تمثّل التكنولوجية الأنثوية (FemTech) مجالاً حديثاً نسبياً، إذ ظهر هذا القطاع الناشئ منذ قرابة عقد من الزمن. ولذلك، لا يزال هناك العديد من الثغرات في الحيثيات المتعلقة بصحة المرأة وعافيتها. وفضلاً عن حداثة هذا القطاع التي تضعه في حالة مستضعفة، هناك عدد من الأسباب الأخرى التي تحد من فرص شركات التكنولوجيا الأنثوية في جمع الأموال مقارنة بالشركات الأخرى.
يشكل التحيّز الجنسي بين المستثمرين تحدياً كبيراً للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الأنثوية. إن معظم المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هم من الرجال، وعدم فهم احتياجات الرعاية الصحية للنساء يعطي الرجال الشعور بالتردد حيال الاستثمار في المنتجات المتعلقة بالمرأة. علاوة على ذلك، لا يزال هناك نوعاً من وصمة العار المرتبطة بالعديد من المواضيع الصحية للمرأة.
وتستمر الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا الأنثوية، والتي يتم غالياً تأسيسها وقيادتها من قبل النساء، في مواجهة التحديات نظراً لطبيعة القطاع الحسّاسة، ويشكّل الافتقار إلى البيانات السوقية والبحوث المعرفية تحدياً آخر لشركات التكنولوجيا الأنثوية، ونتيجة لذلك؛ تحصل رائدات الأعمال النساء على تمويل أقل مقارنةً بالشركات الناشئة التي يقودها الرجال.
منطقتنا في مؤخرة الدول الجاذبة للشركات والاستثمارات في مجال التكنولوجيا الأنثوية
وفقًا لوكالة التكنولوجيا الأنثوية (FemTech Analytics)، تواصل أمريكا الشمالية هيمنتها على سوق التكنولوجيا الأنثوية باحتوائها حوالي 55% من الشركات العاملة في هذا القطاع على مستوى العالم، تليها أوروبا (25%) وآسيا (8%). وبلغت حصة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من شركات التكنولوجيا الأنثوية 7% بنهاية عام 2021، وهي نسبة مقبولة بالنظر إلى المرحلة المبكرة التي يمر بها القطاع.
إن 4% فقط من الاستثمارات ذات الطابع التكنولوجي في علوم الحياة استهدفت التكنولوجيا الأنثوية العام الماضي. وتجاوزت الاستثمارات الرأسمالية العالمية فيها حاجز المليار دولار لأول مرة في عام 2021. ويتواجد 65% من المستثمرين في هذا القطاع في الولايات المتحدة؛ حيث يعمّ الابتكار والتكنولوجيا في شتّى القطاعات. وحتى نهاية عام 2021، تم استثمار أكثر من 10 مليارات دولار في شركات التكنولوجيا الأنثوية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها.
وبلغ إجمالي تمويل قطاع التكنولوجيا الأنثوية حوالي 14 مليار دولار نهاية العام الماضي. وبلغت الحصة الاستثمارية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يقارب 9% من التمويل العالمي، وبينما يستمر هذا القطاع بالتوسع إقليمياً، لا تزال المنطقة في مؤخرة الأقاليم المتقدمة في هذا المجال مقارنةً بالولايات المتحدة وأوروبا.
الإمارات في الصدارة إقليمياً
تتخذ ثلث شركات المنطقة في مجال التكنولوجيا الأنثوية من الإمارات مقراً لها، حيث يعد الابتكار وتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين من القضايا ذات الأولوية على الصعيد الوطني والاجتماعي وقطاع الأعمال.
وعلى الرغم من الحجم الصغير لسوق التكنولوجيا الأنثوية الإجمالي في المنطقة، تدخل الإمارات حالياً مرحلة جديدة من الرعاية الصحية للمرأة، مدفوعة بزيادة الوعي والانفتاح حول مواضيع صحة المرأة، وتعزيز سبل ريادة الأعمال من قبل النساء، وزيادة الطلب على منتجات وخدمات الصحة الإنجابية، والاهتمام المتزايد من قبل المستثمرين، فضلاً عن الدعم الحكومي.
مستقبل قطاع التكنولوجيا الأنثوية الناشئ في الإمارات
يتمتع قطاع التكنولوجيا الأنثوية بإمكانات نمو هائلة في دولة الإمارات. ولا تعود الفائدة منه على المرأة فقط، بل يستفيد منه أيضاً المستثمرون والمستشفيات والشركات التجارية وشركات الأدوية وشركات التأمين.
وتقوم شركات عالمية تختص بتسريع أعمال الرعاية الصحية النسائية بالتوسع في الإمارات، مثل شركة Organon التي بدأت عملياتها في الدولة في عام 2020.
