هل تومئ برأسك وأنت تتكلم مع أصدقائك في أثناء استخدام هاتفك المحمول ثم تتوقف لتقول: عفواً، ماذا قلت؟ توقف عن ذلك. ففي حين أن تعدد المهام ليس أمراً سيئاً دائماً، إلا أنه لا ينبغي أن يشغل الجزء الأكبر من وقتك، إذ يمكن أن يضعف تعدد المهام قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات المهمة، ويمكن أيضاً أن يقلل إنتاجيتك بشكل غير متوقع. وإن التركيز مهارة فريدة، وتذكُّر هذه الفكرة دائماً سوف يساعدك على تعديل كيفية قضاء وقتك للاستفادة منه بأفضل شكل.

ألّف كيو مارك ميلشتاين، الحائز على درجة الدكتوراة، كتاباً جديداً بعنوان الدماغ المقاوم للتقدم بالعمر: استراتيجيات جديدة لتحسين الذاكرة، وحماية المناعة، ومحاربة الخرف (The Age-Proof Brain: New Strategies to Improve Memory, Protect Immunity, and Fight Off Dementia)، يستكشف فيه كيف أن تدريب الدماغ يجعله أقوى مع التقدّم ​​في العمر.

ويذكر في كتابه أن أدمغتنا تبدأ في الانكماش في سن الأربعين، ما يزيد من صعوبة التركيز والشعور بالإنتاجية، لذا فإن الحرص الدائم على التركيز طوال حياتك يمكن أن يحدث فرقاً، وهذا يعني العمل بصورة أبطأ وبإدراك كافٍ للانتقال من أداء مهمة إلى أخرى. ويقول: "يمكن أن يخدعنا دماغنا للتفكير بأننا ماهرون في أداء عدة وظائف وفي تعدد المهام، بينما يكون من الواضح تماماً أن تركيزنا أو أداءنا قد أصبح أسوأ".

مسألة نفسية بحتة

يقول ميلشتاين إن الحُصين، وهو جزء من الدماغ يرتبط إلى حد كبير بالذاكرة، يعمل بمثابة غرفة انتظار تقرر أي جزء من المعلومات هو الأهم، وقد لاحظ أنه عندما نؤدي مهام متعددة، فإننا لا نمنح الحُصين وقتاً كافياً لنقل المعلومات المهمة إلى الذاكرة طويلة المدى.

ويضيف إن الأمر يستغرق نحو 7 إلى 10 ثوانٍ فقط من التركيز الإضافي لترسيخ ذكرى معينة، لذا ليس غريباً أن ننسى المكان الذي وضعنا فيه مفاتيحنا إذا كنا نرسل في الوقت نفسه رسالة نصية إلى أحد أصدقائنا على سبيل المثال. ويوضح قائلاً: "عندما نؤدي مهام متعددة، فإننا نخبر أدمغتنا أن بعض الأشياء لا تستحق التذكر، أما تخصيص وقت إضافي للتركيز يخبر دماغنا أن المعلومات الموجودة في الحُصين تستحق التذكّر". 

فلكي نخبر أدمغتنا أن ثمة معلومات يجب تذكّرها، علينا فقط أن نخصص بضع ثوانٍ أخرى للتفكير في تلك المعلومات، وذلك من خلال زيادة تركيزنا على مهمة محددة والتوقف عن أداء أي وظيفة أخرى.

مشاعرك السلبية دليل على مشكلة ما

قد يكون ركود منتصف النهار أو الحاجة الشديدة إلى التنشيط في منتصف اليوم دليلاً على الإصابة بالإرهاق، ويفضّل في هذه الحالة التركيز على أداء مهمة واحدة بدلاً من أداء كل المهام المعلّقة في آن معاً. ويقول ميلشتاين: "تركيزك يشبه بطارية هاتفك المحمول نوعاً ما، فهو يُستنزَف طوال اليوم، وهناك أوقات معينة من اليوم ستكون فيها أقل تركيزاً وحينها تنخفض الإنتاجية".

ولمكافحة الإرهاق، ما عليك سوى وضع جدول زمني يقسم وقتك بين وقت للتركيز الخالص ووقت للراحة، وهذا يحاكي تقنية إدارة الوقت الشهيرة المسماة بومودورو (pomodoro)، وبذلك يصبح دماغك قادراً على أخذ قسط من الراحة ثم إعادة التركيز.

وتتضمن هذه التقنية عادةً تقسيم الوقت إلى فترات عمل مدّتها 25 دقيقة تليها فترات راحة قصيرة، وبذلك تدرك مقدار الوقت الذي يجب أن تخصصه لمهمة ما والوقت المخصص للاسترخاء.

وعندما يحين وقت التركيز مثلاً، اترك هاتفك جانباً وقلل من مصادر التشتيت التي تسبّبها وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الطقوس الاجتماعية المغرية، وخذ فترات الراحة هذه على محمل الجد ولا تعمل خلالها، حتى إذا كانت مهام لا تحتاج تركيزاً.

ويوضح ميلشتاين قائلاً: "يندهش الناس من مقدار ما يتذكّرونه عندما يبطئون قليلاً في عالم يدفعنا دائماً إلى القيام بمهام متعددة والتفكير بالخطوة التالية".

حافظ على وعيك ويقظتك

قد تستفيد فعلياً من قضاء فترات راحة للتنفس العميق وإغلاق عينيك والاستراحة لوقت قليل على مدار اليوم، ويمكن أن تؤدي ممارسة اليقظة الذهنية بصورة دائمة إلى تقوية قشرة الفص الجبهي في الدماغ، وهي مركز اتخاذ القرار، بنفس طريقة تقوية العضلات عن طريق ممارسة التمارين الرياضية، وهذا يحسّن قدرتك على الشعور بالوقت وتقدير اللحظة.

وإن أساس حماية الدماغ ليس التخلّي تماماً عن تعدد المهام، لكن عندما نتولى الكثير من المهام طوال الوقت وفي آن معاً، يؤدي ذلك إلى رفع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر) بشكل مزمن، وإلحاق الضرر بأدمغتنا مع التقدم ​​في العمر.

ويضيف ميلشتاين: "لا يجب أن تتجنّب تعدد المهام تماماً، إذ إن كل ما في الأمر أننا نقضي وقتاً طويلاً من يومنا أو حتى يومنا كله في ممارسة ذلك، وقد تكون هذه الممارسة مرهِقة أو مجهِدة".