يحلم إيلون ماسك باستعمار المريخ، ولكنه هنا على الأرض ليس إلا جوّالاً دائماً في السماء. يحمل الرئيس التنفيذي لشركات تويتر وتسلا وسبيس إكس وثاني أغنى شخص في العالم لقب أكثر مستخدمي الطائرات الخاصة نشاطاً في الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لتقرير جديد صادر عن معهد دراسات السياسات (Institute for Policy Studies) ومؤسسة المليونيرات الوطنيين (Patriotic Millionaires).
حاول ماسك الحفاظ على خصوصية التفاصيل المتعلقة باستخدام الطائرات الخاصة، إذ أوقف حساب طالب جامعي يدعى جاك سويني كان يتابع نشاط طائراته الخاصة، ومع ذلك يشير التقرير المذكور إلى عدد رحلات ماسك الخاصة، وهي كثيرة.
صدر التقرير عن معهد دراسات السياسات ذي الميول اليسارية ومؤسسة المليونيرات الوطنيين، التي تحثّ الحكومة بانتظام على زيادة الضرائب على المليونيرات، وهو يحلل بيانات من مركز أبحاث ويلث-إكس (Wealth-X) المتعلقة بالثروات الصافية النسبية لمالكي الطائرات، بالإضافة إلى بيانات مستخدمي إدارة الطيران الفيدرالية (Federal Aviation Administration)، جنباً إلى جنب مع المعلومات العامة المتعلّقة بشخصيات مثل ماسك.
وكشف أن معدل رحلات ماسك هو رحلة واحدة كل يومين تقريباً، وأن رحلاته استهلكت 837,934 لتراً من وقود الطائرات وأنتجت 2,112 طناً من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العام الماضي فقط، وهذا يبلغ 132 ضعف المتوسط الأميركي. ويزيد ماسك مقتنياته من الطائرات أيضاً، إذ يمتلك 4 طائرات واشترى مؤخراً طائرة جلف ستريم جي 700 (Gulfstream G700) بنحو 78 مليون دولار لتحل محل طائرته جلف ستريم جي 650 إي آر (Gulfstream G650ER).
وفي حين أن التغير المناخي هو قضية عالمية ناجمة عن النشاطات البشرية، فقد وجدت الأبحاث المشابهة للبحث السابق أن ثمة أفراد معيّنون يسهمون في تفاقم الأزمة، إذ إن الأثر الفردي لبعض الشركات والأفراد أصحاب الثروات المرتفعة ضخم بشكل ملحوظ. ويقدّر هذا التقرير التكلفة البيئية لرحلات نموذجية مدتها 5 دقائق لطائرات ماسك وغيره من مستخدمي الطائرات الخاصة، إذ يوضح المؤلفون أن الأثر البيئي لهؤلاء الأشخاص يبلغ ما لا يقل عن 10 أضعاف الأثر البيئي لكل راكب في الرحلات الجوية العادية، وذلك بقياس انبعاثات الملوّثات للرحلات.
ارتفع استخدام الطائرات الخاصة خلال العامين الماضيين مع حصر جائحة كوفيد- 19 للناس في فقاعاتهم الخاصة. وهذا كلّه يعني أن الشريحة الأغنى التي تمثّل 1% من سكّان العالم مسؤولون عن بصمة كربونية هائلة، حيث يشير التقرير إلى أن 1% من السكان مسؤولون على الأرجح عن نصف انبعاثات الكربون الجوية. ويمثل ماسك نفسه أكبر بصمة كربونية ضمن هذه الشريحة الصغيرة، كما أنه في قمة هذه المجموعة.
وأدّى هذا الأثر البيئي الهائل الذي يولّده الأثرياء إلى مطالبة مركز دراسات السياسات ومؤسسة المليونيرات الوطنيين بفرض ضريبة على وقود الطائرات، وهذه المطالبات ستلزم ماسك بدفع ضرائب تصل إلى 3.94 مليون دولار إضافية، وهذا لا يمثّل سوى مبلغاً ضئيلاً من ثروة ماسك الهائلة التي تبلغ 187.1 مليار دولار حتى بعد اقتطاع مبلغ 20 مليار دولار الذي دفعه ثمناً لشركة تويتر.
