجه الخصوص أن بعض الشركات الناشئة ليست لديها بيانات مالية مُدقَّقة أو حسابات إدارة مالية مُلائمة أو معلومات دقيقة عن النمو، ما يحول دون الحصول على معلومات موثوقة من خلال ربط واجهات التطبيقات بمصادر بيانات تلك الشركات.
2- فهم نموذج العمل: ليس سراً أن البنوك والمستثمرين التقليديين يفشلون في فهم الشركات الناشئة، وذلك لأنهم يبحثون خلال عملية التقييم عن الربحية والأصول بينما يجب أن يكون التركيز على إمكانات نمو الشركة الناشئة، والمناسيب الاقتصادية للوحدة، والقدرة على التوسع. وإن فهم نماذج أعمال الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، والمقاييس الفريدة المرتبطة بهذه الأنواع من النماذج سيساعد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالاستثمار في الدَّين الجريء.
3- تحصيل المدفوعات: يتيح جمع الأوراق المالية من الشركات الناشئة للمستثمرين فرض تدابير جزائية في حالة التخلف عن السداد، لكن التحصيل ليس مضموناً بأي حال، وذلك لأن المستثمرين لا يتحكّمون بالحسابات المصرفية والتدفقات النقدية للشركات الناشئة، ونظراً لأن جمع الأوراق المالية يخلق الكثير من الاحتكاك التجاري، فقد يؤدي أيضاً إلى عرقلة التوسّع.
4- المراقبة الدقيقة للأداء: تعمل الشركات الناشئة بوتيرة سريعة جداً، ويحتاج المموّلون إلى مراقبة أدائها للتدخل في الوقت المناسب. ومع ذلك، قد يكون من الصعب على المستثمرين الحصول على تقارير شهرية أو ربع سنوية من الشركات الناشئة؛ نظراً لارتفاع الاحتكاك التجاري وتكاليف البحث، وما قد ينتج عنه من ضعف في التواصل والشفافية التي غالباً ما يبحث عنها المستثمر.
5- الثقافة: يرتبط الدَّين بالفائدة، وبالتالي لا يتوافق مع معايير الشريعة الإسلامية.
6- التجزئة: تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سوقاً مجزأة عندما يتعلق الأمر بالإقراض، إذ إن لكل دولة بنكاً مركزياً وقوانين وتشريعات خاصة بها، وهذا يضع عبئاً كبيراً على كل من الشركات الناشئة والمستثمرين، من أجل الامتثال لجميع القوانين ذات الصلة عندما يتعلق الأمر بالتوسّع.
7- المفاهيم الخاطئة بشأن المخاطر: غالباً ما يُنظَر إلى استثمار الدَّين الجريء على أنه استثمار عالي المخاطر، وهذا أحد الأسباب الرئيسية وراء بطء قبوله في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خاصةً من قِبل الممولين التقليديين. ومع ذلك، فإن معدلات التخلُّف عن السداد في الولايات المتحدة لهذا النوع من الاستثمارات تبلغ 2% فقط، مقارنة بنحو 18% لقروض الشركات الصغيرة.
آفاق استثمارات الدَّين الجريء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
يعد استثمار الدَّين الجريء مصدراً بديلاً ومكمّلاً سريع النمو بالنسبة لشركات التكنولوجيا عالية النمو التي تحصر جمع التمويل بالأسهم، ويمكن أن يقلل التطور المستمر في التكنولوجيا من المخاطر المرتبطة بهذه الاستثمارات بالنسبة للمستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأن يؤسس منظومة مواتية للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والمستثمرين على حد سواء بعدة طرق:
يساعد استخدام واجهات برمجة التطبيقات مقدمي رأس المال على تقييم النمو والجدوى المالية، وذلك استناداً إلى البيانات الحقيقية الآنية التي تساعد على تحسين الظهور، لا سيما في سياق الإقراض القائم على الإيرادات.
أدى نمو الخدمات المصرفية المفتوحة إلى تسهيل الوصول إلى البيانات والمعلومات المصرفية الخاصة بالشركات الناشئة للممولين المحتملين والمستقبليين. وسوف تساعد هذه الخدمات على إتاحة فرص جديدة لاستثمارات الدَّين الجريء من خلال إتاحة المزيد من البيانات، ومنح المؤسسات المالية الثقة في قدرة الشركات الناشئة على أتمتة المدفوعات المنتظمة بموثوقية واتّساق. ويوجد حالياً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية مثل شركة دابي (Dapi) وشركة لين للتقنيات المحدودة (Lean Technologies)، والتي تنشئ بنية تحتية مصرفية مفتوحة تتيح الوصول إلى البيانات المالية والمدفوعات المصرفية للعملاء.
يسهّل ظهور نموذج رأس المال كخدمة (CaaS)، مثل نموذج شركة كابيفلي (Capifly)، تقديم رأس مال النمو بكفاءة للشركات الناشئة عند الطلب. ويمكن للمستثمرين تقييم الجدوى والأداء والمخاطر الائتمانية للشركات الناشئة بسرعة استناداً إلى البيانات الآنية، وذلك بمساعدة الخوارزميات المستندة إلى الاستهلاك والقائمة على التكنولوجيا، كما يوفّر نموذج رأس المال كخدمة للمستثمرين استكشافاً دقيقاً وفورياً للاستثمارات طويلة الأجل وقصيرة الأجل، ما يوفّر الوقت والمال.