المحتوى محمي
المحتوى محمي
بيئة العمل

الوعي بداية الارتقاء بصحة الموظفين في الشرق الأوسط

أجرى معهد ماكنزي للصحة استقصاءً شمل أكثر من أربعة آلاف موظف في أربعة من دول مجلس التعاون الخليجي؛ وهي الكويت، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية وقطر، من أجل الإحاطة بالحالة الصحية للموظفين في المنطقة.

بقلم ،  ،  ، 


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية، تصميم: أسامة حرح)

أظهرت أبحاث سابقة لماكنزي أنه على مدار القرن الماضي أو أبعد من ذلك، حققت التحسينات في الصحة مزايا اجتماعية هائلة، كما كانت محفزاً قوياً للنمو الاقتصادي من خلال توسيع قاعدة القوة العاملة وزيادة الإنتاجية. وعندما يستثمر أرباب العمل في صحة ورفاهية العاملين لديهم، فإنهم غالباً ما يحققون مكاسب في الإنتاجية ويحافظون على العاملين. 

وتتبنى الدول بشكل متزايد تعريفاَ حديثاً للصحة لا يُعنى فقط بعدم وجود مرض جسدي، وإنما بحالة توازن شاملة بين بيئتي الشخص الداخلية والخارجية. ويتضمن هذا التعريف الأوسع أربعة أبعاد؛ الصحة البدنية والنفسية والاجتماعية والروحانية.

في أوائل خريف 2022، أجرى معهد ماكنزي للصحة استقصاءً شمل أكثر من أربعة آلاف موظف في أربعة من دول مجلس التعاون الخليجي؛ وهي الكويت، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية وقطر، من أجل الإحاطة بالحالة الصحية للموظفين في المنطقة.

وتلخِّص هذه المقالة ما ذكره المشاركون عن حالتهم الصحية كما يشعرون بها:

  • أفاد ثلثا المشاركين من دول مجلس التعاون الخليجي بأنهم عانوا من أعراض ضعف الصحة النفسية وتراجع الإحساس بالرفاه، ومنهم من تم تشخيصه بمعاناة من حالة نفسية.
  • أفاد واحد من كل ثلاثة مشاركين في الاستطلاع أنه عانى من أعراض الإرهاق. كما كشف الكثيرون عن تعرضهم لظروف صحية جسدية، ولكنهم يجدون أن الصحة الاجتماعية والروحانية أفضل، وذلك بين أنماط مختلفة من المجموعات الديموغرافية. 
  • ذكر ثلاثة أرباع المشاركين في تلك الدول بأنهم راضون عن بيئة العمل، وهو ما يبدو مرتبطاً بالتزام الموظفين تجاه إحساس تحقيق الهدف من عملهم وجدية علاقاتهم في بيئة العمل.

تشير بعض الإجراءات التي تتخذها دول مجلس التعاون الخليجي إلى إدراك متزايد لأهمية تعزيز صحة الموظفين ورفاهيتهم. فعلى سبيل المثال، كانت دولة الإمارات من أوائل المبادرين بإدراج صحة الموظفين ورفاهيتهم في برامجها الحكومية من خلال إطلاق البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة.

ومع ذلك، توجد فرص أخرى، على أساس منهجي، للشركات والحكومات في جميع أنحاء المنطقة. وتستكشف هذه المقالة الحالة الصحية للموظف ورفاهيته، وتتضمن بيانات ورؤى يمكن للقيادات في دول مجلس التعاون الخليجي التفكير في استخدامها لوضع استراتيجيات واتخاذ إجراءات التعامل مع أسباب اعتلال الصحة بين الموظفين.

حول الدراسة الاستقصائية ومعايير التقييم

أجرت الدراسة تقييماً لمجموعة من النتائج الصحية (النفسية والبدنية والاجتماعية والروحية)، ونتائج الأعمال (مع التركيز على نية ترك العمل)، وعوامل بيئة العمل في استطلاعنا. (مع التركيز القوي على السلوكيات السامة في مكان العمل).

تضمّنت النتائج الصحية التي تم تقييمها في دراستنا الاستقصائية ما يلي:

أولاً: الصحة النفسية: الحالة المعرفية والسلوكية والعاطفية للموظف. تُعد الصحة النفسية ضرورية للفرد لفهم العالم والتفاعل معه من خلال الذاكرة واللغة. إذ تسمح لنا الصحة النفسية بمعرفة مشاعر الفرح والغضب المباشر والحد من السلوكيات الضارة والسلوك الاندفاعي وتجنّب نوبات الاكتئاب الخطيرة. ويتمتع الأفراد الأصحاء نفسياً بالمرونة في التعامل مع الضغوط الطبيعية والأحداث السلبية مع الحفاظ على شعور إيجابي وواقعي بالذات.