ووجدت دراسة أجرتها منظمة أوكسفام (Oxfam) في عام 2022 أن أغنى المليارديرات مسؤولون في المتوسط عن انبعاثات سنوية من ثاني أكسيد الكربون أكثر بمليون مرة من 90% من سكان العالم، ووجدت المنظمة أن المليارديرات يستثمرون أيضاً في شركات مسؤولة عن انبعاثات ضخمة، وتساوي انبعاثات استثماراتهم انبعاثات الكربون السنوية في جميع أنحاء فرنسا.
لا تنحصر المشكلة في الطائرات والرحلات الجوية فقط، بل يُرجَّح أن يسهم أصحاب الثروات الفائقة في أزمة المياه من خلال وسائل الراحة والمرافق الخاصة مثل الحدائق والمسابح. فعلى سبيل المثال، اليخوت المفضلة لدى ليوناردو دي كابريو هي أيضاً مورد ملحوظ للكربون، ووجد تحليل للمليارديرات من عام 2018 أن ثلثي انبعاثاتهم الكربونية قادمة من اليخوت الفاخرة.
وفي نهاية المطاف، فإن هذا التفاوت يضرّنا جميعاً. ففي عام 2021، كان متوسط دخل الأسرة في الولايات المتحدة الأميركية يساوي 70,784 دولاراً، وبلغ "التعويض المحقق" لماسك من شركة تسلا 23.5 مليار دولار في العام نفسه، وذلك دون احتساب أرباحه من الشركات الأخرى. وكل هذه الأموال الإضافية تمنح ماسك مزيداً من الأموال لإنفاقها على طائراته.
ونتيجة انشغال ماسك المتزايد بالشركات المثقلة بالمشاكل والتي تتجه نحو اليمين بوضوح، مثل شركة تويتر، يبدو أنه يحاول جاهداً تحسين وضع استثماره الأخير في هذه الشركة في ظل اضطراب استثماراته الأخرى. ووجد تحليل من صحيفة واشنطن بوست (Washington Post) أن الكثير من تنقّلاته الجوية في عام 2018 كان مخصّصاً لعمله، وبعضها لعائلته، وكلاهما ازداد في السنوات التي تلت ذلك العام.
ومن المُحتمل أيضاً أن يكون إصرار ماسك على حضوره الشخصي وحضور حراسه الشخصيين معه في كل مكان وحضور موظفيه إلى المقار المكتبية، قد زاد الحاجة أيضاً لاستخدام الطائرات أثناء انتقاله من شركة إلى أخرى لمراقبة حضور الموظفين، إذ اشتهر ماسك بالإشادة بحضوره هو وموظفيه الشخصي إلى معامل شركة تسلا ونومهم فيها حتى؛ يبدو أن الحل لإنقاذ شركاته المتضررة برأيه يتمثل في الحضور الشخصي إلى العمل.
صرّح المتحدّث باسم شركة تسلا، ديف أرنولد، لصحيفة واشنطن بوست في السابق قائلاً: "قبل أن نتوصّل إلى طريقة للانتقال من مكان لآخر بصورة آنية، لا توجد أي وسيلة بديلة للطائرات يمكن لماسك استخدامها لأداء عمله بكفاءة". ولم تستجب شركة سبيس إكس لطلب فورتشن (Fortune) للتعليق.
وقد يكون من الأفضل أن يمضي ماسك وقته المحدود في العمل للحد من انبعاثات الكربون الخاصة به ومعالجة الأزمة البيئية التي يسهم في تفاقمها بدلاً من التركيز على أزمة نقص السكان التي تحدّث عنها، وذلك على الرغم من قول الأمم المتحدة إن تعداد سكان العالم سيزداد باستمرار. وإذا كان ماسك يريد حقاً أن يؤسس الناس أُسَراً أو على الأقل أن يأمنوا مستقبلاً لائقاً لأطفالهم، فيمكنه على الأقل تقليل رحلاته الجوية.