نعيش اليوم في زمن تطغى عليه الاضطرابات العالمية، حيث أدت التوترات الجيوسياسية وإدارة التغيير والتحول الرقمي إلى تغيير قواعد اللعبة الاستثمارية. فماذا يعني ذلك بالنسبة للمستثمرين؟ دعونا نلقي نظرة على بعض التحولات في عالم الاستثمار التي من المرجح أن نشهدها في عام 2023 وما بعده.
من الاستثمار العام إلى الخاص
من أهم الاتجاهات الأخيرة التي نشهدها، إعادة تخصيص رأس المال بعيداً عن الأسواق العامة وبحثاً عن عوائد أفضل وقدرة أكبر على التحكّم باستراتيجية الاستثمار. وقد اكتسب هذا التحول النموذجي -بعيداً عن الاستثمارات في الأسواق العامة التقليدية نحو الاستثمارات البديلة الخاصة- زخماً كبيراً، ما يوفر للمستثمرين فرصاً للاستثمار في مجموعة متنوعة من فئات الأصول بالإضافة إلى استراتيجيات أطول أجلاً.
كما يوفر العديد من الاستثمارات الخاصة مرونة أكبر من نظيراتها العامة التي تخضع للتنظيم المشدد، ما يسمح للمستثمرين بالاستفادة من الأسواق غير المستغلة بسرعة. علاوة على ذلك، فإن القدرة على شراء حصص أكبر داخل الشركات الخاصة والاستفادة من أدوات التحليلات القائمة على البيانات، يمكن أن تؤدي إلى تفوق كبير في الأداء مقارنة بالأسهم والسندات المتداولة في الأسواق العامة.
من الغرب إلى الشرق
مع ظهور مراكز اقتصادية رئيسية مثل الصين والهند، يتحول الاستثمار بعيداً عن الأسواق التي تركز على الغرب إلى تلك المتواجدة في الشرق. ويبرز هذا المسار من خلال تدفق رأس المال الاستثماري في الشركات التي تتخذ من الشرق مقراً لها، والتي تقود الآن الطريق عندما يتعلق الأمر بالابتكار والبحث والتطوير. ومع تطلع المزيد من المستثمرين إلى الاستفادة من هذا التحول، يجب على المؤسسات أن تكون على دراية تامة بكيفية إدارة محافظها الاستثمارية على النحو الأمثل بهدف الحصول على أقصى عائد محتمل في السنوات القادمة.
مع تزايد عدد سكان الطبقة المتوسطة وتفاقم وتيرة التقدم التكنولوجي، يوفر الشرق (أي دول مثل الهند والصين) فرصاً كبيرة للشركات التي تسعى إلى عوائد طويلة الأجل وأرباح أعلى. بالإضافة إلى ذلك، هناك الآن العديد من المناطق الاقتصادية الحرة الناشئة التي تدعمها الحكومات المحلية والتي تقدم حوافز جذابة للمستثمرين الأجانب في هذه البلدان مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، ما يسهّل على المستثمرين الوصول إلى هذه الأسواق بمخاطر أقل.
من الأنظمة التقليدية إلى التكنولوجيا الاستثمارية
تُحدث التكنولوجيا الاستثمارية ثورة في قطاع إدارة الاستثمار، ما يتيح استثمارات أكثر ذكاءً وربحية من خلال البرامج المتخصصة وخدمات التكنولوجيا القانونية والتكنولوجيا التنظيمية وتحليل البيانات، ما يجعل الاستثمار في الأسهم الخاصة عملية سريعة وفعالة ومبنية على المعرفة ومرنة وغير معقدة تقنياً وقانونياً.
منذ عدة سنوات، ظهرت النماذج الأولية لحلول التكنولوجيا الاستثمارية التي تهدف إلى توفير وصول مرن وشامل إلى استثمارات الأسهم الخاصة، إذ قامت شركات مثل أنجيل ليست (AngelList) أو إكويتيزن (EquityZen) بتلبية طلب الأثرياء والمستثمرين الملائكة والصناديق الناشئة. وتلقت البنية التحتية المتطورة للتكنولوجيا الاستثمارية زخماً جديداً خلال التباطؤ الاقتصادي الحالي عندما تم تحويل جزء كبير من أموال المستثمرين من أسواق الأسهم المتقلصة إلى الأصول البديلة.
