يزداد اعتماد العالم على تكنولوجيا الطاقة المتجددة بوصفها حلاً رئيسياً لمكافحة التغير المناخي والانتقال نحو مستقبل مستدام للطاقة. على مدى السنوات الأخيرة، كان ثمة تحول عالمي ملحوظ نحو استغلال مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية. تدرك الحكومات والشركات والأفراد الفوائد البيئية والاقتصادية لمصادر الطاقة المتجددة. ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليست بعيدة عن هذا التحول، مع وضع العديد من الدول استراتيجيات للطاقة الخضراء. على سبيل المثال، تهدف استراتيجية الإمارات للطاقة لعام 2050 إلى زيادة إسهام الطاقة المتجددة بمقدار 3 أضعاف واستثمار ما يصل إلى 200 مليار درهم إماراتي (54.5 مليار دولار) بحلول عام 2030 لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة في البلاد.
لماذا تتجه الإمارات نحو الطاقة المتجددة بصورة أكبر؟
تعتمد الإمارات حالياً على الطاقة الحرارية لمعظم إمداداتها من الكهرباء، وفي عام 2021 مثّلت هذه الطاقة 92.6% من إجمالي توليد الكهرباء. ولذلك فإن تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الطاقة الحرارية من أولوياتها الاستراتيجية. كما أن التحول إلى الطاقة المتجددة سيُمكّنها من تلبية 30% من احتياجاتها من الطاقة باستخدام الطاقة النظيفة بحلول عام 2030.
بوجه عام، فإن الانتقال إلى الطاقة المتجددة والتحول من الوقود الأحفوري يشكّلان السياسات والاستثمار في الشرق الأوسط. ومع وجود نحو 28 غيغاواط من القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة في شتى أنحاء المنطقة، لا تمثل مصادر الطاقة المتجددة سوى 7% من قدرة توليد الطاقة في المنطقة، كما ورد في تقرير صدر عن شركة ميد (Meed) عام 2021. ومع ذلك، مع انخفاض تكاليف التكنولوجيا، تخطط معظم البلدان لمشاريع للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والإمارات في الطليعة.
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حالياً التحدي المتمثل في تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن النفط والغاز، والحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مع الحرص على تلبية احتياجات أعداد السكان المتزايدة والاقتصادات الآخذة في التوسع. ولهذا فإن استضافة الإمارات لمؤتمر المناخ كوب 28 (COP28)، وهو أكبر وأهم مؤتمر دولي مخصص لتغير المناخ، لها أهمية كبيرة للعالم العربي، لأن هذا المؤتمر يمثل فرصة عظيمة لإيجاد حلول للتحديات الأكثر إلحاحاً في المنطقة.
إمكانات الطاقة الشمسية الكبيرة
من المتوقع أن تكون الطاقة الشمسية أكبر مصدر للطاقة النظيفة. ولحسن الحظ، تتمتع الإمارات بظروف مثالية لتوليد الطاقة الشمسية، فلديها بعض من أعلى معدلات التعرض لأشعة الشمس في العالم. تهدف الإمارات إلى توليد 50% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر خالية من الكربون بحلول عام 2050، بالاعتماد على الطاقة الشمسية الكهروضوئية بصورة أساسية.
على سبيل المثال، تخطط أبو ظبي لتركيب 5.6 غيغاواط من الطاقة الشمسية الكهروضوئية بحلول عام 2026، وتهدف دبي إلى توليد 75% من احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النظيفة (44% من مصادر الطاقة المتجددة) بحلول عام 2050 من خلال الطاقة الشمسية الكهروضوئية بصورة أساسية. تخصص الحكومة حالياً مساحات كبيرة من الأراضي لحدائق الطاقة الشمسية، سواء الكهروضوئية أو الطاقة الشمسية المركزة. وسيساعد ذلك على النشر السريع لمحطات الطاقة المتجددة في البلاد وتلبية الطلب المحلي.
بديل أقل تكلفة
وفقاً للأمم المتحدة، الطاقة المتجددة هي الخيار الأقل تكلفة في معظم أنحاء العالم اليوم؛ فأسعار تكنولوجيات الطاقة المتجددة تنخفض بسرعة، وقدانخفضت تكلفة توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بنسبة 85% بين عامي 2010 و2020. من المعروف أن طاقة الرياح البرية والطاقة الشمسية على نطاق المرافق هي المصادر الأقل تكلفة؛ فتكلفتها أقل من الغاز أو الطاقة الحرارية الأرضية أو الفحم أو الطاقة النووية. هذا هو الحال بوجه خاص في الإمارات العربية المتحدة والشرق الأوسط عموماً، إذ إن عوامل الاقتصاد الكلي على المستويين المحلي والعالمي تجعل الطاقة الشمسية ميسورة التكلفة للغاية مقارنة ببقية العالم.
كما هو الحال مع معظم التكنولوجيات، ستقل تكلفة الطاقة الشمسية مع استثمار المزيد من الأشخاص والكيانات فيها. ولذلك من المتوقع أن تنخفض أسعار الأجهزة المستخدمة في تكنولوجيا الطاقة الشمسية بمرور الوقت. وإلى جانب التمويل الجيد وازدهار مناخ الأعمال المحلية، يمكن أن يسهم ذلك في خفض الأسعار على المدى الطويل.
ما تأثير ذلك على سوق العمل؟
تقدّر الوكالة الدولية للطاقة أن خفض صافي الانبعاثات إلى مستوى الصفر سيؤدي إلى زيادة عامة في عدد وظائف قطاع الطاقة، إذ سيخلق هذا ما يقدَّر بنحو 14 مليون وظيفة جديدة في مجال الطاقة النظيفة. بالإضافة إلى ذلك، ستخلق الصناعات المرتبطة بالطاقة أدواراً جديدة في مجال تصنيع السيارات الكهربائية والأجهزة العالية الكفاءة، أو فيما يتعلق بالتكنولوجيات المبتكَرة مثل الهيدروجين.
من المتوقع أن تتكبد الاستثمارات في الطاقة المتجددة تكاليف كبيرة في البداية، ولكن الفوائد على المدى الطويل، مثل الاستقرار الاقتصادي والقدرة على تحمل تكاليف مصادر الطاقة، تجعل الاستثمار مجدياً. ستسمح مصادر الطاقة المتجددة للبلدان بتنويع اقتصاداتها وتقليل اعتمادها على الواردات، وأيضاً ستجعلها أقل تأثراً بتقلبات أسعار الوقود الأحفوري غير المتوقعة. وسيؤدي ذلك بوجه عام إلى تحفيز النمو الاقتصادي الشامل والتخفيف من حدة الفقر، والأهم أنه يمكن أن يبني نظاماً اقتصادياً أقل عرضة لصدمات السوق، وأن يحسّن القدرة على التكيف وأمن الطاقة.