في كثير من الأحيان، يكون تناول مشروب ساخن وقطعة من الكعك في عيد ميلاد أحد الزملاء في خضم أسبوع عمل مزدحم نشاطاً مستحسناً. لكن أحد كبار مسؤولي الصحة قال إن السماح بتناول الكعك في مكاتب العمل "يقوّض الإرادة الحرة للموظفين"، مضيفاً إنه "سيئ بدرجة سوء التدخين السلبي".
وقد صدرت هذه التعليقات عن الأستاذة الجامعية في جامعة أكسفورد (University of Oxford)، سوزان جيب، التي ترأس أيضاً وكالة المعايير الغذائية (Food Standards Agency). وقالت في حديثها مع صحيفة التايمز (The Times): "نفضّل جميعاً أن نرى أنفسنا أشخاصاً عقلانيين وأذكياء ومثقّفين وأننا نتّخذ قرارات مستنيرة طوال الوقت وأن نستخف بأثر محيطنا على تلك القرارات.
فمثلاً، لن أتناول الكعك في المكتب أبداً إن لم يحضرها أحد، لكن لأن زملائي يحضرونها أحياناً، فإنني أشاركهم إياها. وفي مثال آخر، قد تتخذ قراراً بعدم الذهاب إلى مكان ما لكننا نجد أن زملاءنا ذاهبين إليه ويؤثر ذلك على قرارنا". وقد ظهر هذا الاتجاه عموماً بعد جهود الشركات لسنوات مضت لتعزيز جاذبيتها للموظفين. فعلى سبيل المثال، وضعت شركة إنشاء المحتوى سيروس (Ceros) مقهى في مكتبها ليكون بمثابة مكان للاجتماعات والترفيه للموظفين.
وتزخر مكاتب شركة جوجل بالمقاهي ومطاعم الوجبات الخفيفة التي تقدم العديد من الأطعمة، من الوجبات الصحية المصنوعة يدوياً إلى ألواح الشوكولا، كما تقيم شركات أخرى فعاليات لتناول البيتزا في المكتب أو الطعام في الخارج. فهل سنشهد عودة هذا الاتجاه مجدداً مع دعوات الشركات لعودة الموظفين للعمل من المكاتب بدلاً من تحفيزهم للعودة إلى المكتب حسب تفضيلاتهم الشخصية؟ قال مؤسس شركة ذا كالتشر بيلدرز (The Culture Builders) البريطانية ومديرها، كريس بريستون، إن السر هو التوازن.
وأوضح أن المكاتب يجب أن توفر مزيجاً من الوجبات الصحية والأطعمة اللذيذة مثل الكعك، وأضاف قائلاً: "قد يكون تناول الموظفين للكعك في مكان العمل دليلاً على ظاهرة أسوأ، ويجب على أصحاب العمل أن يسألوا أنفسهم لماذا لا نثقّف الموظفين حول الأنظمة الغذائية المتوازنة أو لماذا لا يتناولون غذاءً صحياً، إذ يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى أن الموظفين يعملون لساعات طويلة في الواقع وليس لديهم الوقت الكافي لتناول أي شيء غير الكعك".
ومن المزايا الأخرى الشائعة في مكاتب العمل سهولة الوصول إلى المشروبات، حيث يوفّر العديد من المكاتب هذا النوع من المشروبات بشكل دائم، حتى إن هذا الاتجاه أدى إلى ظهور شركات مثل ديسك بيرز (DeskBeers) التي توفر خدمات توصيل "مشروبات درجة رجال الأعمال". وأوضحت دراسة أجرتها ماريانا فيرتانين من المعهد الفنلندي للصحة المهنية (Finnish Institute of Occupational Health) نتائج مماثلة عند المقارنة مع المشروبات والإرهاق.
وبيّنت الدراسة أن أولئك الذين يعملون لساعات طويلة هم أكثر عرضة للإفراط في تناول المشروبات بنسبة 12%، حيث تناولت الدراسة بيانات من 61 دراسة مختلفة لإنشاء مجموعة بيانات تغطي أكثر من 330 ألف موظف في 14 دولة.
إذاً ما فوائد وجود الكعك في المكتب؟
أوضح بريستون أنه على الرغم من أن الإفراط في الاستهلاك يمكن أن يكون مؤشراً على ثقافة عمل ضارة، فإن وجود الكعك في المكتب يمكن أن يوحّد فرق العمل ويجمع شتاتهم.
وقال إن "وجود الكعك في بعض المناسبات مثل أعياد الميلاد قد يكون مفيداً لانخراط الجميع في هذه المناسبات، إذ يعتبر العديد من الموظفين أن المكتب هو منزلهم الثاني، لذا ينظرون إليه على أنه امتداد لحياتهم في المنزل ويريدون الاستمتاع بالأوقات السعيدة مع الأصدقاء".
وأضاف: "هناك بعض الخطوات التي يمكن لأصحاب العمل القيام بها إذا كانوا قلقين بشأن وجود الكثير من الكعك بشكل دائم، إذ يمكن مثلاً تحديد يوم واحد في الشهر لاحتفالات أعياد الميلاد وهي خطوة جيدة خصوصاً في فرق العمل الكبيرة، وهذا يعني أن الموظفين الذين تكون أعياد ميلادهم في شهر ما يمكنهم الاحتفال بها جميعاً في يوم واحد فقط في ذلك الشهر، ما يخفف من بقايا الطعام، ويقلل العبء المالي حيث يضطر الأشخاص في الحالات الأخرى لإحضار كمية كبيرة من الكعك لإطعام الفريق بأكمله".
وقدّمت متحدثة باسم شركة ديلوس كيكس (Deluce Cakes)، المتخصصة في صناعة الكعك والحلوى ومقرّها لندن، فكرة أخرى ممكنة تتمثل في اتباع نهج كعكة الزفاف. وأوضحت: "في حفلات الزفاف، لا تتوقع أن تحصل على قطعة كبيرة من الكعك، بل يجري تقطيع الكعكة إلى قطع صغيرة للحضور، وهكذا يمكنك أن تتناول قطعة من الكعك وأن تشارك زملاءك هذا النشاط ببساطة".
وقالت أيضاً إن الكعك المصنوع من مكونات طبيعية وعالية الجودة هو الأفضل دائماً، وأضافت: "ينطبق أسلوب الاعتدال في كل شيء على الطعام أيضاً، وإن فكرة الخوف من أن يفوتنا شيء ما (FOMO) في مكان المكتب مفهومة إلى حد ما، حيث تشير إلى خوف الموظفين عن بُعد من أن طبيعة عملهم تحرمهم من الانخراط والتواصل المباشر مع زملائهم، ولكن يجب على أصحاب العمل الوثوق بالموظفين وبقدرتهم على اتخاذ قرارات مستقلة وضبط النفس".