وصف الرئيس التنفيذي ورئيس شركة بوكينغ هولدينغز (Booking Holdings)، غلين فوغل، النتيجة التي يتخيّلها لدى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين حجوزات السفر، وقال إنه يعدّه أداة يمكن أن تساعد في تحقيق رؤيته لـ "الرحلة المتكاملة".
ولكن ما هي الرحلة المتكاملة؟ يرتكز هذا المصطلح إلى كيفية حجز السفر في الماضي، فقبل بضعة عقود فقط، كان المسافرون يعتمدون على وكلاء السفر البشر لحجز رحلاتهم. وهؤلاء الوكلاء يعرفون بعض المعلومات عن المسافرين، وتفضيلات سفرهم، والتكلفة التي يمكنهم تحمّلها، ويعتمدون على هذه المعلومات لاختيار حجوزاتهم. لكن منذ ظهور الإنترنت والحجز الذاتي، يخطط العديد من المسافرين للرحلات بمفردهم، وقد تكون هذه العملية محبطة ومتعبة.
وأوضح فوغل أن الذكاء الاصطناعي المولّد للنصوص قادر على إنشاء محادثة بين المسافرين والوكلاء، لكن الوكلاء هذه المرة سيكونون أنظمة ذكاء اصطناعي يتّصفون بالقدرة على توفير توصيات وخطط سفر متخصصة. ويعتقد فوغل أن خدمة العملاء هي مجال آخر يمكن تحسينه باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وقال فوغل في جلسة افتراضية ضمن مبادرة الرؤساء التنفيذيين (CEOi) من فورتشن (Fortune) يوم الاثنين بقيادة الرئيس التنفيذي لفورتشن، آلان موراي: "نتخذ خطوات منهجية وحذرة في هذا السياق". وتستخدم شركة بوكينغ بالفعل برامج مساعدة متاحة قائمة على نظام تشات جي بي تي (ChatGPT)، لكن فوغل يريد فقط إضافة التكنولوجيا بطريقة مسؤولة ومدروسة، وقال: "لا أحد يريد أن يفسد سفره، لذلك علينا توخي الحذر لضمان أننا لا نقوّض الثقة التي بنيناها على مدى سنوات عديدة".
وأثار الذكاء الاصطناعي اهتماماً كبيراً لدى قادة الأعمال الذين ذُهِلوا بإمكانيات أدواته وسهولة الوصول إليها، وذلك بالتوازي مع الحرص أيضاً على تأثيرها المحتمل في المستقبل.
وقال نائب الرئيس والرئيس التنفيذي للمنتجات والتكنولوجيا في شركة بي دبليو سي (PwC)، جو أتكينسون: "يترافق نمو الذكاء الاصطناعي مع سؤال مهم بشأن الطريقة الصحيحة لاستخدامه، ويحاول كلٌّ من العملاء الذين أتواصل معهم معرفة الطريقة الأسرع للمضي قدماً مع الذكاء الاصطناعي، وأن تكون الطريقة المثلى والمدروسة لذلك أيضاً".
وأضاف أتكينسون إن ما يدفع إلى الحذر هو المخاوف بشأن السرية والمعلومات الخاضعة للملكية، خاصة في أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستند إلى إتاحة الوصول المفتوح للتكنولوجيا. وهناك أيضاً مخاوف بشأن كيفية استخدام التكنولوجيا والاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي بشكل فعال وبالطرق الصحيحة، وكذلك كيفية إعداد الناس للتعامل معه. والسؤال هنا، كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الإنتاجية والوظائف؟
وأوضح قائلاً: "نعتقد أن الأمر يتعلق بتدريب الأشخاص على الاستفادة من التكنولوجيا، لأننا نعلم أن هذه التكنولوجيا سوف تنتشر على أية حال حتى لو لم يكن الموظفون مستعدين لها. لذلك، فإن جزءاً من مسؤولية الحل تقع على الشركات، وخاصة الكبيرة منها، في مساعدة موظفيها على الاستعداد للتغييرات القادمة".
ويشجّع الرئيس التنفيذي ورئيس شركة غايدويل ميوتشوال هولدينغ كوربوريشن (GuideWell Mutual Holding Corporation) وشركة فلوريدا بلو (Florida Blue)، باتريك جيراغتي، فرقه على تجربة هذه التكنولوجيا، لكن وفق معايير معينة.
وقال جيراغتي: "نسلك مساراً أكثر حذراً عندما يتعلّق الأمر بالتطوّرات التي تصبح متاحة العموم، فعلى الرغم من أننا نشجع الإبداع، نحاول أيضاً فعل ذلك في الأوساط التي يترتّب علينا إدارتها بمسؤولية".
