تعرّض المليارديرات أصحاب اليخوت الضخمة مثل رجل الأعمال والمنتج ديفيد غيفن لانتقادات شديدة لاختبائهم مع طواقم عمل كاملة لخدمتهم في يخوتهم بينما كان العالم في حالة إغلاق تام في عام 2020، ويُذكَر أن كلفة يخت غيفن تبلغ 590 مليون دولار وقد اشتراه من مؤسس شركة أوراكل (Oracle)، لاري إليسون، وكان جيف بيزوس على متن هذا اليخت في عام 2019 حسب إحدى الصور. وبينما نعيش اليوم في عالم مختلف بشكل ملحوظ عما كان عليه في ذلك الوقت، فقد شكّل ذلك العام بداية تحول في كيفية قضاء مالكي اليخوت وقتهم على متن يخوتهم، خاصة في أيام العمل.
أحدثت جائحة كوفيد-19 "طفرة حقيقية" في الاهتمام باليخوت إثر لجوء الأثرياء لها حسبما قاله رئيس المبيعات في شركة بورجيس ياتس (Burgess Yachts)، ريتشارد لامبرت، لفورتشن (Fortune). ولم يتضاءل هذا الاهتمام، بل استمر بالازدياد نتيجة ازدهار العمل عن بُعد الذي حرّر هؤلاء الأثرياء من الاجتماعات الشخصية الإلزامية، إذ يقول لامبرت إن الأثرياء يقضون وقتاً أطول على اليخوت الهائلة الخاصة بهم أكثر من أي وقت مضى، لكن "الأشخاص المقصودين هم رجال أعمال ناجحون وعصاميون وعليهم التركيز على إدارة أعمالهم وشركاتهم في الواقع".
نتيجة لكل ذلك، تحوّلت اليخوت من وسيلة لقضاء وقت الفراغ إلى مكان يجمع كل الأنشطة، بما فيها العمل عبر تطبيق زووم (Zoom)، ويوضح لامبرت: "بعض عملائنا يقضون ما يصل إلى أربعة أشهر سنوياً على متن يخوتهم ويديرون أعمالهم بفعالية هناك".
هذا لا يعني أن بعض نشاطات العمل، إن كانت إرسال بريد إلكتروني أو عقد اجتماع عمل، لم تجرِ على متن اليخوت قبل الجائحة، لكن العمل بهذه الطريقة كان صعباً في بعض الأحيان بسبب مشاكل الإنترنت والاتصال، ويقول لامبرت إن العمل على متن اليخوت كان "صعباً للغاية" في الماضي لأن البنية التحتية لتكنولوجيا الاتصالات لم تكن "حتى قريبة من جودة الاتصالات المتوفرة حالياً"، وعلى سبيل المثال، كان الإنترنت الممتاز الذي يتمتّع به مالكو اليخوت حالياً غالي الثمن ومحدوداً للغاية في السابق، وأوضح لامبرت إن السعر يعدّ موضع اهتمام ثانوياً بالنسبة لمالكي اليخوت بالمقارنة مع السرعة والموثوقية.
ترتبط القدرة على قضاء الوقت الطويل على اليخوت في الوقت الراهن ارتباطاً وثيقاً بجودة الإنترنت التي تتيح إدارة الأعمال والشركات على الأرض بسهولة، سواءً كانت هذه الإدارة عن طريق عقد اجتماعات عبر الإنترنت أو إرسال رسائل بريد إلكتروني، وأضاف لامبرت إن النتيجة النهائية هي أن "مالكي اليخوت يستخدمون يخوتهم أكثر من ذي قبل بكثير".
معايير جديدة للتصميم
شهد لامبرت وفريقه نتيجة هذا التحوّل في طرق استخدام اليخوت تغيّراً طفيفاً في تصميم اليخوت لاستيعاب المزيد من الاحتياجات اليومية، ويشمل ذلك احتياجات العملاء الأصغر سناً الذين أُتيح لهم العمل عن بُعد حالياً، وهو خيار كان متاحاً في الغالب للأشخاص الأكبر سناً وخبرة ممن يتمتّعون بمرونة أكبر لأداء أعمالهم.
وكتب مدير مبيعات شركة تكنولوجيا الاتصالات والخدمات البحرية كيه في آتش سوبر يات غروب (KVH Superyacht Group)، ستيف غورمان، لمجلة دوك ووك (Dockwalk) المتخصصة في أخبار تجارة اليخوت الضخمة إن اتجاه العمل من اليخوت قد تسارع كثيراً، ولم ينحصر هذا التسارع في أصحاب اليخوت الضخمة فحسب، إذ احتاج أطفالهم أيضاً للإنترنت لحضور صفوفهم الدراسية عبر تطبيق زووم في أثناء الإغلاق، لذا فقد اعتاد الجميع الآن على هذا النمط.
