يعود سؤال الاستثمار في الذهب أم البيتكوين دائماً إلى الواجهة. وتختلف الآراء في هذا السياق على نطاق واسع، فمثلاً يفضّل الملياردير والمناصر لقطاع التشفير، مارك كوبان، البيتكوين وينتقد الذهب، بينما يخالفه الرئيس التنفيذي لشركة يورو باسيفيك كابيتال (Euro Pacific Capital)، بيتر شيف، الرأي ويفضّل العكس.
ولدى نسيم نقولا طالب بعض الأفكار أيضاً، إذ ركّز مؤلف كتاب البجعة السوداء (The Black Swan) الأكثر مبيعاً لعام 2010 بتصنيف صحيفة نيويورك تايمز، والذي كان من القلائل الذين توقعوا الأزمة المالية في 2007-2008، على نقاش ذلك السؤال في مقابلة مع المجلة الفرنسية الأسبوعية ليكسبريس (L’Express). لكن يمكننا مبدئياً أن نقول إن البيتكوين لم تنل إعجابه، إذ تراجعت هذه العملة بأكثر من 60% منذ بداية عام 2022.
"التكنولوجيا تظهر وتزول"
قال طالب إن إحدى مشاكل البيتكوين هي أننا "لسنا متأكدين من اهتمامات الأجيال القادمة وطرق تفكيرهم وتفضيلاتهم، إذ إن التكنولوجيا تظهر وتزول، لكن الذهب يبقى، على الأقل مادياً. أما البيتكوين، فقد تنهار إذا أُهمِلت لفترة وجيزة". وأضاف إنه "لا يمكننا أن نضمن أن طريقة عمل البيتكوين التي تعتمد على إدخال معلومات ما في سجل يتطلّب صيانة دائمة من أشخاص مهتمين ومتحمّسين قد تحفظ القيمة المادية للعملة لأي فترة من الزمن، والتي تعد أحد شروط القيمة المالية". ولدى سؤاله عن أسباب "جنون العملات المشفرة"، أشار إلى انخفاض أسعار الفائدة على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية.
وقال: "إن خفض أسعار الفائدة يخلق فقاعات أصول دون أن يكون مفيداً للاقتصاد بالضرورة، فلم يعد رأس المال مكلفاً، وأصبحت العوائد على الاستثمار الخالية من المخاطر منخفضة للغاية، بل وحتى سلبية، ما دفع الناس إلى المضاربة. وبذلك فقدنا إحساسنا بفائدة الاستثمار طويل الأمد، وهذا ما يمكن اعتباره نهاية التمويل الحقيقي". وأضاف إن إحدى النتائج كانت "ظواهر تنتشر كالأورام الخبيثة مثل البيتكوين".
"فقاعة كل شيء"
طالب ليس الوحيد الذي أشار إلى آثار ما أطلق عليه اسم "فقاعة كل شيء"، والتي نشأت نتيجة سنوات من السياسات النقدية المتساهلة من الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الأخرى في أعقاب الأزمة المالية الكبرى. ومثلما ذكرت فورتشن (Fortune) هذا الأسبوع، كان عصر المال السهل مليئاً بالمناصرين المتفائلين الذين ظنّوا أن تلك الفترة الذهبية لن تنتهيَ أبداً، من خبراء التشفير إلى مدراء صناديق التحوط والخبراء الاقتصاديين والبنوك الاستثمارية. ومن المثير للاهتمام أن طالب كان من داعمي البيتكوين في بدايتها، وكان حينئذ ينتقد ممارسات رئيس الفيدرالي الأميركي بن بيرنانكي، حسب ما قاله لمجلة ليكسبريس.
وقال إن بيرنانكي لم يرَ المخاطر الهيكلية في النظام المالي قبل أزمة عام 2008، وأضاف أيضاً: "بدلاً من تصحيح الديون وتخفيف المخاطر الخفية، لجأ بيرنانكي إلى تغطيتها بسياسات نقدية كان من المفترض أن تكون مؤقتة فقط، واعتقدت خطأً أن البيتكوين ستكون منيعة ضد تشوهات هذه السياسة النقدية".
"المتلاعبون والمحتالون"
حذّر طالب أيضاً من أن "قطاع التشفير يجذب المتلاعبين والمحتالين". ولم يكن الوحيد الذي حذّر من ذلك. فقد قال الرئيس التنفيذي لشركة كوين بيس (Coinbase)، برايان أرمسترونغ، في قمة مؤسسي شركات التشفير (crypto Founder Summit) التي نظّمتها شركة أيه 16 زد (a16z) في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي: "يجب أن نعترف بصفتنا قادة قطاع التشفير أن هذا القطاع يجذب الكثير من المحتالين والمتلاعبين، وهذا مؤسف حقاً، لكنّه لا يمثّل كامل القطاع بالتأكيد".
وأضاف أرمسترونغ إنه استغرب من عدم وجود مؤسس بورصة إف تي إكس (FTX )، سام بانكمان فرايد، في السجن عندئذ، لكن ذلك قد تحقق بعد بضعة أسابيع.
وغرّد طالب على حسابه في تويتر هذا الأسبوع قائلاً إنه تعرّض للسخرية ولتشويه السمعة بسبب انتقاداته لقطاع التشفير، لكن هذه الهجمات قوبِلت "برسائل الشكر العديدة لإنقاذ الشباب من فخ البيتكوين". وشارك رسالة قال فيها أحد مستخدمي منصة تويتر إنه كاد يشتري بيتكوين قبل أن يتبع نصائح طالب، حيث قال المستخدم: "فهمت حينها السبب وراء اعتبار هذه العملات المشفرة محض هراء من الناحية النظرية، وكيف انهارت عند التطبيق الفعلي، وبذلك ساعدني طالب على عدم إنفاق الأموال التي جمعها والدي بشق الأنفس".
وفي الوقت نفسه، ما يزال العديد من المتفائلين بارتفاع قيمة البيتكوين مصرّاً على تفاؤله، حيث أكّدت الرئيسة التنفيذية لشركة آرك إنفست (Ark Invest)، كاثي وود، مؤخراً توقعها بأن البيتكوين ستصل إلى مليون دولار بحلول عام 2030، وها هي الآن أقل بقليل من 17,000 دولار. كما جادلت بقولها إن بانكمان فرايد لم يحب "الطابع الشفاف واللامركزي" لعملة البيتكوين "لأنه لم يستطع التحكم بها"، وأضافت إن إخفاق بورصة إف تي إكس ناجم عن "أطراف مركزية مبهمة". أما بالنسبة لكوبان، فقد قال في مدونة بيل ماهر الصوتية (البودكاست) كلوب راندوم (Club Random) الشهر الماضي: "أريد أن تنخفض قيمة البيتكوين كثيراً حتى أتمكن من شراء المزيد".