وفي هذه الدراسة الاستقصائية، نظرنا إلى أربعة جوانب فرعية:

  1. أعراض الإرهاق: تجربة الموظف من التعب الشديد، وانخفاض القدرة على تنظيم العمليات المعرفية والعاطفية والتباعد العقلي (أداة تقييم الإرهاق).
  2. الضيق: موظف يعاني من استجابة سلبية للضغط، وغالباً ما تنطوي على تأثير سلبي وتفاعل فيزيولوجي (4DSQ Distress Screener).
  3. أعراض الاكتئاب: موظف لديه القليل من الاهتمام أو المتعة في القيام بالأمور، والشعور بالإحباط أو الاكتئاب أو اليأس (PHQ-2 Screener).
  4. أعراض القلق: شعور الموظف بالتوتر أو القلق وعدم القدرة على التخلّص من القلق أو السيطرة عليه (GAD-2 Screener).

ثانياً: الصحة البدنية: مدى قدرة الموظف على إنجاز المهام والأنشطة البدنية بكفاءة دون قلقٍ واضح. يتضمن ذلك القدرة على التحرك في البيئة التي يعيش فيها المرء بثقة واستقلالية والتحكّم في تفاعلات المرء مع العالم المادي من خلال التحكّم الحركي الدقيق. يمتاز الموظفون الذين يتمتعون بصحة بدنية جيدة بقدرات حسية حادة؛ ولديهم حواس شديدة للمس والرؤية والسمع والتذوق والشم. ينعم الموظفون الأصحاء بدنيا بالطاقة والحيوية، والمعافاة من الآفات المزدوجة المتمثلة في الألم أو الكلل، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.

في هذا الاستقصاء، استخدمنا أداة مطوّرة ذاتياً لتعديل الأسئلة من تقييم جودة الحياة لعام 2012 لمنظمة الصحة العالمية، وبالنظر إلى: 

  1. إذا كان الضغط الناجم عن وظائف المستجيبين يدفعهم إلى الانخراط في سلوكيات غير صحية (على سبيل المثال، التغذية غير الكافية وقلة النشاط البدني وقلة النوم).
  2. إذا كان المستجيبون يُبلغون بأنفسهم عن أعراض جسدية (مثل آلام جسدية تمنعهم من القيام بواجباتهم في العمل).

ثالثاً: الصحة الروحية: تُمكّن الأفراد من إيجاد معنى لكل شيء في حياتهم. إذ يتمتع الأشخاص الأصفياء روحانياً بشعور قوي بالهدف أو الانتماء أو الهوية، وهو ما يمكن أن يرتبط بصحة أفضل. فهم يشعرون بإحساس واسع بالاتصال بشيءٍ أكبر من الذات، سواءً كان ذلك بمجتمع أو دعوة أو شكل من أشكال الروحانية. فالصحة الروحية تساعد الناس على الشعور بالهوية والوعي في الوقت الحاضر.

في هذه الدراسة، استخدمنا أداةً مطورة ذاتياً لتعديل الأسئلة من مقياس الصحة الروحية والتوجيه الحياتي 2010 وقيمة ومعنى العمل 2012، بالنظر إلى مجموعة من العوامل الروحية (مثل الشعور بتحقيق هدف أكبر والعيش بانسجام والشعور بالحيوية من خلال العمل).

تضمّنت النتائج والعوامل المتعلقة بالعمل التي خضعت للتقييم في هذه الدراسة الاستقصائية ما يلي:

1 - نية ترك العمل: في هذه الدراسة، استخدمنا أداةً مطورة ذاتياً لتقييم رغبة الموظف بترك المؤسسة التي يعمل فيها حالياً في غضون 3-6 أشهر المقبلة.

2- السلوك السام في مكان العمل: في هذه الدراسة، استخدمنا أداةً مطورة ذاتياً لتقييم تجربة الموظفين من ناحية السلوك الشخصي الذي يدفعهم إلى الشعور بعدم التقدير أو التقليل من شأنهم أو عدم الأمان،ر كالمعاملة غير العادلة أو المُهينة والسلوك غير اللائق والتخريب والمنافسة غير الشريفة والتعسّف الإداري والسلوك غير الأخلاقي، سواءً من القادة أو زملاء العمل.

