المحتوى محمي
المحتوى محمي
آراء وخبرات

دور التكنولوجيا في تحقيق الأمن الغذائي في الخليج

أدّى التعاون بين الشركات الإماراتية والفرنسية في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة مؤخراً إلى تطوير أكثر من 6.2 غيغاواط من مشاريع الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم، مع وجود اثنين من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في دولة الإمارات.

بقلم


money

ليث الدويري، الرئيس التنفيذي لشركة تكنولوجيا الهندسة البيئية (EnvEnTech) (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

تمثّل عملية معالجة الأمن الغذائي تحدياً كبيراً للحكومات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. اليوم أكثر من أي وقت مضى، ومع الاعتماد على الواردات ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، من الضروري التكيّف مع التقنيات الجديدة لإنتاج غلّات كافية من الموارد الغذائية الموثوقة والميسورة التكلفة

تتصدر دولة الإمارات المسيرة الإقليمية للاستدامة من خلال مبادراتها الطموحة للعمل المناخي. ومن خلال الرؤية البيئية 2030 والالتزام بجعل عام 2023 "عام الاستدامة"، خصصت الدولة ميزانية ضخمة للموارد الخضراء بهدف تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

فعلى سبيل المثال، أدّى التعاون بين الشركات الإماراتية والفرنسية في قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة مؤخراً إلى تطوير أكثر من 6.2 غيغاواط من مشاريع الطاقة النظيفة في جميع أنحاء العالم، مع وجود اثنين من أكبر مشاريع الطاقة الشمسية في دولة الإمارات. ونتجت عن هذه الشراكة أيضاً استثمارات بقيمة 6 مليارات دولار، فضلاً عن تجنب ما يقرب من 10 ملايين طن من انبعاثات الكربون سنوياً.

وانطلاقاً من جهودها المستدامة، تقدم الدولة مثالاً للأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات الأراضي شبه القاحلة، من خلال السعي الدؤوب للاستثمار في التكنولوجيا الزراعية والحفاظ على المياه، وذلك استجابةً لدعوة مؤتمر الأطراف كوب 28 (COP28) لإنتاج الغذاء المستدام واعتماد الممارسات الآمنة بيئياً. 

وبينما نستلهم من هذا الالتزام المثالي بحماية البيئة، يمكن للتكنولوجيا أن تساعد دول مجلس التعاون الخليجي في تلبية الطلب المتزايد على الغذاء مع تذليل العقبات التي تحول دون تحقيق الأمن الغذائي. 

التكنولوجيا الزراعية

تُحدث التكنولوجيا الزراعية اليوم ثورة في قطاع الزراعة من خلال أنظمة الري الحديثة والزراعة الدقيقة والتحليلات المبتكرة. سيؤدي هذا النهج الزراعي الحديث والمدعوم من قبل التكنولوجيا إلى الحد من استهلاك المياه بشكل كبير، وزيادة كفاءة الموارد، وتحسين غلّة المحاصيل. ومن شأن الأدوات التعاونية التي توفرها التكنولوجيا أن تسهم في تمكين المزارعين من تبادل أفضل الممارسات، والاستفادة من أحدث التقنيات؛ وبالتالي تعزيز ممارسات الزراعة المستدامة. 

الزراعة الدقيقة

يمكن استخدام التكنولوجيا المتطورة، مثل نظم المعلومات الجغرافية (Geographic Information Systems)) وأدوات الاستشعار عن بعد، لإنشاء خرائط دقيقة للأراضي ومساعدة المزارعين على تحسين غلاتهم من خلال توفير معلومات حول رطوبة التربة ومستويات المغذيات وصحة المحاصيل. ويمكن أن يساعد ذلك في زيادة الإنتاج وتقليل النفايات، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز الأمن الغذائي.

فمن خلال استخدام التكنولوجيا المستندة إلى البيانات، يمكن للمزارعين مراقبة محاصيلهم بعناية والتأكد من أنها تتلقى الكمية المثلى من العناصر الغذائية اللازمة لتحقيق أقصى قدر من الإنتاج. ويمكن أن يساعد ذلك في زيادة غلة المحاصيل وتقليل كمية النفايات الغذائية التي عادةً ما يتسبّب بها فشل المحاصيل.

