المحتوى محمي
المحتوى محمي
مقابلة

الشريك المؤسس لشركة إنفوسيس، ناندان نيلكاني، في حوار مع فورتشن: هذا هو الوقت الأفضل لتصبح رائد أعمال

يقدم نيلكاني بعض النصائح حول إعادة النظر في بعض الأساليب التقليدية التي نستخدمها لقياس التضخم، وكيف ينبغي لنا التمييز بين مصالح أصحاب المصلحة والمساهمين، وكيفية تسريع النمو دون إفساد سير العمليات.

بقلم


money

ناندان نيلكاني، الشريك المؤسس لشركة إنفوسيس (مصدر الصورة: فورتشن العربية)

في 1981، أسس سبعة رواد أعمال، يطلقون على أنفسهم مجموعة الجوكر، شركة إنفوسيس (Infosys) في الهند، وهي حالياً واحدة من أكبر الشركات التكنولوجية في العالم. 

نمت إنفوسيس حتى تحولت إلى شركة عالمية عملاقة بقيمة 17.94 مليار دولار، وحصتها السوقية تبلغ قرابة 65 مليار دولار.

وقد كان ناندان نيلكاني، أحد أعضاء مجموعة الجوكر السبعة، آخر من يتنحى عن منصب رئيس مشارك في مجلس إدارة الشركة في 2009، وعاد إليها في 2017 ليشغل منصب رئيس مجلس الإدارة غير التنفيذي. 

ومنذ ذلك الحين، كان نيلكاني وشركاؤه المؤسسون يعملون على تأسيس مشاريع أخرى، ويحدثون أثراً في مجتمعهم والعالم بأسره، على غرار مافيا باي بال.

وفي هذه المقابلة مع فورتشن العربية، يبادر نيلكاني إلى إطلاع رواد الأعمال في الدول النامية والعالم بأسره، على ما في حوزته من معرفة وحكمة حول الدروس التي يمكن أن نستقيها من التاريخ بوصفه مؤسساً لإحدى الشركات العالمية.

يقدم نيلكاني بعض النصائح حول إعادة النظر في بعض الأساليب التقليدية التي نستخدمها لقياس التضخم، وكيف ينبغي لنا التمييز بين مصالح أصحاب المصلحة والمساهمين، وكيفية تسريع النمو دون إفساد سير العمليات.

فورتشن: هلّا حدثتنا عن المراحل التي مرت بها رحلة بناء شركة عملاقة مثل إنفوسيس؟ وما الدروس التي استنتجتها، وما النصائح التي يمكنك توجيهها لرواد الأعمال في الدول النامية؟

نيلكاني: أنا أحد مؤسسي إنفوسيس، وقد أطلقنا الشركة بقيادة نارايانا مورثي في يوليو/تموز عام 1981. وفي ذلك الوقت، أصبحت مؤسساً شريكاً في الشركة بعمر 26 سنة فقط. وكان حلمنا بناء شركة برمجيات مُحترمة على مستوى العالم، وهذا ما شرعنا بتحقيقه. واليوم، وبعد 42 سنة، أصبحت إنفوسيس كما تعلم، شركة ضخمة تُقدر عوائدها بنحو 18 مليار دولار، ويعمل فيها 300,000 موظف تقريباً، وبقيمة سوقية تقارب 65 مليار دولار.

وقد أصبحت واحدة من كبرى الشركات في العالم على صعيد التحول الرقمي والاستشارات الرقمية. كانت رحلة طويلة للغاية، وتعلمتُ خلالها أن بناء الشركة هو نشاط طويل الأمد، وهو أقرب إلى سباق الماراثون منه إلى سباق المسافات القصيرة. ويتوجب عليك أن تعمل على اجتذاب أشخاص بكفاءات ممتازة كي يعملوا معك، ويجب أن تحافظ عليهم. ويجب أن تدير الشركة وفق أعلى معايير حوكمة الشركات والشفافية. ويجب أن تركز على العملاء بصورة فائقة، وأن تكون صبوراً في انتظار النتائج الإيجابية. كما تعلم، ثمة مكافآت لا يمكن الحصول عليها منذ البداية، وإنما عليك أن تكون مستعداً لانتظارها. هذه هي بعض الدروس التي تعلمتها. 

