المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
وجه

رحلة أتول هيدج من أسرة متوسطة بمومباي إلى ريادة التسويق الرقمي

يصف هيدج جميع مشاريعه بأنها ناجحة، ولكنه يعتقد أن النجاح رحلة مستمرة لا تقف عند حد معين، ما يدفعه إلى العمل على تحقيق المزيد من النجاح، ومنح الأهمية الكبرى للاستمرارية على الرغم من وجود تحديات.

بقلم


money

أتول هيدج، مؤسس شركتي ياب، ورينميكر فينتشرز (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

منذ صغره، وجد مؤسس شركتي ياب (YAAP) ورينميكر فينتشرز (Rainmaker Ventures)، أتول هيدج، بيئة إيجابية بمدينة مومباي الهندية التي نشأ فيها في سبعينيات القرن الماضي، فكل شيء تغير في تلك المدينة التي تحولت إلى العاصمة المالية للهند، بعد أن عاشت ويلات الحرب الهندية الباكستانية مثل بقية المدن الهندية.

شهدت المدينة العديد من التطورات في تلك الفترة، فقد بدأت الخدمات التليفزيونية عام 1972، بجانب إنشاء هيئة تنمية منطقة مومباي الحضرية عام 1975 كهيئة عليا لتنمية المدينة وإعداد خطط مستقبلية لها، وأصبح اقتصاد المدينة يرتكز على مجالات البتروكيماويات والإلكترونيات والسيارات بدلاً من صناعة النسيج.

مستقبل واعد

تأثر هيدج بالبيئة الجديدة في مراحل طفولته وشبابه، ما انعكس على شخصيته وخياراته في الحياة، وفقاً لحديثه مع فورتشن العربية، إذ يشير إلى أن المدينة في تلك الفترة تميزت بأجواء توحي بمستقبل واعد للجميع.

أصرّت أسرته على أن يكون جزءاً من هذا المستقبل، فعلى الرغم من كونها تنتمي للطبقة الوسطى في الهند، إلا أنها كانت أسرة مثقفة دفعته للتركيز على دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بجانب الاهتمام بالأنشطة الإضافية خارج المناهج الدراسية وخاصة الرياضة.

لذا يشير هيدج إلى أهمية العائلة ودعمها، مع توسع فكرتها لتشمل الأصدقاء والزملاء والموظفين، ما دفعه إلى دعمهم في السراء والضراء، وهو أمر يتوقع أن يفعله إلى الأبد، حسب حديثه.

حُسن الحظ هو عنوان تلك المرحلة من حياة هيدج، فاهتمام أسرته بالدراسة أتاح له الحصول على كل ما يحتاجه من ناحية التربية والتعليم، وكان ذلك عاملاً أساسياً في النجاحات التي حققها، ليصبح خبيراً في التسويق الرقمي والاستثمار.

الاقتراب من أصحاب الأعمال

مرحلة أخرى أسهمت بتشكيل رؤية هيدج لمستقبله، وهي التحاقه بكلية إلفينستون (Elphinstone) التي تقع بالقرب من سوق مومباي للأوراق المالية، أول بورصة وأكبر بورصة في الهند، منحه ذلك فرصة الاحتكاك مع أصحاب المشاريع واكتساب فطنة مالية. بدأ على إثرها في تشكيل وعيه بريادة الأعمال خلال فترة دراسته في الكلية.

استفاد هيدج من البيئة التعليمية متعددة الثقافات في مدينة مومباي التي ساعدته على رؤية العالم من منظور أوسع وحسّنت إدراكه للفرص المتاحة أمامه، إذ يشير إلى أن أهم ما تعلمه من هذه المدينة هو أن عملية التعلم لا تتوقف عند التخرج، بل تستمر مدى الحياة. دفعه ذلك إلى تجاوز المفهوم التقليدي للوظيفة الحكومية الآمنة، التي لم يكن يميل إليها، نحو العمل بمجال به قدر من الابتكار.

السعي وراء الشغف هو عنوان المرحلة التالية في حياة هيدج، إذ أصرّ على أن يمارس حياته العملية التي كان يطمح إليها، وعقب التخرج بدأ بالفعل عمله بقطاع التسويق خلال منتصف تسعينيات القرن الماضي، ونجح في ترسيخ مكانته في هذا القطاع بفضل ثقافة إتاحة الفرصة للأفكار الجديدة وعدد من المدراء المميزين الذين عمل تحت إشرافهم، حسب حديثه. فعمل ببعض الشركات؛ مثل عمله مديراً لخدمات العملاء بشركة هافاس (Havas)، ورئيساً تنفيذياً للعمليات في فياز (Vyas).