تم تحديد عدد المشاركين في الدراسة الذين أبلغوا عن تحدٍّ واحد على الأقل للصحة النفسية من خلال تجميع المشاركين الذين أبلغوا عن وجود تشخيص للصحة النفسية الآن أو في الماضي؛ هناك حالات أبلغت عن حصولها على علاج نفسي وحالات تسعى إليه، وحالات تُعاني على الأقل من أحد الأعراض التالية: القلق أو الإرهاق أو الاكتئاب أو الضيق.

مناقشة الدراسات الاستقصائية في عدة دول

كما ذُكر في المقالات العالمية السابقة حول الصحة، مثل "في المرض والصحة: كيف يُنظر إلى الصحة في جميع أنحاء العالم"، يمكن لمجموعة من العوامل الثقافية والمنهجية التأثير على أجوبة المشاركين عن أسئلة الدراسة الاستقصائية. تشمل هذه العوامل، على سبيل المثال، ارتباط اللغة والكلمات ونطاقات الأرقام ومسائل الفهم والمواقف تجاه إجراء الاستطلاعات. ومن المهم ملاحظة أن المقارنات بين المشاركين في البلدان المختلفة لا ترجع فقط إلى الاختلافات في المواقف و/أو السلوكيات بين المشاركين، ولكنها تعكس أيضاً أنماط المشاركة حسب المواقع الثقافية والجغرافية. ويجب تفسير أي رؤى مستمدة من المقارنات بين الدول، مع مراعاة هذه التأثيرات المتعددة على المشاركات المتوخاة من الدراسة الاستقصائية.

الإجراءات الموجّهة لتحسين النتائج

قد تساعد الإجراءات الاستباقية الوقائية والتفاعلية، التي يتخذها أرباب العمل على مستويات المنظمة والفريق والفرد، في تحسين صحة الموظفين ورفاهيتهم في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي.

وتلعب الحكومات كذلك دوراً مهماً في تعزيز الصحة والرفاهية وفي توفير بيئة لازدهار المجتمع والعمل على مستوى المنظمات. إذ يُمكن للحكومات النظر في تدابير لمنع الضرر الشامل للأفراد والنظام، مع توفير البنية التحتية للتعامل مع الأعراض التي ظهرت بالفعل، مثل:

 - ضمان إدراج الصحة والرفاهية في جداول أعمالهم على جميع المستويات، وتوضيح تطلعاتهم، وصياغة خطط عمل لدفع الابتكار وتحقيق التغيير (على سبيل المثال، من خلال اتباع إرشادات منظمة الصحة العالمية للصحة النفسية في العمل).

- تعزيز الوعي بالروايات المُلهمة (مثل إطلاق حملة تدعم أهمية صحة الموظف) وتعزيز الحوار للتحدث دون خوف من كلام الآخرين.

- تحديد المعايير التنظيمية للصحة النفسية والسلامة في مكان العمل (مثل تحديد العقوبات المُحتملة للمنظمات التي لا تمتثل لتلك المعايير).

وعلى سبيل المثال، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة مواقف وأعدّت طموحات واضحة فيما يتعلق بـ 90 مبادرة تدعم استراتيجيتها الوطنية لجودة الحياة. من بينها حزمة سياسة السعادة وجودة الحياة، والتي تحدد المبادئ التوجيهية والمتطلبات لجميع فئات المجتمع؛ إذ يعمل القائمون على البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة على تطوير برامج تُعزز الصحة والرفاهية في مكان العمل، حيث يجب على المشاركين الحصول على دورة متخصصة في السعادة وجودة الحياة، كما أن الحوار العالمي من أجل السعادة وجودة الحياة يؤدي إلى زيادة الوعي العام وتعزيز التوافق بين الحكومات والمنظمات. (لمزيد من المعلومات عن السعادة، انظر الجزء التالي "دور السعادة").

دور السعادة

من بين المشاركين في هذه الدراسة الاستقصائية، كانت أكثر الشكاوى التي تم الإبلاغ عنها والتي تؤثر على الصحة الاجتماعية والروحية، هي قلة الشعور بالسعادة بسبب كم الوقت الذي يقضيه الموظف في الأنشطة غير المتعلقة بالعمل (9% من المشاركين).

تُشير "السعادة" إلى الرضا أو الاتفاق القوي مع عبارة "أشعر بالسعادة في العمل معظم الوقت". فالموظفون الذين يصنفون أنفسهم على أنهم سعداء في العمل، هم أيضاً أكثر احتمالية بأن تكون لديهم علاقات قوية مع الآخرين في العمل، أو يشعرون بإحساس عام بقيمة الهدف (يرتبط بدرجات السعادة 0.29 و0.24 على الترتيب).