فورتشن: يتابع الناس في العالم الثالث بعض الشركات التي تحقق إنجازات ضخمة مثل إنفوسيس، كما يتابعون أيضاً نجاح بعض الشركات الجديدة التي أصبحت أحادية القرن "يونيكورن" وتجاوزت قيمتها المليار دولار، مثل سوق دوت كوم (Souq.com) أو كريم (Careem). ما العناصر التي تفتقد إليها الشركات الأخرى كي تصل إلى المستوى العالمي الذي وصلت إليه هذه الشركات؟ 

نيلكاني: أعتقد أن الكثير من الشركات يمكن أن تصل حالياً إلى المستوى العالمي. ويوجد في الهند أكثر من 100 شركة ناشئة أحادية القرن تتجاوز قيمة كل منها المليار دولار. كما أنه ثمة بعض الشركات الرائعة في الشرق الأوسط، والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة، وفي العديد من البلدان النامية. ولهذا، أعتقد أن الشركات الرائعة لم تعد محصورة ببضعة بلدان وحسب. وأعتقد أننا نؤمن جميعاً بأن وجود الشركات الجيدة يؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتكوين الثروات، وغير ذلك. ومن ثم، فإنني أعتقد أن ظهور المزيد والمزيد من الشركات في تلك المناطق ليس سوى مسألة وقت فحسب. 

فورتشن: هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، يقولون على الدوام: "يجب أن نفكر ونطمح دوماً إلى العالمية". هلا شرحت لنا هذه العقلية التي تقوم على التفكير للوصول إلى المستوى العالمي؟ 

نيلكاني: أعتقد أن على الجميع التفكير بهذه الطريقة. ففي إنفوسيس، لطالما كنا نفكر على المستوى العالمي، ولطالما نظرنا إلى العالم بأسره على أنه سوق كبيرة. ومن المؤكد أن الأسواق المحلية الداخلية في مناطق وبلدان مثل دبي والإمارات العربية المتحدة، دخلت مرحلة التطور. ولهذا، يجب أن تنظر إلى العالم على أنه سوق كبيرة إذا رغبت بتحقيق النمو. أعتقد أن العولمة تخدم المصالح العالمية. وعلى سبيل المثال، فإن الهند هي إحدى الاقتصادات الناشئة التي تقوم بلدان أخرى بخلق فرص العمل فيها للملايين من الهنود، سواء كانت تتطلب العمل بشكل شخصي أو عبر الإنترنت. ولهذا، أعتقد أن التفكير على المستوى العالمي أمر لا بد منه، سواء في الهند أو في دبي. 

فورتشن: قال المؤسس الشريك نارايانا مورثي إنه أخضعك لاختبار معدل الذكاء وغير ذلك من الاختبارات عندما أجرى معك مقابلة لأول مرة للتوظيف في إنفوسيس. ما هي أفضل نقاط القوة التي رافقتك وكانت عاملاً مساعداً لك طوال هذا الوقت؟

نيلكاني: أعتقد أن إحدى نقاط قوتي هي الاستعداد الدائم للتعلم. أنا فضولي بطبيعتي. وفي كل يوم جديد، أحاول أن أتعلم شيئاً جديداً، سواء من الآخرين، أو عن طريق القراءة. ساعدتني هذه النزعة الفطرية للفضول المعرفي على مجاراة جميع التطورات. وهي إحدى الصفات المميزة التي أمتلكها وأستثمرها في القطاعين العام والخاص على حد سواء. ولهذا، فإن التحلي بعقلية منفتحة للغاية في سبيل التعلم يجسّد معنى أن تكون فضولياً، ومن المهم للغاية معاملة الآخرين على قدم المساواة. 

فورتشن: هل ما زلت تتعلم حتى الآن؟ 

نيلكاني: أجل. أنا أتعلم من خلال التحدث معك الآن. 

فورتشن: يُقال إنك قارئ نهِم. كيف ساعدتك القراءة، وما النهج الذي تتبعه في القراءة وفي تطبيق ما تعلمته؟

نيلكاني: أنا أقرأ الكثير حول كل شيء بطبيعة الحال، وأقرأ جميع المجلات والمنشورات المهمة، بما فيها فورتشن. وأحرص، بصورة يومية وأسبوعية، على الحصول على أحدث المعلومات المنسقة والمختارة بعناية من أهم المجلات ومنصات النشر، وذلك تمهيداً لقراءتها تباعاً. وهو ما يساعدني على مجاراة جميع التطورات والأحداث الحالية. ولكنني أقرأ الكتب أيضاً، مثل كتب التاريخ، والكتب التي تتحدث عن الاستراتيجيات. وحالياً، أقرأ كتاباً بعنوان "حرب الشرائح الإلكترونية" (Chip War)، ويتحدث عن صناعة أنصاف النواقل. ولكنني في الوقت نفسه، أقرأ أيضاً كتاباً حول وصول الإنجليز إلى بلاط المملكة المغولية قبل 400 سنة. وبالتالي، يمكنني من خلال قراءة الكتب التي تتحدث حول الموضوعات الحالية والتاريخية أن أوسّع نظرتي إلى درجة كبيرة، وهو ما أقوم به طوال الوقت.