ظل هيدج منفتحاً على الأفكار الجديدة بسوق التسويق، وتنبأ برقمنة هذا القطاع. ففي 2009، كتب مقالاً أكد فيه أن الوكالات الإعلانية يجب أن تبدأ في التحدث بلغة العلامة التجارية، وأن تصبح شريكة حقيقية في مساعدة الشركات على بناء علاماتها التجارية في العالم الرقمي الجديد.

هذا الانفتاح على الأفكار الجديدة جعله يتنبأ العام الماضي باختفاء معظم وكالات التسويق الرقمي، وظهور شركات أكثر ذكاءً وتقنية قائمة على المحتوى مكانها مع انتشار الميتافيرس (Metaverse).

ذاع صيت هيدج بمجال التسويق، ما جعله يحصد عدداً من الجوائز، أبرزها جائزة آبيس آسيا (Abbys) عن فئة أفضل متخصص في وسائل التواصل الاجتماعي في 2005، وجائزة المؤتمر الدولي للعلامات التجارية عن فئتي أفضل متخصص في التسويق الرقمي وأفضل رائد أعمال في مجال التسويق الرقمي عام 2016.

رحلة إطلاق المشروعات الريادية

قناعة هيدج بأن ريادة الأعمال عملية طويلة الأمد لا تنبغي ممارستها بشكل متسرع، جعلته يبدأ أولى خطواته في عالم الريادة بعد حوالي عقدين من العمل على صقل مهاراته والوصول إلى الجاهزية المطلوبة، ويشير إلى أنه، خلافاً لرواد الأعمال التقليديين، استغرق بعض الوقت لاختيار مجال المشروعات التي ينوي تأسيسها قبل أن يؤسس ثماني شركات.

إيماناً منه بأهمية ريادة الأعمال وحاجة الشركات الناشئة إلى الاستثمار، بدأ هيدج مسيرته في المشاريع الريادية بالمشاركة في تأسيس شركة رينميكر فينتشرز عام 2015، وهي شركة رأس مال استثماري تبلغ قيمتها 50 مليون دولار أميركي، وتهدف إلى تقديم خدمات متكاملة في مجال إعداد الشركات الناشئة وتوجيهها، إذ أراد أن يضع في تلك الشركة خلاصة خبرته وشغفه بريادة الأعمال، وتمحورت رؤيتها في أن تصبح المحرك الأبرز للأعمال في قطاع الشركات الرقمية. 

كانت الشركة تركز على الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا والمحتوى في الهند وخارجها، وسرعان ما تمكنت من جذب رواد الأعمال في مجال خدمات التصميم والإعلام.

استثمرت الشركة مع شركات بارزة، في مقدمتها بلانيت إليفانت ديزاين (Planet elephant design) التي تتخذ من دلهي مقراً لها وتعمل في مجال التصميم وشركة أوبليفاي (Oplifi) للتسويق والمحتوى والتي يقع مقرها الرئيسي في سنغافورة، واستطاع هيدج قيادتها لتمهيد الطريق أمام مزيد من المشاريع الناجحة.

لم يخل بداية طريق هيدج مع ريادة الأعمال من بعض التحديات التي تعامل معها بالإيجابية التي نشأ عليها بمومباي، ويقول في ذلك "واجهت صعوبات مالية وتشغيلية وتنافسية بالسوق، ولكني كنت مؤمناً بأن ريادة الأعمال خلال مراحلها الأولى تمثّل تجربة صعبة تسودها هذه التحديات، ومسيرة ريادة الأعمال عموماً تتسم بالتحديات المتواصلة، ولكن قدرتي على تجاوزها تنمو بشكل ملحوظ، ما يمهد الطريق لتحقيق النجاح".

يطمح هيدج في الوقت الراهن للاستثمار بالشركات الناشئة المتخصصة في تقنية ويب 3.0 بآسيا، ولا سيما الرموز غير القابلة للاستبدال والميتافيرس، بالإضافة إلى الشركات التي تستفيد من إمكانات تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي.

ويرى هيدج أن الشركات الناشئة في هذه المجالات تجمع بين قوة التكنولوجيا والبيانات والمحتوى لتقديم خدمات متميزة للعلامات التجارية الحديثة.

المحتوى التقني

يستمر شغف هيدج بالتسويق مع رحلته الريادية. ففي 2016، أسس شركة ياب التي تختص بالتسويق القائم على المحتوى ومشاهير التواصل الاجتماعي، كما تجمع بين التكنولوجيا والبيانات والمحتوى لتقديم حلول إبداعية عالية الجودة.

