بعد خبرة في أعمال القياس (metering) وإدارة الخدمات والمرافق العامة لأكثر من عقد في مصر ودول إفريقية وأوروبية أخرى، حدد أحمد عاشور عام 2016 فجوة كبيرة في السوق المصرية؛ إذ لم يقدم أحد حلاً لموزعي المياه والطاقة مخصصاً للأسواق الناشئة.
فالبرمجيات المصممة للاقتصادات المتقدمة ذات الاحتياجات والتحديات المختلفة لا تلبي طلبات هؤلاء الموزعين في مصر وغيرها من الأسواق الناشئة. ويقول في حديثه مع فورتشن العربية: "لقد رأينا الإمكانيات التي يمكن أن تتمتع بها البرامج والتكنولوجيا القائمة على البيانات في إفادة قطاعات البنية التحتية التقليدية في هذه البلدان وقررنا مواجهة التحدي". فقرر وشريكه عمر راضي، إنشاء بايلون (Pylon) عام 2017 لتوفر الحلول لهذه المشاكل.
تقدم بايلون عدادات ذكية كخدمة (SmaaS) لشركات توزيع المياه والكهرباء في الأسواق الناشئة، ما يسمح لها بتطبيق بنية تحتية متقدمة وشبكة ذكية، ويؤدي إلى تقليل الهدر ومشاكل قياس الاستهلاك في الطاقة والمياه وتخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، الأمر الذي يمكّن تلك الشركات من تعويض ما يصل إلى 400 مليار دولار من الخسائر والإيرادات غير المحصلة وتحسين البيئة.
فحسب تقديرات الشركة، وفي البلدان النامية، يُفقَد حوالي 45 مليون متر مكعب من المياه النظيفة يومياً من خلال تسرب المياه في شبكات التوزيع؛ وهو ما يكفي لخدمة ما يقرب من 200 مليون شخص. وتسعى بايلون لحل هذه المشاكل عبر عداداتها الذكية وأنظمتها وبرامجها المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
ويمكن لشبكات الكهرباء الذكية وحدها، باستخدام العداد الذكي، تقليل انبعاثات الكربون للمرافق بنسبة 25% حسب المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة بايلون. إضافةً إلى ذلك تستخدم منصة بايلون البيانات والذكاء الاصطناعي لتحسين تحصيل الإيرادات وتقليل الخسائر واكتشاف السرقات وتحقيق أثر بيئي أكثر كفاءة.
"تتمثل مهمتنا في مساعدة المرافق ومزودي خدمات المياه والكهرباء في البحث عن تحسينات في تحصيل الإيرادات، وتقليل الخسائر وتحقيق بصمة بيئية أكثر كفاءة من خلال برامجنا وخدمة العداد الذكي"، حسب شرحه. ويضيف عاشور: "يجمع برنامجنا ويحلل كميات هائلة من البيانات، ويحدد أوجه القصور النظامية التي يمكن لمقدمي الخدمات اتخاذ خطوات فورية لمعالجتها".
يتصل البرنامج بجميع الأصول المختلفة للمشترك وله وظائف متميزة، على الرغم من أنه يركز بشكل عام على جمع البيانات وتحليلها. "وباستخدام الذكاء الاصطناعي يقدم تنبؤات وتوصيات لعملائنا لاستخدامٍ أقل انبعاثات وأكثر كفاءة. نتيجة لذلك، يمكننا مساعدة شركات المرافق على زيادة إيراداتها بنسبة تصل إلى 40%".
وعن التحديات التي واجهتهم، يقول عاشور "كانت بعض التحديات الرئيسية التي واجهناها تتلخص أننا نلبي احتياجات صناعة ذات دورات مبيعات طويلة، بالإضافة إلى حقيقة أننا نقدم حلولنا للكيانات الحكومية وشبه الحكومية. نادراً ما تستهدف الشركات الناشئة قطاع الخدمات العامة نظراً لهذه التحديات، لكننا اخترنا معالجتها بشكل مباشر. من خلال حلولنا ونماذج الأعمال المصممة خصيصاً للأسواق الناشئة، تمكّنّا من اختراق قطاع المرافق وبناء مجموعة قوية من المراجع والمشاريع".
نموذج العمل
تقدم بايلون خدماتها مع نموذج إيرادات الاشتراك الذي يوفر لعملائها الخيار الأكثر فعالية من حيث التكلفة، وتجنب متطلبات الميزانية الكبيرة التي من شأنها استبعاد الوصول إلى التحسينات التي يمكن أن تجلبها التكنولوجيا الجديدة وتطبيقاتها.
"نحن لا نفرض على عملائنا تكلفة مقدمة للتسجيل، ونموذج العداد الذكي كخدمة يجعل من السهل على شركات المرافق نشر حلنا على نطاق واسع" حسب عاشور. مع هذا النموذج، يدفع العملاء حوالي 10-12% من التكلفة الأولية التي كان يدفعونها لقاء السابق. لذلك من خلال الاشتراك، "يبدؤون في جني المزيد من الأموال وزيادة أرباحهم على الفور".