كما ألّفت ثلاثة كتب؛ كتابي الأول بعنوان "تخيل مستقبل الهند" (Imagining India)، ويقدم نظرة شاملة على الأفكار التي تدور في الهند حول ما يجب تغييره، ويحمل كتابي الثاني، الذي ألفته بالاشتراك مع فيرال شاه (Viral Shah)، عنوان "إعادة إقلاع الهند" (Rebooting India)، ويتحدث عن كيفية إحداث تحول شامل في الهند باستخدام التكنولوجيا، أما كتابي الأحدث، "فن الحذر الرقمي" (The Art of Bitfulness)، فقد ألفته بالاشتراك مع تانوج بوجواني (Tanuj Bhojwani)، ويتحدث عن ضرورة حفاظ الإنسان على الهدوء والتنظيم الذاتي في العالم الرقمي الذي يعج بالتقلبات الفجائية ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا الكتاب، تحدثنا عن ضرورة تصميم تكنولوجياتنا بشكل متوافق مع حياتنا، وإلا ستقوم جهات أخرى بتصميم مناحي حياتنا بشكل متوافق مع تكنولوجياتها. 

فورتشن: عندما كنتَ شديد الانشغال في خضم عملك على بناء إنفوسيس مع زملائك، هل كنت تجد وقتاً للقراءة؟ كيف تمكنت من تحقيق هذا الأمر؟ 

نيلكاني: مهما كانت درجة انشغالي، أحرص على تخصيص بعض الوقت للقراءة يومياً، إما في الصباح الباكر وإما في وقت متأخر من الليل. أنا فضولي للغاية بطبيعتي، وأرغب على الدوام بتعلّم أشياء جديدة، وهو أمر مفيد للغاية بالنسبة لي. 

فورتشن: هل لديك أي توصيات حول الكتب التي يجب أن يقرأها رجال الأعمال في الوقت الحالي؟ 

نيلكاني: أعتقد أنني أميل إلى قراءة الكتب غير الأدبية في أغلب الأحيان. أنا لا أقرأ الكثير من الروايات. وأفضل الكتب التي تتحدث عن مواضيع معاصرة. وكما ذكرت سابقاً، فإن كتاب حرب الشرائح الإلكترونية، على سبيل المثال، يوضح الكثير من المسائل، بدءاً من القضايا الجيوسياسية وصولاً إلى مشاكل أنصاف النواقل. يجب أن نحافظ على تواصلنا مع ما يجري في العالم. أيضاً، أنا أقرأ حالياً كتاباً عن عائلة ساسون (Sassoon)، وهي عائلة شهيرة في مجال الأعمال على مستوى العالم، وقد بدأت عملها في العراق، وانتقلت لاحقاً إلى الهند. ومن الهند، انتقلت إلى شنغهاي ولندن. بالنسبة لي عملياً، فإن القراءة حول الماضي تساعدني على استيعاب ما يحدث في العالم في الوقت الحاضر. 

فورتشن: ذكرتَ أنك قرأت الكثير حول أشباه الموصلات. هل دفعك الفضول إلى القراءة حول هذا الموضوع، أم أنك تخطط لمشروع ما في هذا المجال؟ 

نيلكاني: كلا، إن دافعي الوحيد هو الفضول، لأن أشباه الموصلات في الوقت الحالي يمكن أن تحدد مستقبل العالم. تقع أكبر شركة لإنتاج شرائح أشباه الموصلات، تي إس إم سي (TSMC)، في تايوان، كما أن سامسونغ (Samsung) شركة أخرى من الشركات الضخمة في مجال أنصاف النواقل في كوريا. وفي الواقع، فإن إحدى أكبر الشركات المستقلة المصنعة لأشباه الموصلات، غلوبال فاوندريز (GlobalFoundries)، مملوكة لشركة مبادلة (Mubadala) الإماراتية في أبوظبي. ولهذا، أعتقد ببساطة أنني أحب قراءة مثل هذه المعلومات كي أحسّن فهمي للعالم وما يحدث فيه. 

