المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
مالية ومصارف

اليابان والصين تسلكان طريقين اقتصاديين متعاكسين، فهل يكرر التاريخ نفسه؟

شهدت اليابان اتساع نطاق ارتفاع الأسعار والأجور منذ ربيع عام 2022، وتشير مثل هذه التغييرات إلى أن الاقتصاد يصل إلى نقطة تحول في معركته المستمرة منذ 25 عاماً مع الانكماش.

بقلم


money

(مصدر الصورة: شاترستوك - سيميون برودي)

تتخذ المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الصين في الوقت الراهن هيئة المشاكل التي واجهتها اليابان في الماضي.

فقد تطوّر الاقتصاد الياباني في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين بسرعة لتصبح اليابان مركز ثقل عالمي، وهذا تماماً ما كان يحدث في الصين على مدى العقود القليلة الماضية، فمن خلال التقدم التكنولوجي الذي حققته اليابان والنمو القائم على التصدير والاقتصاد المركزي بدت كأنها شركة متكاملة وحظيت بلقب (Japan Inc) بين المنافسين الغربيين. 

بالإضافة إلى ذلك، بقيت البطالة في اليابان منخفضة، وارتفعت أسعار الأصول في البلاد خلال تلك الفترة، وخاصة في الثمانينيات عندما نما الاقتصاد بمعدل سنوي متوسط ​​بلغ 3.9%، متجاوزاً معدل النمو البالغ ​​3% في الولايات المتحدة خلال ذلك العقد، لكن في نهاية المطاف، أدى الحماس المفرط بشأن الآفاق الاقتصادية لليابان إلى نشوء فقاعات الأسهم والعقارات التي بدأت بالانهيار في أواخر الثمانينيات، فقد تراجعت سوق الأسهم اليابانية بنسبة 60% بين أواخر عام 1989 ومنتصف عام 1992، وشهدت أسعار الأراضي انخفاضاً مستمراً على مدى العقد التالي؛ حيث انخفضت بحلول نهاية عام 1999 بنسبة 80% مقارنة بذروتها في سبتمبر/أيلول 1990.

نتيجة لهذه التحديات، بلغ نمو الاقتصاد الياباني خلال التسعينيات 1% فقط سنوياً، وكان ذلك المعدل أقل من معدلات النمو في الدول المتقدمة الأخرى، ومنذ ذلك الحين، أدّت شيخوخة السكان وارتفاع الديون في اليابان إلى ركود اقتصادي مستمر وفترات طويلة من الانكماش، ما اضطر بنك اليابان (Bank of Japan) إلى الإبقاء على أسعار الفائدة قريبة من الصفر أو عند قيم سلبية لأكثر من 25 عاماً. 

والآن، مع تحوّل الاقتصاد الصيني من فترة تتصف بالتوسع السريع القائم على التصدير والديون إلى نموذج أكثر تركيزاً على المستهلك، ظهرت مجموعة من المشاكل المألوفة من تجربة اليابان.

فقد تسبّبت الأزمة العقارية المستمرة، وشيخوخة السكان، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وديون الحكومات المحلية المرهِقة التي تقدر بتريليونات الدولارات، في أزمة ثقة لدى المستهلكين الصينيين والمستثمرين الأجانب. كما أدى التباطؤ الاقتصادي الأخير في الصين إلى انخفاض التضخم بنسبة 0.3% على أساس سنوي في يوليو/تموز، ما يمثل أول فترة انكماش في البلاد منذ صدمة جائحة كوفيد-19 في عام 2020.

حذّر بعض الخبراء من أن بيانات شهر واحد غير كافية لمعرفة اتجاه السوق بدقة، وأن الانكماش الصيني على المدى الطويل ليس خياراً مطروحاً، لكن كبير الاقتصاديين في معهد نومورا للأبحاث (Nomura Research Institute)، ريتشارد كو، يعتقد أن الصين تشهد ركوداً في الميزانية العمومية يمكن أن يؤدي إلى "عقد ضائع" على غرار ما شهدته اليابان في التسعينيات، وتحدث هذه الحالة عندما يختار المستهلكون والشركات توفير المال أو سداد الديون بدلاً من الاستثمار أو الإنفاق، ما يؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي والأسعار. 

لكن على الرغم من ذلك، ثمة تطوّر غريب ومثير للاهتمام، وهو أن اليابان قد تكون أخيراً على وشك الخروج من الكابوس الاقتصادي الذي دام عقوداً، وذلك في الوقت الذي تواجه الصين فيه احتمال تباطؤ الاقتصاد والانكماش المستمر.