ولكن ماذا بعد السعادة وما أهميتها؟ وحيث لم نجد أي ارتباط مباشر بين الصحة البدنية والسعادة، يبدو أن الصحة الاجتماعية والروحية مرتبطة بشكل كبير بالسعادة. ويبدو أيضاً أنها مرتبطة بوجود إحساس قوي بشكل خاص بأهداف العمل والرضا عن العلاقات مع زملاء العمل. أتت نتائج أبحاث السعادة في المنطقة بارزة: وجد تقرير عام 2015 أن الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية كانت أسعد ثلاث دول من ناحية العمل في منطقة الشرق الأوسط. وهناك أحد المشاريع البحثية الحالية يهتم وينظر في آثار تنفيذ سياسة السعادة وجودة الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة.

دور الأساليب الناجحة في الحفاظ على بعض مجالات التركيز وتشجيع القادة على تقديم نماذج يحتذى بها وأهمية الملكية المستدامة

يُمكن للمنظمات دراسة الإجراءات التي تُعزز صحة الموظف ورفاهيته (انظر العمود الجانبي "دور المنظمات في نهج أسلوب مُمنهج لتحسين صحة الموظفين النفسية ورفاهيتهم"). بالإضافة إلى ذلك، يُمكن لكل موظف أن يدعم بشكل فردي الصحة النفسية والرفاهية، كما هو موضّح في الأمثلة أعلاه، ويتضمن هذا ثلاثة موضوعات مُشتركة:

-أولًا، ابدأ بالتشخيص: قد يساعد فهم المشكلة الأساسية في اختيار كيفية تحديد أولويات المشكلات الأكثر إلحاحاً، ومن أين تبدأ في معالجتها.

-ثانياً، اختر بعداً أو بُعدين من أبعاد الصحة للتركيز وحدّد الأهداف والأولويات المستهدفة بناءً على التشخيص: ما هي أكثر فرص التغيير تأثيراً، وما هي الرؤية الواقعية لاستراتيجية الرفاهية، مع مراعاة القيود التي تواجهها الشركة أو المؤسسة؟ على سبيل المثال، يتضمن تركيز ماجد الفطيم على مكان العمل التوسع في مجالات صحية مختلفة (مثل تحدي "الخاسر الأكبر" لتعزيز الصحة البدنية). وبالمثل، يمكن للأفراد التفكير في طرق لتبني عادات مثل الاستراحة اليومية أو التأمل. والهدف هو معايشة النجاحات السريعة قبل التعرض للضغوط بسبب ضيق الوقت أو الموارد المحدودة.

-ثالثاً، يجب على القادة أن يكونوا قدوة في التدخلات وأن يغيروا طرق العمل من الألف إلى الياء، وأن يقدموا التزاماً مستداماً بمرور الوقت. يساعد المبادرون الأوائل على جميع المستويات، في تسريع برامج التدخل والاستيعاب، ويمكنهم العمل كسفراء لزيادة الوعي بالأجندات والبرامج الصحية. على سبيل المثال، تستضيف الإمارات العربية المتحدة "الحوار العالمي للسعادة وجودة الحياة" لجمع الخبراء من جميع أنحاء العالم وتبادل أفضل الممارسات والخبرات. يوجد ممثلو "WeCare" التابعين لشركة ماجد الفطيم في كل متجر ويناقشون الاحتياجات المهنية والشخصية مع زملائهم. فالهدف لا يقتصر على وضع معايير جديدة لتحقيق الأفضل، ولكن أيضاً على العمل كعنصر إضافي للمنفعة العامة المشتركة.

على المستوى المجتمعي والتنظيمي، يلعب التزام القيادة دوراً حاسماً ليس فقط من حيث الموقف الواضح، ولكن أيضاً في العمل الفعلي. ومن الأمثلة على ذلك حملة توعية للسائقين التي بدأها إبراهيم الزعبي، مدير مسؤولي الاستدامة في شركة ماجد الفطيم. والهدف من ذلك هو إظهار تغيير حقيقي مدفوع بالغرض يحشد المجتمع والمؤسسة وجميع الموظفين وراء هدف مشترك.

وأخيراً، يجب ربط مقاييس الرفاهية بأداء الموظف والنتائج التنظيمية، وتتبعها دون كلل. ويجب أيضاً تقييم الأثر المجتمعي للمبادرات وتتبعه على المستوى الحكومي.

ليس من السهل القيام بالاستثمار لتحسين صحة الموظف ورفاهيته، وغالباً ما يعني الالتزام برحلة مع مرور الوقت. قد يؤدي هذا إلى مسار تصاعدي في الأداء الفردي والتنظيمي المستدام مع رب العمل وفي المجتمعات التي يعمل فيها الموظفون.


image
image