فورتشن: بعد 40 سنة في إنفوسيس، قلت: "أنا الجوكر الأخير" في الشركة. ما الذي تعنيه بهذا القول؟

نيلكاني: تأسست إنفوسيس على يد سبعة مؤسسين، وكان نارايانا مورثي قائد المجموعة. أما الآن، فقد تقاعد المؤسسون الستة الآخرون جميعاً في إنفوسيس، وأنا المؤسس الأخير الذي بقي فيها. ولكن هذه الإشارة بعينها إلى مجموعة الجوكر (أو الأشخاص الطموحين) تعود إلى سنوات عديدة، عندما قال مورثي إن أهم شيء في إنفوسيس هو ضمان قدرة أي "جوكر" من هذه المجموعة على إطلاق شركة وتحقيق النجاح. ومن ثم، فإن هذا يعني أنه يمكن لأي شخص عادي أن يصبح رائد أعمال أيضاً. إن ريادة الأعمال لا تقتصر على الشركات العائلية أو ما شابه ذلك. فأي شخص عادي يمكنه أن يصبح رائد أعمال. وفي هذا السياق قلت إنني آخر من تبقى في الشركة من المؤسسين، وعندما أتقاعد في السنوات المقبلة، أرغب في أن يتولى إدارة الشركة بالكامل أشخاصٌ محترفون. 

فورتشن: إذاً، نحن نستخدم هنا مصطلح "جوكر"، على غرار مصطلح "مافيا" في باي بال (PayPal). ما الخطوات التالية التي تتوقع من مجموعة الجوكر في إنفوسيس الإقدام عليها؟ 

نيلكاني: في الواقع، لقد انصرف جميع المؤسسين للقيام بأشياء أخرى. فمورثي على سبيل المثال، يدير صندوقه الاستثماري الخاص كاتاماران (Catamaran)، كما أنه عضو في مجالس إدارة عالمية في بعض المؤسسات الربحية وغير الربحية. أما شيبولال وكريس فهما يديران مسرّعة أعمال، إضافة إلى الكثير من الاستثمارات، في حين يركز دينيش على الأعمال الخيرية. نحن نقوم بالكثير من الأشياء خارج نطاق إنفوسيس لمساعدة الهند والعالم.

فورتشن: عندما تتأملون تجربتكم مع إنفوسيس، ما الأشياء التي كنتم ستفعلونها بصورة مغايرة فيما لو أُتيحت لكم الفرصة لتكرار تلك التجربة؟

نيلكاني: إذا نظرنا إلى الماضي، أعتقد أننا كنا سنزيد من جرأتنا، وأعتقد أنه كان يتوجب علينا أن نكون أكثر جرأة وسرعة. فقد أسسنا إنفوسيس في 1981، ولم نبدأ بتوسيع نطاق العمل وزيادة زخمه قبل 1992، أي بعد التأسيس باثني عشر عاماً بالمعنى الحرفي. لقد استغرق الأمر منا وقتاً طويلاً، وكنا مترددين بعض الشيء في اتخاذ خطوات جريئة. إضافة إلى أنه لم يتوفر لدينا ما يكفي من رأس المال في تلك الفترة. ولهذا، قمنا بزيادة رأس المال من الأرباح. وبما أن تحقيق الربح على الدوام مسألة في غاية الأهمية، كنا مضطرين للتركيز على الأرباح على الدوام. 

فورتشن: ما وجهة نظرك حول متلازمة المؤسس، وما النصيحة التي توجهها للمؤسسين الذين يجدون صعوبة في فهمها، وما الدلائل التي تشير للمؤسسين أنه حان الوقت ليتخذوا قرار التنحي؟

نيلكاني: أعتقد أن الاختبار الحقيقي لوجوب تنحي المؤسس هو التالي: هل ستصبح الشركة أفضل بعد هذه الخطوة؟ لأن المسألة لا تتعلق بالمؤسسين أنفسهم في نهاية المطاف، بل ببناء مؤسسة. ويجب على المؤسسات أن تدوم بعد تنحي المؤسسين، وأن تواصل تقديم أداء جيد. هذا أمر فائق الأهمية. ثمة العديد من الشركات القائمة التي تأسست قبل مئات السنوات في هذا العالم، وما زالت تعمل بشكل جيد، وهذه النوعية من المؤسسات الناجحة هي ما يتوجب علينا بناؤه. ولهذا، يجب على المؤسس أن يعمل بشكل فعال على إرساء دعائم القيادة والإدارة التي تضمن مستقبل الشركة. جميعنا نتقدم في السن وتتراجع قوانا. وبطبيعة الحال، سيتراجع أداؤنا جسدياً وعقلياً. ولهذا، أعتقد أنه من المهم أن يقوم المؤسس ببناء استراتيجية لخلافته في الإدارة وهو في أوج قوته، وهو ما أحاول فعله في إنفوسيس. 

