تتراوح نسبة المشاركة الحالية للمرأة في القوى العاملة بين 20% و40% بالنسبة لمعظم دول المنطقة، وتأتي دول الخليج في المراتب الأولى للتصنيف، في حين تأتي مصر والأردن في المراتب الأخيرة. زادت مشاركة المرأة في القوى العاملة، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل ملحوظ منذ التسعينيات، حسب استطلاع بي دبليو سي (PWC Middle East) للمرأة العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2022، ومن المرجح أن تحظى النساء الشابات في المنطقة بفرص للمشاركة في العمل بنسبة أكبر من أي وقت مضى.
وتقول الشريك المسؤول عن التنوع والشمول في بي دبليو سي الشرق الأوسط (PWC Middle East)، نورما تقي، لفورتشن: "حققت دول مجلس التعاون الخليجي، لاسيما الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، أكبر تقدم في مجال مشاركة النساء في القوى العاملة خلال السنوات الأخيرة. ففي الإمارات العربية المتحدة، زادت مشاركة المرأة زيادة ملموسة لتصل إلى 40.6% في عام 2018 مقارنة بنسبة 29.2% في عام 1990. وتشكل المرأة الآن 66% من القوى العاملة في القطاع العام، وتشغل 30% منهن مناصب قيادية".

على الرغم من هذا التحول الكبير، إلا أن النساء يمثلن 23% من العاملين في المناصب الإدارية بالإمارات، وهن لا زلن يواجهن عوائق يشكل عام، متمثلة بعدم وجود توازن بين العمل والحياة، ورغبتهن في الاستثمار بتطوير مهاراتهن مقابل قلة الفرص للقيام بذلك، ومحدودية الفرص العادلة للتقدم الوظيفي.
وتقول تقي إنّ النساء في دول مجلس التعاون الخليجي يشكلن ما يزيد قليلاً على نصف الطلاب المسجلين في التعليم العالي. وتضيف: "على الرغم من عدد النساء المتعلمات، ما تزال المشاركة في القوى العاملة أقل من الرجال (88% مقابل 47%). إضافة إلى ذلك، يواجه أرباب العمل تحديات خلال المسار الوظيفي للمرأة في القوى العاملة، فمن المرجح أن تترك النساء العمل مع تقدمهن في السن، لأسباب مختلفة، بما فيها عدم التقدم الوظيفي الذي يمكّنهن من تحقيق التوازن بين مسؤولياتهن المهنية والعائلية، إلى جانب التحيز في مكان العمل، ونقص التدريب وفرص التطوير، ونقص السياسات التي تدعم التقدم الوظيفي للمرأة، إلخ".
وتشرح أنّ ذلك يتزامن مع بدء وصول الحياة المهنية إلى الذروة عندما تتولى المرأة مناصب قيادية. ونتيجة لذلك، فإن تمثيل المرأة في المراكز العليا منخفض. إذ تمثل النساء 17% فقط من أعضاء مجلس الإدارة في الإمارات العربية المتحدة، منهن 12% فقط برتبة رئيسات تنفيذيات حسب التقرير.
أهمية اعتماد ثنائية رجل وامرأة في الإدارة
تجدر الإشارة إلى أنّ التنوع بين الجنسين في مجالس الإدارة يحظى بعناية بالغة في جميع أنحاء المنطقة ويترأس جداول أعمال الشركات كما أشارت تقي، وقالت "أدرجت الإمارات والسعودية والبحرين وعمان وقطر والكويت تمكين المرأة في رؤاهم".
تعد فرق العمل المتنوعة أكثر ابتكاراً وإبداعاً؛ إذ يتم العمل في بيئة تضم أشخاصاً من خلفيات ووجهات نظر وخبرات ومجموعات مهارات مختلفة على حد تعبيرها. وبالتالي، يزيد التنوع بشكل مباشر من الربحية وقيمة المساهمين. "تعمل القيادات النسائية على إلهام جيل الشباب للوصول إلى مناصب قيادية. ويسلط تقريرنا الضوء على مدى أهمية وجود نماذج نسائية في المستويات الإدارية العليا لتحفيز وتشجيع الكوادر النسائية الشابة".
وعلى الرغم من ذلك، تشعر 72% فقط من النساء اللواتي أجريت معهن مقابلات في التقرير بوجود تمثيل نسائي مناسب في المستويات الإدارية العليا. وتقول تقي إنه من خلال مناقشات مجموعات استطلاع الآراء، تحدث العديد من النساء عن الرغبة في محاكاة النماذج النسائية، وبالتالي إلهام النساء الأخريات، ومنهن بناتهن، لاتباع خطاهن. وتمثل تهيئة النساء للقيادة وخلق مسار قيادة أكثر تنوعاً أمراً بالغ الأهمية لخلق فرق قيادة أكثر توازناً بين الجنسين، ما يشجع بدوره على مشاركة الشابات.
أبرز القطاعات التي لمعت فيها النساء في المنطقة
يشير التقرير إلى أنّ المرأة العربية تحظى بتمثيل جيد في التعليم العالي في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) مقارنة بنظيراتها في أماكن أخرى. وتتراوح نسب الخريجات من النساء في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ما بين 34% (في مصر والمملكة العربية السعودية) و56% (في سلطنة عمان)، وهي نسبة أعلى بكثير من الولايات المتحدة (22%) أو أوروبا (34%). تُعد أيضاً منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا موطناً لعدد متزايد من رائدات الأعمال.
