يعتقد البعض أن المال هو المورد الأقل وفرةً، لكن هذا ليس صحيحاً في الواقع، وإنما هو الوقت. وإذا كنتم تعملون وفق جداولكم الخاصة، أو بشكل مستقل مثلاً، بدلاً من العمل في وظيفة ثابتة، فمن المحتمل أن يتوفر لكم وقت أكبر نسبياً لتقضوه في ممارسة ما تحبّونه.
ووجدت شركة إم بي أو بارتنرز (MBO Partners)، وهي شركة تكنولوجية تعمل مع المتعاقدين المستقلّين والشركات التي تتعاقد معهم، في دراستها الجديدة التي تحمل عنوان الغايات المنشودة (Life Goals) أن الوقت هو العامل المشترك بين الأهداف الثلاثة الرئيسية للموظفين، والتي تضم قضاء وقت كافٍ مع العائلة، وعيش حياة هادفة، والاستفادة من الوقت بفعالية. وفي الواقع، فإن المتعاقدين المستقلّين يحققون هذه الأهداف بنجاح أكبر من الموظفين التقليديين (في وظائف ثابتة).
فقد عبّر 60% من المتعاقدين المستقلّين عن قدرتهم على عيش حياة مُرضية (هادفة)، مقابل 54% من العاملين ككل، كما قال نحو 60% من المستقلّين إنهم نجحوا في تحقيق أقصى استفادة من وقتهم بفعالية مقارنة بـ 52% من العاملين ككل.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة في المؤشرات كافة. إذ قالت نسبة أكبر ضمن فئة الموظفين التقليديين، نحو 76%، إنها راضية عن دخلها، مقارنةً بـ 68% بين المتعاقدين المستقلّين. كما قال ما يقرب من نصف الموظفين التقليديين إن التحضيرات لمرحلة ما بعد التقاعد تسير بنجاح، وذلك مقارنة بـ 41% فقط من المتعاقدين المستقلّين، ما يوضّح أهمية الراتب الثابت.
لكن مع ذلك، هناك فئة ثالثة أكثر رضا من الفئتين، وهي فئة الرحّالة الرقميين (digital nomads)، والتي تشير إلى العاملين الذين يؤدّون أعمالهم عن بُعد من بلدان أخرى تقدم تأشيرات خاصة لهذا الغرض، حيث تفوّقوا على كل من المتعاقدين المستقلين والموظفين التقليديين في سياق الرضا عن حياتهم، وتجميع الثروة، والتحضير لمرحلة ما بعد التقاعد. وليس ذلك فحسب، بل إن كافة المشاركين في الدراسة من هذه الفئة (نحو 92%) عبّروا عن رضا تدرَّج بين المرتفع والعادي عن نمط حياتهم وعملهم عموماً.
ومع ذلك، فقد أوضح الرئيس التنفيذي لشركة إم بي أو بارتنرز، مايلز إيفرسون، أنّه يُحتمَل أن يكون المتعاقدون المستقلّون أكثر سعادة وصحة من الموظفين التقليديين. وقال إن دراسة الغايات المنشودة "تثبت أن الاستقلال أفضل لحياة المرء بشكل عام".
وهناك مبرر لرأيه بالطبع، إذ تعتمد قاعدة مستخدمي شركة إم بي أو بارتنرز على استمرارية وجود المتعاقدين المستقلين. وشملت الدراسة أكثر من 6,400 شخص مقيم في الولايات المتحدة، منهم ما يقرب من 1,000 شخص متعاقد مستقل، وهذا يوضّح الفرق بين أحجام العينات. لكن مع ذلك، تتماشى نتائج الدراسة مع عدة دراسات أخرى عبّرت عن حالة مماثلة، وهي أنه عندما يكون وقتك ملكك بالكامل، فإن جودة حياتك ومخططاتك للمستقبل تتحسّن.
كيف ساعدت الجائحة الناس على إعادة التفكير في الأولويات
قال إيفرسون إن "الإدراك الكبير أصبح واقعاً ملموساً". ويشير الإدراك الكبير إلى التغيير الذي شهده العديد من العاملين والموظفين بشأن قيمهم وأولوياتهم، والذي نتج عن وفرة الوقت المتاح خلال الإغلاق والحجر الصحي الناجم عن الجائحة، واستمر في ظل خطط العودة إلى المكتب التي تفرضها الشركات. إذ أدّت هذه الاستراحة خلال الحجر الصحي، والتي تزامنت مع تغيّر ملامح العلاقات الاجتماعية للناس، إلى ازدياد رغبة الموظفين في تحسين توازن الحياة مع العمل، واستكشاف مجالات شغفهم وتأدية الأعمال التي يحبّونها، وإعطاء الأولوية للصحة والعافية.
أما اختيار العمل المستقل، فقد كان مرتبطاً بأولويات كل شخص فيما يخص الموازنة بين وجود دخل ثابت ومُرضٍ والقيام بما يحبّه ويستمتع به. إذ كشف تقرير شركة إم بي أو بارتنرز عن أن الأسباب الرئيسية التي عبّر عنها المشاركون بالنسبة للانتقال للعمل في المستقبل هي القيام بما يحبّونه واستكشاف مجالات شغفهم وتأدية عمل هادف. وقال إيفرسون إن النقص في الشركات التي توفّر جوانب العمل الهادف والشغوف والأجر المستقر قد أدّى إلى نمو فئة المتعاقدين المستقلين.
ويمكن للشركات دعم الموظفين لتحقيق تلك الأهداف من خلال تحقيق مطلبهم الدائم والمستمر، وهو ترتيبات العمل المرنة. وعلى أرض الواقع، يمكن أن تعني ترتيبات العمل المرنة سياسات منح الأولوية للعمل عن بُعد، والعمل اللاتزامني مع وجود أوقات مشتركة يجب على الموظفين العمل فيها بشكل متزامن، وحتى منح خيار العمل بنظام الرحالة الرقميين من أي مكان. وذكرت شركة إم بي أو بارتنرز أن الجانب الأهم على الإطلاق هو أن تضمن الشركة عدم حاجة الموظفين إلى تفقّد قنوات العمل على منصات سلاك (Slack) أو تيمز (Teams) مثلاً خارج أوقات العمل.