بينما يطالب الرؤساء التنفيذيون الموظفين بالعودة للعمل من المكتب، يبدو أن العمل عن بُعد سيصبح شكلاً ثابتاً للعمل بطريقة أو بأخرى، ولاحظ مطورو العقارات هذا الاتجاه حيث يصمم الكثير منهم الآن شققاً جديدة تأخذ متطلبات العمل عن بُعد بعين الاعتبار.
وكشف استقصاء أجرته شركة ماكنزي العام الماضي أن نحو 35% من أصحاب الوظائف في الولايات المتحدة قادرون على العمل عن بعد بدوام كامل، بينما يمكن لـ 28% فقط القيام بذلك لبعض الوقت، وفي الوقت نفسه، يتخلص العديد من الشركات من المساحات المكتبية الزائدة استجابة لتغير أنماط مكان العمل، حيث يجري العمل بشكل أقل في المكاتب وأكثر في منازل الموظفين.
وقد يمثل العمل عن بعد عبئاً في الشقق الصغيرة أو المصممة بطريقة لا تراعي نمط العمل هذا، إذ كان ذلك سبب معاناة الكثير من الموظفين العاملين عن بعد خلال الجائحة. وقال الرئيس التنفيذي لشركة الاستشارات إرنست آند يونغ (EY)، كارمين دي سيبيو، لفورتشن (Fortune) في نوفمبر/تشرين الثاني 2020: "هناك الكثير من الشباب الذين يقيمون في شقق صغيرة حول العالم، وإن العيش في شقة صغيرة في الوضع الحالي ليس الوضع الأفضل، ونتلقّى العديد من الاتصالات على خطوطنا الساخنة من أشخاص يطلبون المساعدة بشأن حالاتهم العقلية فقط".
شقق مصممة للعاملين عن بُعد
حالياً، يضع العديد من المطوّرين والمصممين العمل عن بعد في الاعتبار. حيث تصمّم شركة معمارية تدعى فيردانت ستوديوز (Verdant Studios) مشاريع سكنية متعددة العائلات بالقرب من المقر الرئيسي لشركة وول مارت (Walmart) في روجرز، أركنساس، وتركّز على الموظفين بنظام العمل عن بُعد والعمل الهجين، ويشمل ذلك توفير مساحات مجتمعية للعمل المشترك.
وقالت الرئيسة التنفيذية للشركة، جيسيكا هيستر، لمنصة توك بزنس آند بوليتيكس (Talk Business & Politics): "نصمم منازل تتضمن مساحات عمل منزلية بطرق لم نشهدها قبل الجائحة، فعلى سبيل المثال، أصبح ضمان حصول الأشخاص على مساحة مكتبية مُضاءة جيداً من أولوياتنا".
وأضافت إن الشركة تأخذ بعين الاعتبار أيضاً الطريقة التي ستظهر بها الوحدات السكنية في مكالمات الفيديو، إذ تقول: "لم نفكر قبل ثلاث سنوات بالشكل الذي ستظهر به الخلفية في مكالمات الفيديو على منصة زووم مثلاً، لكنها أصبحت من الجوانب التي نراعيها حالياً في تصميم هذا النوع من المساحات في الأماكن السكنية".
كما يجري بناء مشروع سكني حديث في برومفيلد بكولورادو بالقرب من دنفر، يُدعى ذا لوك آت فلاتيرونز أبارتمنت (The Lock at Flatirons Apartment)، وسوف يشمل وحدات للعمل المشترك. وبشكل مماثل، سيوفر مشروع سكني مستقبلي في غارلاند تكساس خارج مدينة دالاس مكوّن من 340 وحدة يسمى آي ثيرتي (iThirty) للقاطنين المستقبليين إمكانية الوصول إلى صالة للعمل عن بعد.
تقليل مساحات المكاتب
بالتوازي مع تلك التطورات، يتخلى العديد من الشركات الكبرى عن المساحات المكتبية التي أصبحت غير لازمة. فعلى سبيل المثال، ستتخلى شركة تومسون رويترز (Thomson Reuters) عن حرم مكتبي مترامي الأطراف في إيغان في توين سيتيز (مينيابوليس وسان بول في مينيسوتا) حيث كان يعمل نحو 5,000 موظف قبل الجائحة، وستستخدم الشركة مساحات مكتبية أصغر وأكثر مرونة مع وضع العمل الهجين بعين الاعتبار وفقاً لصحيفة ستار تريبيون (Star Tribune).
وفي العام الماضي، قال رئيس الخدمات القانونية في شركة تومسون رويترز (Thomson Reuters Legal Professionals) والمسؤول المشارك عن الموقع المحلي للشركة، بول فيشر: "نريد إنشاء بيئة عمل حديثة وحيوية وتعاونية للموظفين العاملين من المكتب توفر دعماً متكاملاً لطرقنا الهجينة في العمل". وأضاف: "نظراً لكثرة الأماكن الفارغة في مبانينا، فإن حرم المكاتب الخاصة بنا قد أصبح كبيراً جداً بالنسبة لحاجة الشركة".
أما في شركة سلاك (Slack)، التابعة لشركة سيلز فورس (Salesforce) في سان فرانسيسكو، فقد قال رئيس الموظفين روبي كووك الشهر الماضي إن معدل الإشغال في بعض مكاتب شركة سيلز فورس "ما يزال أقل بكثير من 20% ولم يتجاوز 10% في بعضها". وأضاف: "من الصعب حقاً تبرير امتلاك كل هذه المساحة".
وقال الرئيس التنفيذي لشركة سيلز فورس الذي انتقد في العام الماضي فرض العودة إلى المكتب، مارك بينيوف، إن العقارات "ستكون جزءاً رئيسياً" من محاولة عملاق البرمجيات لخفض التكاليف بما يصل إلى 5 مليارات دولار.