وتُظهر منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا بعضاً من أعلى معدلات ريادة الأعمال لدى النساء في العالم، حسب ما أشار تقرير ريادة الأعمال للسيدات: الازدهار من خلال الأزمة، الصادر عن شركة الأبحاث غلوبال إنتربرنيورشيب مونيتر (Global Entrepreneurship Monitor) عام 2021.
وعن كيف يمكن للشركات العربية تمكين المرأة أكثر، تقول تقي إنه يمكن للمؤسسات أن تدمج سياسات وممارسات عادلة في أماكن العمل تساعد النساء في التغلب على العقبات التي يواجهنها، بما فيها، على سبيل المثال، تطوير وتنفيذ برامج الرعاية والتوجيه التي توفر دعماً مخصصاً ووصولاً متكافئاً إلى الفرص التي تمكّن المرأة من تحقيق النمو.
تضيف تقي إنه "ينبغي على المؤسسات أن تستثمر الوقت والموارد اللازمة لترسيخ هوية وثقافة مؤسسية تدعم التنوع من أجل الاحتفاظ بالكوادر النسائية واستقطابها. ويجب أيضاً دعم ذلك عبر إجراءات تُتخذ على جميع المستويات المؤسسية".
و"يتعين وضع مؤشرات أداء رئيسية وأهداف لجميع القيادات والمدراء في المستويات العليا تقيس مدى التقدم المُحرز بدعم الشابات في تطوير مسيرتهن المهنية باستخدام معايير واضحة في كل مرحلة من مراحل حياتهن المهنية. كما يتعين أن يخضع القادة والمدراء إلى المساءلة لضمان أن كل فرد يضطلع بالدور المسؤول عنه. ويتعين على أصحاب العمل وواضعي السياسات والمؤسسات الأكاديمية والتدريبية أن يتعاونوا لتحديد الاحتياجات من المهارات ومناهج التدريب التي يمكن أن تستهدف النساء لضمان تطوير مهاراتهن المواكبة لتطورات المستقبل"، حسب الشريك المسؤول عن التنوع والشمول في بي دبليو سي الشرق الأوسط.
وبالاعتماد على التوجه الناجح الذي يهدف إلى زيادة عدد الشابات اللواتي يدرسن في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في الجامعات، يمكن لأصحاب العمل أيضاً إنشاء خطوط إمداد محلية من المواهب النسائية اللاتي يمكنهن الانضمام إلى الشركات مباشرة بعد التخرج والانطلاق في حياتهن المهنية، حسب تقي. "كما يمكن لتدابير، مثل تحليل فجوة الأجور بين الجنسين، أن تساعد في تشخيص هذه الفجوة، وفي توجيه التدخلات المستهدفة لتحقيق التكافؤ في الأجور. كما يمكن أيضاً لسياسات زيادة إجازة رعاية الطفل أن تدعم الأمهات المستجدات مع تغيير الاتجاهات إزاء عبء رعاية الأطفال الذي يقع على عاتق المرأة".
وعن أبرز التحديات التي اعترضت مسيرتها وكيف تخطتها، تقول : "لقد عملت لدى مؤسسات وأشخاص لم يكن لديهم أي تحيز قائم على أساس الجنس، وكانت الفرص تتاح على أساس الجهد والجدارة. إنما، وكمعظم النساء في حياتهن المهنية، عانيت من متلازمة الخوف والشك في قدراتي الشخصية في مرحلة ما من حياتي المهنية. وإذا كان لابد أن أذكر مثالاً على ذلك، فقد كانت موافقتي على أداء دور قبل أن أكون متأكدة بنسبة 100% من قدرتي على القيام به عقبة كبيرة بالنسبة لي، وقد تغلبت عليها من خلال التعاون مع الزملاء والمشرفين المناسبين طوال مسيرتي المهنية".
وفي الختام، تنصح تقي النساء بأن يكون لديهن مرشد في وقت مبكر من حياتهن المهنية وراعٍ يفتح الأبواب أمامهن مع تقدمهن في حياتهن المهنية، وكلاهما ضروري في التطوير الشخصي والمهني. يلعب الموجه والراعي دورين منفصلين ولكنهما متساويين في الأهمية فيما يقدمانه من دعم لتحقيق النمو. فالمرشدون دورهم توجيهك وإسداء المشورة لك، ويستفيد الرعاة من قوتهم في تمكينك.
تقول تقي "كوني قدوة حسنة ومثالاً يحتذى به في التحدث ضمن الاجتماعات وشجعي الآخرين على القيام بنفس الشيء. وإذا رأيتِ امرأة لا تشارك، فادعيها للمشاركة في المحادثة. شجعي النساء الأخريات على الإيمان بأنفسهن وقومي بتأييدهن عندما تستطعين ذلك. تميل النساء إلى التقليل من شأن أنفسهن ويتأثرن أكثر بمتلازمة المحتال، لذا تأكدن من اغتنام الفرص لتكمل إحداكما الأخرى بصورة أصيلة. تأكدن أنكن وصلتن إلى ما أنتن عليه لأنكن استحققتن ذلك عن جدارة؛ ولم يكن ذلك بفضل أي أحد، بل أنتن من بذلتن كل ما يلزم للوصول إلى هذه المكانة".