وأضاف إنه ما يزال هناك ما يجب فعله قبل اكتشاف كيفية تشجيع الأطباء أو الممرضات على استخدام الذكاء الاصطناعي بصفة برنامج مساعد، إذ يمكن أن يكون لهؤلاء الأشخاص في كثير من الأحيان انتماءات متعددة ليس فقط للمستشفيات، ولكن أيضاً للمنافسين.
ولكن على الرغم من الحذر، قال جيراغتي إن كل اجتماع لمجلس الإدارة عقده هذا العام تضمّن بنداً أساسياً بشأن الذكاء الاصطناعي ونظام تشات جي بي تي للتأكد من أن المجلس يفكر في المرحلة المقبلة في سياق التكنولوجيا الناشئة.
وشركة مايكروسوفت متفائلة بشكل خاص بشأن الذكاء الاصطناعي بعد أن استثمرت 10 مليارات دولار في شركة أوبن أيه آي (OpenAI) التي أوجدت نظام تشات جي بي تي.
وقال نائب الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال والاستراتيجية والمشاريع في شركة مايكروسوفت كريس يونغ إن "كمية الجهد الذي يُصرَف لتطوير الذكاء الاصطناعي واضحة".
وأقرّ يونغ بأن المخاوف المتعلقة بالمعلومات الخاضعة للملكية مُحقّة، كما أن شركة مايكروسوفت غالباً ما تركّز على تثقيف العملاء بشكل أفضل بشأن إجراءات الحماية المناسبة المعمول بها لضمان حماية معلوماتهم.
والمشكلة الأخرى الشائعة هي ضخامة الفرص المرتبطة بهذه التكنولوجيا، إذ إن العديد من الشركات لا تدرك من أين تبدأ. وأشاد يونغ بمفهوم استخدام الذكاء الاصطناعي بصفة برنامج مساعد، أي بشكل أدوات يمكن أن تعمل بالشراكة مع الموظفين لتعزيز الإنتاجية، وهذا المفهوم يثير قلق الموظفين من إمكانية تأثير الذكاء الاصطناعي على وظائفهم، لكن يونغ متفائل بشأن الفرص والإمكانات.
إذ قال: "سوف نشهد تغييرات دائمة في طرق عمل الشركات كلما دخلت تكنولوجيا جديدة بإمكانيات كهذه إلى السوق، وهناك طرق متنوعة للاستفادة من ذلك كله، سواء كانت تدريب الموظفين بطرق مختلفة أو إعادة توجيه بعض المهام التي ينجزها الموظفون البشر في فئات مختلفة. لكنني أعتقد أن الفرصة الآن هي لبناء الاقتصاد وتنميته مقابل التخلّص مما يجب التخلّص منه حالياً".
واتفق أتكينسون مع هذه الآراء، وأوضح أن كل ابتكار تكنولوجي رئيسي يثير تساؤلات بشأن إحلال الآلات محل الموظفين، وقال: "هناك دائماً تغيير في طبيعة المهام ومن ينفذها، لكن إذا ساعدت الموظفين على الاستعداد لهذا التغيير، سوف تتمكّن من الاستفادة من فرص النمو المصاحبة له، وأعتقد أن هذا المسار هو الذي يسلكه معظم عملائنا حالياً". وفي نهاية المطاف، يعترف الرؤساء التنفيذيون بأنه لا يوجد ما يوقف مسيرة الذكاء الاصطناعي إلى الأمام.
إذ قال الرئيس التنفيذي لشركة سكيل سوفت (Skillsoft)، جيف تار: "نعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على كل وظيفة عمل معرفي تقريباً بطريقة أو بأخرى". وعندما أطلقت شركة تكنولوجيا التعليم سكيل سوفت للمرة الأولى مساقاً تعريفياً عن الذكاء الاصطناعي المولّد للنصوص، لاقى اهتماماً هائلاً لدرجة أن عدد المسجلين قد بلغ أربعة أضعاف المساق التالي الأكثر شعبية الذي قدمته الشركة على الإطلاق.
وفي الوقت نفسه، تعتقد شركة ثريفنت (Thrivent) أن نموذج البرنامج المساعد كفيل بمساعدة مستشاريها على توفير الوقت لخدمة عملائهم بشكل أفضل، إذ قال الرئيس التنفيذي للشركة ورئيسها، تيري راسموسن: "أعتقد أن الذكاء الاصطناعي المولّد للنصوص أداة فائقة الأهمية في ميدان الخدمات المالية، وتتصف بالقدرة على تغيير ملامح الأعمال تماماً".