هل نشهد نهاية الركود والانكماش في اليابان؟

ارتفع معدل التضخم الأساسي في اليابان، والذي يستثني المنتجات الغذائية الطازجة، بنسبة 3.1% في يوليو/تموز، وذلك عقب زيادة بنسبة 3.3% في يونيو/حزيران، وهذا هو الشهر السادس عشر على التوالي الذي يبقى فيه التضخم الأساسي أعلى من هدف بنك اليابان البالغ 2%.

وصرّح مكتب مجلس الوزراء الياباني في تقريره الاقتصادي السنوي إن ارتفاع التضخم قد يشير إلى نهاية حقبة من النمو الاقتصادي البطيء والانكماش.

وقالت الحكومة: "شهدت اليابان اتساع نطاق ارتفاع الأسعار والأجور منذ ربيع عام 2022، وتشير مثل هذه التغييرات إلى أن الاقتصاد يصل إلى نقطة تحول في معركته المستمرة منذ 25 عاماً مع الانكماش"، مضيفة إنه "لا ينبغي لنا أن نتجاهل حقيقة أن هذا قد يشكّل فرصة سانحة للخروج من الانكماش".

وأشارت الحكومة إلى أن الشركات اليابانية تمرّر تكاليف الإنتاج المرتفعة إلى المستهلكين، وقالت إن سوق العمل المحدودة تعني احتمال ارتفاع الأجور بالمقارنة بما كانت عليه في العقود السابقة، وأضافت الحكومة اليابانية في تقريرها الرسمي إن الارتفاع الأخير في التضخم بدأ يغير توقعات المستهلكين بشأن ارتفاع الأسعار في المستقبل أيضاً، وهو أمر بالغ الأهمية لمنع عودة الانكماش.

دفع المستثمرون أسواق الأسهم في البلدين في اتجاهين متعاكسين، وذلك استناداً إلى القضايا التي تواجه الاقتصاد الصيني مقارنة بالانتعاش الاقتصادي في اليابان بعد جائحة كوفيد-19. فقد انخفض مؤشر سي إس آي 300 (CSI 300) الذي يتتبع أداء أكبر 300 شركة في بورصَتي شنغهاي وشينزين بنسبة 3% منذ بداية العام حتى الآن، في حين قفز مؤشر نيكاي 225 (Nikkei 225) الذي يمثّل بورصة طوكيو بنسبة 25% في نفس الفترة.

وشكّل دخول شركة بيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway) السوق اليابانية ضجة هذا العام، وهذه الشركة هي شركة الاستثمار الخاصة بالمستثمر المخضرم وارن بافيت، إذ تمتلك شركة بيركشاير حالياً أكثر من 8% من كلٍّ من الشركات الخمس الأكبر في اليابان، وهي شركات إيتوتشو (Itochu) وميتسوبيشي (Mitsubishi) وميتسوي (Mitsui) وسوميتومو (Sumitomo) وماروبيني (Marubeni).

وعلى الرغم من أن المستثمرين يتزايد تفاؤلهم بشأن الآفاق المستقبلية لليابان وأن الحكومة عزّزت التفاؤل من خلال تقريرها السنوي الصادر يوم الثلاثاء، كانت حريصة أيضاً على عدم إعلان النصر على الانكماش قبل أوانه. 

وقالت: "علينا أيضاً أن نتخلّص من العقلية الانكماشية التي تعاني منها الأسر والشركات، وأن نضمن أننا لا نؤثر على التقدم المنجز في سبيل تجاوز الانكماش".

لكن مع ذلك، فإن حذر الحكومة منطقي ومفهوم تماماً، إذ إن الانكماش والركود الاقتصادي في اليابان قد استمرا لعقود من الزمن حتى في ظل أسعار الفائدة السلبية، الأمر الذي أدى إلى خسارة الشركات اليابانية نفوذها على الساحة العالمية. ففي عام 1995، عندما أصدرت فورتشن (Fortune) النسخة الأولى من قائمة فورتشن غلوبال 500 (Global 500) التي تتضمن أكبر 500 شركة في العالم من حيث الإيرادات، تضمّنت القائمة 149 شركة يابانية وكانت ست شركات منها ضمن المراكز العشرة الأولى، لكن حصة اليابان في القائمة قد انخفضت في عام 2022 إلى 49 شركة يابانية فقط، ولم تحلّ أي شركة منها ضمن المراكز العشرة الأولى.


image
image