ونظراً لأن المزيد من مالكي اليخوت يقضون وقتاً أطول على متن يخوتهم مع عائلاتهم، فإن تصميم اليخوت قد امتد إلى ما هو أبعد من المكتب فقط ليركز على تلبية متطلبات جميع الأجيال، ويقول لامبرت: "لا يتعلق الأمر بالعمل عن بُعد بالضرورة، بل أعتقد أننا شهدنا تغيّراً طفيفاً في التصميم يجعل اليخوت أكثر جاذبية للأجيال المختلفة، وأحد الجوانب التي تؤخذ بعين الاعتبار في أثناء التصميم هو سهولة الوصول إلى الماء، إذ يمكن أن يُصمَّم اليخت بحيث يتيح ممارسة الرياضات المائية للأشخاص من الأعمار الأصغر، بينما يوفّر مساحة ملائمة للأجيال الأكبر سناً مثل الأجداد المتقاعدين أو المالكين أنفسهم".
وبالنسبة لمالكي اليخوت العاملين، أُضيفت لليخوت الضخمة الجديدة مكاتب كاملة التجهيز في تطوّر ملحوظ في تصميم اليخوت وهندستها، وذكرت كيت لاردي لشركة بوت إنترناشونال (Boat International) إن الأشخاص الذين يشترون يختاً لأول مرة والذين دخلوا هذه السوق في أثناء الجائحة يهتمون بشكل خاص بالقدرة الوظيفية لليخوت أكثر من المظهر والجوانب الجمالية والشكلية، إذ يبحثون عن يخوت توفّر غرفاً للاجتماعات والعمل ومساحات للترفيه والتمارين في الوقت ذاته، كما إن الغرف التي يمكن تعديلها لتلائم احتياجات الإقامة المطوّلة على متن اليخوت قد أصبحت أهم من جوانب الرفاهية اللافتة للنظر.
العمل بقصد المتعة
قد نتساءل عن السبب الذي يجعل اليخوت، التي لطالما اشتهرت بأنها إحدى ركائز الرفاهية، مكان عمل جذاباً لأشخاص أثرياء لدرجة أنهم ليسوا بحاجة للعمل أساساً، ويجيب لامبرت إن السبب يكمن غالباً في أن بعض المدراء لا يمكنهم ببساطة الانفصال عن العمل أو أنهم لا يريدون ذلك فعلياً.
ويوضح: "العمل جزء رئيسي من نمط حياة العديد من مالكي اليخوت وعاداتهم اليومية ومصدر شغفهم، والكثير من هؤلاء المالكين هم رجال أعمال ناجحون للغاية أسسوا أعمالهم على مدى سنوات عديدة، كما إنهم يشعرون بالفخر بما أسّسوه ويعدون ذلك جزءاً من هويتهم، ولا ينظرون للعمل بطبيعته المجردة فقط، بل يعتبرونه أحد أسباب وجودهم".
وقد يفسّر تحوّل هذه اليخوت العملاقة إلى أماكن عمل للأثرياء سبب ازدهار قطاع اليخوت، فحسبما نقلت صحيفة نيويوركر (New Yorker) من منطقة بالم بيتش العام الماضي، ازداد عدد المليارديرات في الولايات المتحدة من 66 في عام 1990 إلى أكثر من 700، كما إن عدد اليخوت التي يزيد طولها على 250 قدماً (نحو 76.2 متراً) قد ازداد من يخت واحد إلى 170 يختاً، وهذا الطول هو الذي يُسمى فيه اليخت الضخم يختاً هائلاً.
لكن الأمر لا يخلو من المشاكل، إذ إن النسبة المئوية للمليارديرات مالكي اليخوت في انخفاض مستمر منذ عام 2017، وقد يكون غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022 أحد أسباب ذلك، أو هو كذلك وفقاً لمذكرة بحثية من بنك بيرنبيرغ (Berenberg Bank) على الأقل، والتي كشفت عن أن مصنّعي اليخوت الفاخرة قد شهدوا انخفاضاً في مستوى الاهتمام من المجتمع المالي، وهذا الانخفاض مرتبط بفكرة أن قطاع اليخوت يعجّ بالعملاء الروس". وعلى الرغم من ذلك، أشار أحدث إصدار من دليل غلوبال أوردر بوك (Global Order Book) إلى أن الطلبات على اليخوت الجديدة قيد الإنتاج قد ازدادت بنسبة 17.5% في عام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه.
ويبدو أن طفرة العمل من اليخت لن تكون مجرد اتجاه عابر بل شكلاً دائماً من أشكال العمل، خصوصاً مع تطور الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعلّق لامبرت قائلاً: "هذا التطور يمثّل ثورة تكنولوجية، وسوف تتغير طريقة عملنا جذرياً على مدى السنوات العشر إلى العشرين المقبلة، كما إنها حالة دائمة التطور ومتجددة، وباقية ومستمرة".