وهناك شركات محلية أيضاً تم إطلاقها على صعيد المنطقة، مثل شركة Flat6Labs التي تهدف إلى ضخ رؤوس الأموال التأسيسية في المراحل المبكرة من شركات التكنولوجيا الأنثوية الناشئة.
تخطّي المحرّمات التي تحيط بصحة المرأة
بهدف التغلب على التحديات التي ترافق رائدات الأعمال وقطاع التكنولوجيا الأنثوية بشكل عام؛ نعمل على زيادة مستوى الوعي بأهمية هذا القطاع وتوفير البيانات السوقية والرؤى المستقبلية من خلال رفع التقارير وتنظيم المؤتمرات. وتمثّل هذه الأنشطة منصة معرفية لمعالجة الأخطاء الشائعة التي ترتكبها معظم رائدات الأعمال في القطاع أثناء الترويج لشركاتهن الناشئة، والطرق التي تمكنهن من تعديل عروضهن مع الحفاظ على وفائهن برؤيتهن.
ومن خلال مواصلة الحوار حول التكنولوجيا الأنثوية، يتمثل هدفنا بكسر الحواجز المحيطة بصحة المرأة تدريجياً، ومساعدة النساء في نهاية المطاف على الوصول إلى فرص تمويل متساوية مقارنة بالرجال.
الرهان على التكنولوجيا الأنثوية لتقليص الفجوة التمويلية
تشكل النساء حوالي 50% من مجموع السكان. لذلك، هناك حاجة كبيرة وإمكانات هائلة في شركات التكنولوجيا الأنثوية الجديدة ومنتجاتها وتقنياتها والاستثمار فيها، خاصة وأن القطاع لا يزال في مراحله المبكرة.
حظيت الرعاية الصحية للمرأة باهتمام كبير في السنوات الأخيرة. ويعود الفضل في ذلك إلى النقلة النوعية التي نشهدها في المفاهيم والتصورات الاجتماعية الثقافية تجاه قضايا المرأة الصحية في مجتمعاتنا. إذ يمكننا الآن وبشكل منفتح مناقشة العديد من الموضوعات التي لطالما قمنا بتجاهلها أو تجنبها في السابق. وسرعان ما تنجلي وصمة العار التي كانت تخيّم على القضايا المتعلقة بصحة المرأة، وباتت مجتمعاتنا مستعدة الآن لمناقشة الموضوعات المتعلقة بالدورة الشهرية والرفاهية الجنسية للمرأة ومرحلة انقطاع الطمث وغيرها. وهذا الانفتاح يساعد القطاع على الازدهار ويوفر أسساً سليمة لتوسيع آفاقه.
ويؤدي الوعي المتزايد والاكتشاف الذاتي المبكر والإدارة الأفضل للأمراض من قبل النساء بكافة الأعمار، إلى زيادة الطلب على الحلول التكنولوجية في القطاع. وحتى وقتنا الحاضر، لم تتم بعد تلبية مستويات هذا الطلب بالكامل.
كما أن النمو الذي نشهده في مجال الخدمات الصحية عن بعد يمنح النساء إمكانية الوصول بشكل أكبر إلى خدمات الرعاية الصحية في مراحل مختلفة من حياتهن.
إن جهود تمكين المرأة ومكافحة التحيّز الجنسي تمنح صناعة التكنولوجيا الأنثوية زخماً كبيراً. ونشهد اليوم حركة مستمرة لتعزيز المساواة بين الجنسين على صعيد الحكومات وقطاع الأعمال وحياتنا اليومية، وليس أقلها ضمن قطاع الرعاية الصحية.
أهم الشخصيات المؤثرة في مجال التكنولوجيا الأنثوية في الإمارات
هناك عدد من رائدات الأعمال اللواتي تمكنّ من البروز من خلال تقريرنا الأخير. بينهن سيدة الأعمال والمستثمرة الإماراتية اللبنانية الأمريكية إليسا فريحة، والتي قامت بتأسيس عدة شركات منها شركة إعلامية تحمل إسم Womena وتركز على إحداث تغيير إيجابي من خلال سرد القصص ونشر المحتوى الرقمي المتعلق بالمرأة.
ومنهن أيضاً، سوفي سميث، رائدة أعمال أخرى، وهي المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة "نبتة" التي تجمع بين خدمات الرعاية الصحية الرقمية والتقليدية لتوفر خدمة شخصية وشاملة للمرأة، بدءاً من الحديث بانفتاح عن هدف صحي معيّن، إلى التشخيصات وتحديد الخيارات العلاجية الشاملة.
ومشال وقّار، رائدة أعمال وشخصية بارزة. قامت مشال بإنشاء برنامج لتسريع الأعمال التجارية العام الماضي؛ يهدف إلى نقل رائدات الأعمال من مرحلة التأسيس المبكرة إلى مرحلة تحقيق الأرباح بغضون 60 يوماً.