الزراعة المقاومة للمناخ

من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة مثل أنظمة الري الدقيقة والمحاصيل المقاومة للجفاف ونمذجة المناخ؛ يمكن للمزارعين التكيّف مع أنماط الطقس المتغيرة والتخفيف من أثر تغيّر المناخ على إنتاج الغذاء. ويسهم ذلك في زيادة الإنتاجية في قطاع الأغذية بشكل عام، وبالتالي الارتقاء بالأمن الغذائي على المدى الطويل.

الزراعة العمودية

إن زراعة المحاصيل في طبقات مكدّسة عمودياً في ظل ظروف خاضعة للرقابة قد يسهم في زيادة إنتاجية الأرض والحد من استخدام المياه. توفر هذه الطريقة الزراعية عالية التقنية القدرة على إنتاج المحاصيل على مدار العام في الداخل ضمن المناطق الحضرية، ما يقلل من الاعتماد على الواردات الغذائية ويعزز الأمن الغذائي. ومن خلال الزراعة العمودية الآلية باستخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي؛ يمكننا زيادة غلّة المحاصيل بما يصل إلى 70% مقارنة بأساليب الزراعة التقليدية. يمكن لهذه التقنية أيضاً تقليل استخدام المياه بنسبة تصل إلى 95% والقضاء على الحاجة إلى مبيد الآفات المستخدم ضد الحشرات.

الزراعة المائية: أكوابونيك

الأكوابونيك (Aquaponics) هو نظام زراعة مبتكر يجمع بين تربية الأحياء المائية والزراعة المائية، إذ تتم تربية الأسماك والنباتات معاً في نظام متكامل ومستدام، ما يتيح إنتاج محاصيل صحية وطازجة بأقل قدر ممكن من المياه.

تتبّع الأغذية والتحقق من مصادرها

من خلال استخدام التقنيات المتطورة مثل البلوك تشين وأجهزة الاستشعار لتتبّع المنتجات الغذائية من المزرعة إلى المائدة؛ يمكننا تعزيز المساءلة والشفافية في سلسلة الإمدادات الغذائية. ويلعب كل فرد في سلسلة التوريد الغذائي دوراً حيوياً في ضمان سلامة طعامنا والتأكد من التعامل معه بشكل سليم وعدم تعرضه للسموم أو المواد الضارة في طريقه إلينا. ويمنحنا هذا المستوى من الشفافية القدرة على التصدي للاحتيال الغذائي والحد من هدر الطعام وتحسين سلامة الأغذية واتخاذ تدابير إضافية لتعزيز أمن إمداداتنا الغذائية.

معالجة الأغذية وحفظها

توفّر التكنولوجيا استخدامات عدة لمعالجة الأغذية وحفظها بشكل فعّال، فضلاً عن تمديد صلاحيتها وبالتالي تقليل مخلفات الطعام والنفايات، الأمر الذي يعد فائق الأهمية خاصةً في المناطق الجافة مثل دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث يتم استيراد الكثير من المواد الغذائية بحكم التوافر المحدود للمنتجات الطازجة. يمكن للابتكارات الجديدة، مثل معالجة المواد الغذائية بالضغط العالي (High-Pressure Processing) والتعبئة في الغلاف الجوي المعدّل (Modified Atmosphere Packaging) وتقنية البلازما الباردة، أن تعزز قدرتنا على حفظ الطعام بشكل كبير.

يسهم الضغط العالي في القضاء على مسببات الأمراض مع الحفاظ على المحتوى الغذائي والطعم. وتقوم عملية التعبئة في الغلاف الجوي المعدّل بتغيير تركيبة الغازات داخل عبوات المواد الغذائية لإبطاء التلف، في حين تستخدم تقنية البلازما الباردة الغاز المؤيّن للتخلص من الكائنات الحية الدقيقة الموجودة على أسطح الطعام دون التأثير على جودة الطعام. ومن خلال معالجة الأغذية وحفظها؛ يمكننا تقليل اعتمادنا على الواردات نسبياً وضمان توافر الغذاء والوصول إليه في الظروف المواتية والصعبة على حد سواء.


image
image