والميزة التفاضلية الأبرز التي تتمتع بها بايلون هي أنها تدمج برامجها الخاصة مع الأجهزة التي يوفرها شركاء من جميع أنحاء العالم. يقول عاشور "نحن نعمل مع مزودي الأجهزة المختلفين من مواقع متعددة بما فيها مصر وأوروبا والصين والولايات المتحدة. نحن أيضاً على شراكة مع خدمات الحوسبة السحابية من أمازون (Amazon Web Services) لتخزين البيانات لدينا، وصممنا عروض التخزين الخاصة بنا".
يضيف عاشور: "نحن نعمل أيضاً على أساس الاشتراك، ما يعني عدم وجود دفعة مقدمة أو استثمار كبير لمرة واحدة للعملاء. فالدفع يتم على أقساط لفترة طويلة ما يجعلها خدمة أكثر فعالية من حيث التكلفة لمقدمي المرافق".
تعمل بايلون حالياً مع 12 شركة مرافق في جميع أنحاء مصر والفلبين. ومن بين عملائها المصريين مدينة المستقبل -أول مدينة ذكية خضراء في مصر- ووزارة الدفاع المصرية. في الفلبين، تعمل الشركة مع مدينة إيلويلو ومع العديد من العملاء الآخرين. "نحن نتطلع دائماً إلى التوسع في الأسواق الناشئة الأخرى عندما يصبح التوقيت مناسباً. تشمل المناطق ذات الأهمية جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، مثل البرازيل في الوقت الحالي".
الاستثمارات وتوسع الأعمال
في أبريل/نيسان 2022، أعلنت بايلون عن جولة تمويل بقيمة 19 مليون دولار، والتي قادها صندوق الاستثمار إنديور كابيتال (Endure Capital) الأميركي، بعد جولة أولية بتمويل أولي من مسرع بدء تشغيل التكنولوجيا في الولايات المتحدة، واي كومبينيتور (Y-Combinator). كما شارك في الجولة الجديدة كل من صندوق الاستثمار الجريء الأميركي كاثكسس فنتشرز (Cathexis Ventures)، وخوارزمي فنتشرز (Khawarizmi Ventures) السعودي للاستثمار الجريء، وصندوق الاستثمار النيجيري لوفتيينك فنتشرز (Loftyinc Ventures)، والعديد من المستثمرين البارزين. ويقول عاشور: "نحن نستخدم العائدات لتسريع نمو بايلون من خلال التوسع في الأسواق الناشئة الأخرى مع تعزيز الهندسة وتطوير المنتجات".
ويشرح عاشور أنهم يتجهون إلى القروض لتوسيع عملياتهم وتمويل مشاريعهم وزيادة الكفاءة وتخفيض الانبعاثات. "سنقوم باقتناء حقوق ملكية إضافية بحلول نهاية العام للنمو، حيث نتطلع إلى عمليتي استحواذ تخدم استراتيجيتنا طويلة الأجل".
سوق واسعة
من المتوقع أن يسجل سوق العدادات الذكية في الشرق الأوسط وإفريقيا معدل نمو سنوياً مركباً قدره 7.1% خلال 2023-2028، حسب تقرير صادر عن شركة الأبحاث موردور إنتليجانس (Mordor Intelligence). ويشير التقرير إلى أنّ النمو الاقتصادي والسكاني السريع أدى إلى ارتفاع الطلب على الطاقة.
غدت الحاجة إلى إدارة الطاقة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ما سينعكس على نمو السوق إيجاباً. ومن المتوقع أن تقود المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة السوق الإقليمية، بسبب نمو اقتصاداتها وارتفاع دمج التكنولوجيا. وحسب التقرير، تهدف الحكومة الإماراتية إلى تمويل 600 مليار درهم إماراتي (حوالي 163 مليار دولار أميركي) بحلول عام 2050 لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة وضمان النمو الاقتصادي المستدام للدولة. وتهدف حكومة المملكة العربية السعودية إلى تركيب حوالي 12 مليون عداد ذكي في جميع أنحاء المملكة بحلول عام 2030.
جائزة رواد الأعمال في مصر للتكنولوجيا والابتكار
في يونيو/حزيران 2022، حصل عاشور وراضي، على جائزة رواد الأعمال في مصر للتكنولوجيا والابتكار. تأسست جائزة رواد الأعمال المصريين عام 2021، وهي تكرّم ألمع رواد الأعمال في مصر بمختلف الصناعات، وفق بيان صحفي حصلت فورتشن العربية على نسخة منه في وقته.
يستطرد عاشور في هذا السياق قائلاً: "لقد شعرت بشعور رائع أن يتم تكريم الفريق بأكمله لعملنا الجاد وتفانينا لتحسين قطاع المرافق في الأسواق الناشئة. نحن مصممون على مواصلة تطوير تقنيتنا والقضاء على أوجه القصور، وبالتالي المساعدة في دعم خيارات أكثر استدامة للشركات والمستهلكين".
ويضيف: "كما قلت، نحن نراقب دائماً فرص التوسع في الأسواق الناشئة الأخرى. الهدف الأكثر تحديداً هو تحقيق 1 غيغا طن من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المخفضة بحلول 2035. نود أيضاً الاستمرار في زيادة نقاط القياس (metering points) الذكية لدينا من مليون نقطة حالياً إلى ثلاثة ملايين بحلول عام 2025، وهو ما يمثل نمواً سنوياً بمقدار أربع مرات".