تتميز ياب بحضور واسع يشمل منطقة الشرق الأوسط والهند وسنغافورة، ونجحت في التعاون مع جهات مثل موقع بيوت (bayut) وهو قاعدة بيانات عقارية للبيع أو الإيجار في الإمارات، ودائرة السياحة والتسويق التجاري المسؤولة عن التخطيط والإشراف والتطوير والتسويق السياحي في دبي وغيرها، بجانب شركات عالمية مثل ديل الأميركية للأجهزة التكنولوجية، وآبل، وشركة الطيران الألمانية لوفتهانزا (Lufthansa)، والكثير غيرها لتقديم خدمات تسويقية لها.

كما أقامت ياب شراكة حصرية مع الشركة الأميركية تاغر ميديا (Tagger Media) لخدمات التسويق، لتسهيل دخولها رسمياً إلى سوق منطقة الشرق الأوسط والهند، ويشير هيدج إلى أنه من المقرر افتتاح فرع لشركته ياب في الرياض قريباً.

حققت ياب نمواً في الإيرادات بنسبة 97%، كما ضاعفت ربحيتها بمقدار خمس مرات للسنة المالية 2021 – 2022، ويسعى هيدج في السنة المالية الحالية إلى تسجيل إيرادات تعادل 20 مليون دولار.

تتطلع الشركة إلى تحقيق مزيد من النمو في السنوات الثلاث المقبلة، بالتزامن مع خطط التوسع المحتملة في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا والهند ودول مجلس التعاون الخليجي، حسب هيدج.

جمع الأحذية الرياضية

تعلُّق هيدج بالتسويق جعله يربط أي شيء بهذا المجال، حتى هواية جمع الأحذية الرياضية التي بدأ شغفه بها منذ 10 سنوات. بدأت تلك الهواية لديه عند اقتنائه زوجاً متواضعاً من الأحذية الرياضية، وكان الهدف في البداية هو الحصول على عدد قليل من الأحذية المميزة والمتوفرة، وسرعان ما تعمق بتاريخ تلك الأحذية والإبداع في صناعتها، ثم بدأ شغفه بالأحذية الرياضية بشكل لا إرادي.

وازدادت مجموعة الأحذية الرياضية لديه على مدى السنوات الأربع الماضية، وأكثر ما يلفت هيدج هو الخلفية الثقافية لإصدارات الأحذية الرياضية المختلفة.

واعتاد هيدج على اقتناء الإصدارات المميزة فقط من تلك الأحذية، حتى أصبح لديه أكثر من 500 حذاء رياضي، بما في ذلك أكبر مجموعة خاصة من علامة ييزي التجارية؛ فالأمر يتعلق بالنوع وليس الكم، حسب هيدج.

ولم يكتف هيدج بجمع الأحذية الرياضية فحسب، بل ينظّم أيضاً ورش عمل للشركات حول ثقافة الأحذية الرياضية، بعد أن وجد أن هذه الثقافة تنسجم مع مجال عمله في التسويق، إذ يقول "ثقافة الأحذية الرياضية تزخر بالدروس في مجال التسويق وبناء العلامة التجارية والتواصل. وتتخطى هذه الأحذية مفهومها التقليدي، لأنها تستند إلى خلفيات معينة وتستوحي من الموسيقى والرياضة، كما أنها تملك بعداً تاريخياً".

عوامل نجاح

التحلي بالإيجابية هو العنصر المشترك بين جميع استراتيجيات هيدج من أجل النجاح، إذ يرى أن الالتزام بالنظرة التفاؤلية يمنح القدرة اللازمة لمواصلة السعي حتى تحقيق الأهداف.

على الرغم من ذلك يؤكد أن الإخفاقات جزء لا يتجزأ من حياتنا، وينطبق ذلك بلا شك على مجال ريادة الأعمال؛ فقد واجه هيدج بعض العقبات الصغيرة مروراً بصفقات متوقفة، لكنه كان يحرص على ترك العقبات والإخفاقات وراءه والمضي قدماً بثقة، لأن متعة النجاح تكون أكبر بعد تكرار المحاولات، كما يقول.

ويعتقد هيدج أن النجاح رحلة مستمرة لا تقف عند حد معين، ما يدفعه إلى العمل على تحقيق المزيد من النجاح في المستقبل، ويمنح الأهمية الكبرى للاستمرارية على الرغم من وجود تحديات.

يتطلع هيدج إلى مواصلة العمل والاستفادة من الفرص المتاحة في أسواق رأس المال في الهند، وإنجاز عمليات استحواذ استراتيجية في جميع أنحاء آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، على أمل تحقيق المزيد من النمو.

أما نصيحته لرواد الأعمال فهي: "لا تفقدوا الشغف بداخلكم، ولا تكترثوا بالتقلبات الاقتصادية قصيرة الأمد أو النكسات الطفيفة، حاولوا الاستمرار حتى الوصول إلى أهدافكم".


image
image