خصصت الصين في السنوات القليلة الماضية عشرات المليارات بشكل "قروض طارئة" مبهمة للدول المعرضة للخطر، ما يشير إلى تحوّلها إلى تقديم قروض طارئة قصيرة الأجل بدلاً من قروض البنية التحتية طويلة الأجل.
وهذا تطوّر ضخم غير متوقع بعد مبادرة الحزام والطريق (Belt and Road Initiative) التي أطلقتها بكين في عام 2013 بقيمة 900 مليار دولار.
وقدمت بكين منذ عام 2017 قروضاً طارئة بقيمة 32.80 مليار دولار لسريلانكا وباكستان والأرجنتين وفقاً لمختبر أيد داتا (AidData) للأبحاث التابع لجامعة ويليام آند ماري (William & Mary) الأميركية، والذي يركّز على أنشطة التمويل العالمية للصين.
كما قدمت الصين قروضاً طارئة لأوكرانيا وبيلاروسيا، وفنزويلا والإكوادور، وكينيا وأنغولا إلى جانب لاوس ومصر ومنغوليا. وتعد علاقات الإقراض والائتمان الصينية في الخارج "غامضة على نحو استثنائي" وفقاً لباحثي البنك الدولي (World Bank) الذين كتبوا: "يطلب المقرضون الصينيون السرية التامة من المدينين ولا يعلنون عن تفاصيل دقيقة عن عمليات الإقراض".
لكن الباحثين وجدوا أن الجزء الأكبر من الإقراض الخارجي للصين -نحو 60%- موجّه حالياً إلى البلدان منخفضة الدخل الغارقة في أزمات ديون، أو المعرّضة لخطر كبير لتصبح كذلك، وإن توجّه بكين إلى قروض الإنقاذ قصيرة الأجل يسلّط الضوء على دورها المتنامي بصفة مقرض طارئ للدول الباحثة عن ملاذ أخير، ما يجعلها بديلاً عن صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund) المدعوم من الغرب.
ويشعر الخبراء بالقلق إزاء ما سيحدث بعد ذلك، حيث تواجه العديد من الدول التي اقترضت من الصين أزمة ديون غير عادية وسط انعكاسات التضخم والتغير المناخي. فعلى سبيل المثال، قال مسؤول باكستاني الأسبوع الماضي إن الفيضانات المأساوية التي اجتاحت معظم الدولة الجنوب آسيوية ستكلّفها ما يزيد عن 10 مليارات دولار.
قروض سرية
تهدف قروض بكين الطارئة للدول المعرضة للخطر إلى تجنب التخلف عن سداد قروض البنية التحتية التي قدمتها من خلال مبادرة الحزام والطريق، وذلك وفقاً لتقرير صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times).
وقال المدير التنفيذي لمركز أيد داتا، برادلي باركس، للصحيفة: "حاولت بكين إبقاء هذه البلدان في وضع آمن من خلال تقديم قروض طارئة متتالية دون مطالبة المقترضين بإعادة انضباط السياسات الاقتصادية، أو اتخاذ إجراءات لتخفيف الديون من خلال إعادة هيكلة منسقة مع جميع الدائنين الرئيسيين".
وواجهت الاقتصادات الناشئة في جميع أنحاء آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط صعوبة في سداد قروض مبادرة الحزام والطريق، حيث أدّت جائحة كوفيد-19 وحرب روسيا على أوكرانيا إلى تفاقم أزمة الغذاء والوقود وأزمات ميزان المدفوعات في هذه الدول، فما يقرب من 70% من أفقر دول العالم سوف تنفق نحو 52.80 مليار دولار هذا العام لسداد الديون، وتعد الصين وجهة لأكثر من ربع هذا المبلغ.
ويقول باحثو البنك الدولي إن هذا يعني أن الصين أصبحت الطرف الحكومي الأهم في إعادة التفاوض بشأن الديون السيادية العالمية، ولكن نظراً لأن المقرضين الصينيين يطلبون سرية تامة من المدينين ولا يفصحون عن تفاصيل دقيقة عن عمليات الإقراض، فإن هناك فجوة معرفية واسعة حول ما يحدث للمطالبات الصينية في حالة أزمة الدين والتخلف عن السداد، حسب ما كتبه الباحثون.
بديل صندوق النقد الدولي
قال الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي والرئيس الحالي للأسواق الناشئة العالمية وأبحاث الاستراتيجية في شركة أكسفورد إيكونوميكس (Oxford Economics)، غابرييل ستيرن، لصحيفة فايننشال تايمز إن الإقراض الطارئ للصين "فقط يؤجل موعد تحصيل الدين" للدول المثقلة بالديون التي قد تسعى للاقتراض من الصين وتتجنب صندوق النقد الدولي الذي "يطالب عادةً بإصلاحات اقتصادية جذرية".
وقد وقع كل من الصين وصندوق النقد الدولي في الأسبوعين الماضيين اتفاقيات إنقاذ مالي لسريلانكا وباكستان ودول أخرى، أو اقتربوا من التوقيع.
وفي الوقت نفسه، تعهدت بكين بالتنازل عن 23 قرضاً بدون فوائد لـ 17 دولة إفريقية، وستعيد توجيه 10 مليارات دولار من احتياطياتها في صندوق النقد الدولي إلى إفريقيا أيضاً.
وهناك دلائل حالياً على أن صندوق النقد الدولي يضغط على الدول المهددة بالخطر لتحقيق الشفافية الكاملة من أجل الحصول على التمويل، حيث قال باركس من معهد أيد داتا لصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست (South China Morning Post) الشهر الماضي إن صندوق النقد الدولي يضغط على الدول المقترضة للكشف عن تفاصيل عقود قروضها ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وقال باركس أيضاً إن صندوق النقد الدولي "ركّز على بنود الضمانات النقدية في عقود قروض مبادرة الحزام والطريق التي تمنح الصين أولوية قصوى في المطالبة بالعملات الأجنبية في البلدان المقترضة".
وتلتزم بعض الدول بالفعل بشروط القرض الأكثر صرامة، فعلى سبيل المثال، "شاركت باكستان التفاصيل مع صندوق النقد الدولي بالتشاور مع الجانب الصيني"، حسب ما قاله الزميل الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في إسلام أباد (Institute of Strategic Studies Islamabad)، محمد فيصل، لصحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست.
ومع ذلك، يتوقع باحثو البنك الدولي أن شهية الصين للتمويل والإقراض وتخفيف عبء الديون في الخارج تتجه للانخفاض، حيث يواجه المقرضون الصينيون ضغوطاً في الداخل والخارج، كما أن الاقتصادات الناشئة معرّضة لخطر "التوقف المفاجئ" للإقراض الصيني، ما قد يكون له آثار مضاعفة "ضخمة" في جميع أنحاء العالم.
[جرى تحديث هذا التقرير ليشمل فقرة أخيرة حول توقعات باحثي البنك الدولي].