ومع ذلك، ما يزال هناك حتى الآن مجال كبير للتحسين في قطاع التكنولوجيا الاستثمارية. يعدّ مستوى التقدم التكنولوجي والتشغيلي لحلول التكنولوجيا الاستثمارية للأسهم الخاصة متأخراً كثيراً عن البنية التحتية للأسهم العامة، ومن المتوقع أن تنجح الشركات القادرة على تطوير منصات التكنولوجيا الاستثمارية من الجيل التالي والمؤتمتة بالكامل في الهيمنة على القطاع.
على الرغم من أن استراتيجيات الاستثمار التقليدية ما تزال فعالة نسبياً، إلا أن فوائد استخدام حلول التكنولوجيا الاستثمارية الحديثة لا تضاهى. وتشمل هذه المزايا الإدارة السليمة للمحافظ الاستثمارية والعمليات القانونية التابعة، وتعزيز عملية جمع البيانات وتحليلها، وتوفير عدد أكبر من الفرص لإدارة المخاطر، بما فيها آليات الشفافية المعززة. يمكن للتكنولوجيا الاستثمارية أن تقدم مكافآت كبيرة لأولئك الذين يرغبون في الاستفادة منها في وقت مبكر.
من الشراء والاحتفاظ إلى الإدارة الديناميكية
في عالم الاستثمار الرقمي الحديث، تمت الاستعاضة عن نهج الشراء والاحتفاظ الذي كان موثوقاً به إلى حد كبير، بنهج إدارة أكثر ديناميكية للاستثمارات، وهي خطوة تقدم للمستثمرين فرصاً جديدة مع مخاطر أكبر. الآن أكثر من أي وقت مضى، يجب أن يكون المستثمرون يقظين ومستعدين للتكيف من أجل اتخاذ قرارات حكيمة بالنسبة لأموالهم؛ سواء كان ذلك استثماراً في الأسهم أو السندات أو السلع أو العملات؛ فلا توجد سوق واحدة دون تقلبات، والمشهد الاستثماري العام يتغير باستمرار.
في عصر أصبحت فيه المعرفة فعلاً قوة، باتت مواكبة أحدث التطورات المالية أمراً ضرورياً لأي مستثمر يأمل في تحقيق عائد على استثماراته.
ظهور فئات الأصول الجديدة
بصفتك مستثمراً ذكياً، تجب عليك مراقبة فئات الأصول واتجاهات الاستثمار الناشئة. مع تغير الأسواق العالمية باستمرار ونضج التكنولوجيا بشكل أسرع من أي وقت مضى، تظهر فرص جديدة يومياً، من الطب الدقيق وتكنولوجيا النانو إلى الاستمرارية العمرية وتكنولوجيا الفضاء. إن تطوير فهم متعمق حول الأنواع المختلفة من الاستثمارات المتاحة هو الخطوة الأولى في تأمين النجاح المالي.
سواء اخترت الاستثمار في السلع أو الصناديق المشتركة أو العقارات، فإن معرفة هذه الفئات المتنوعة الجديدة يمكن أن تساعدك على تنويع محفظتك وزيادة العوائد بأقل قدر من المخاطر. تأكد من أن أموالك تتبع الفرصة السانحة.
تأثير الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي
في ظل بحث المستثمرين اللامتناهي عن تدفق إيرادات وفرص استثمارية جديدة، أصبح الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي حليفاً لا غنى عنه. تتيح التكنولوجيا المتطورة الوصول السريع إلى نقاط البيانات المعقدة وتوفير قدرات تنبؤ معززة، ما يساعد المستثمرين على تحقيق عوائد أعلى مقارنةً باستخدام الاستراتيجيات التقليدية.
من خلال الحصول على معلومات من مصادر متنوعة، يتمكن الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي من تحديد اتجاهات السوق في وقت أبكر من أي وقت مضى، ما يمنح المستثمرين القدرة على اتخاذ قرارات جريئة ومستنيرة. يثبت هذا الابتكار التكنولوجي أنه جزء حيوي للغاية في ذخيرة المستثمر المعاصر، إذ يوفر مستويات غير مسبوقة من الربحية إلى جانب الحد من الخسائر.
مع وجود العديد من الخيارات المتاحة، فإن فهم الدوافع الرئيسية وراء التغييرات السوقية سيساعد المستثمرين على الاستفادة من الفرص الجديدة مع إمكانية تخفيف المخاطر.