فورتشن: تكمن المشكلة في بعض الأحيان في ميل المؤسسين إلى الكمال، إلى درجة تجعلهم لا يثقون بأي شخص آخر لتسليمه الإدارة. ما رأيك بهذا الأمر؟

نيلكاني: لقد رأيتُ ما يحدث مع المؤسسين. رأيت مؤسسين شديدي الشغف تجاه الشركة، لأنهم بنوا الأهداف والمُثل العليا التي تمثل أساس تلك الشركة، ولهذا فهم غير قادرين على تقبّل أي شائبة في العمل، أو تقبل شخص ما يعمل بطريقة مختلفة. وهكذا، فإنهم يصبحون مقيدين بالشركة. ولذلك، يتوجب علينا أن ننفصل عن الشركة، ونتركها في عهدة قادة آخرين. من المحتمل أن يعملوا بطريقة مختلفة عنا. ومن المحتمل أن يقودوا الشركة إلى اتجاه مختلف، ولكنني أعتقد أننا يجب أن نتقبّل هذا الأمر. 

فورتشن: هل يسألك بعض زملائك، من المشاركين في تأسيس شركات أخرى والذين ما زالوا يشغلون مناصبهم فيها، عن قرارك بالتنحّي بين الحين والآخر؟ وبماذا تجيبهم؟ 

نيلكاني: أقول لهم إننا جميعاً بشر، ومصيرنا هو الفناء. نحن جميعاً موجودون في هذا العالم لوقت محدود فقط. وأفضل خدمة يمكن أن نقدمها لشركاتنا هي أن نتركها في حالة جيدة كي يتمكن قادة المستقبل من جعلها أفضل مما هي عليه. فنحن لسنا محور الأهمية، بل المؤسسة هي بيت القصيد. 

فورتشن: قرأنا مؤخراً أن ناندان نيلكاني وجّه نداء إلى رواد الأعمال والقادة في قطاع التكنولوجيا على مستوى العالم قائلاً: "استخدموا التكنولوجيا بما يعود بالنفع على الناس". كيف تتخيل تعزيز مفهوم مصالح الأطراف المعنية في مقابل مصالح المساهمين بشكل عملي؟

نيلكاني: أعتقد أن إدارة الشركة يجب أن تكون موجهة لتحقيق مصالح جميع الأطراف المعنية، ولا شك في أن المستثمرين لديك هم الأهم في تحقيق عوائد جيدة للمساهمين. ولكن، علينا أن نحرص أيضاً على حسن معاملة الموظفين، وتقديم رواتب جيدة لهم، وتعزيز شعورهم بأهمية عملهم وإنجازاتهم. يشارك موظفونا في عملية خلق القيمة المشتركة عبر خيارات الأسهم وهلم جرّاً. وبطبيعة الحال، فإن الشركة لديها دور تؤديه على صعيد المجتمع. ولهذا، يجب أن نحرص على إيلاء الاهتمام بالجوانب المتعلقة بالمجتمع والبيئة والاستدامة. ويجب أن نحرص على أن نكون مفيدين للمجتمع من حولنا. ولهذا، أعتقد أن وجود أهداف كهذه أمر فائق الأهمية للشركة. فوجود أهداف واضحة والسعي نحو تحقيقها أمر فائق الأهمية بالنسبة للشركات. ولكن في حالتي على وجه التحديد، فقد قمت بتحقيق هذه الأهداف فعلياً من خلال ترك الشركة. لقد عملت في الحكومة الهندية. وكنت في موقع متقدم في عملية بناء البنية التحتية الرقمية لبلدنا، الموجهة خصيصاً لخدمة 1.4 مليار نسمة باستخدام التكنولوجيا لتحسين المجتمع. ومن المناصب التي شغلتها في هذا العمل كان منصب رئيس مجلس الإدارة المؤسس لهيئة أويداي (UIDAI)، "منفذة مشروع آدهار (Aadhaar) وهو رقم تعريف فريد لكل مقيم في الهند"، التي تقدم هوية رقمية لجميع سكان الهند، وواجهة المدفوعات الموحدة (UPI)، والكثير من الأعمال الأخرى خارج نطاق إنفوسيس. 

فورتشن: لقد قلت أيضاً: بدأت أدرك، على نحو متزايد، أن التفكير الاستراتيجي لا يعني الاتجاه نحو خيار استراتيجي معين، بل إيجاد المرونة التي تتيح الاتجاه نحو جميع الخيارات. ما المعنى العملي لهذه الفكرة؟

نيلكاني: أعتقد أننا نعيش في عالم يصعب التنبؤ بما سيحدث فيه. ويكفي أن تنظر إلى ما حدث في السنوات الخمس أو العشر الأخيرة. فقد شهدنا أزمة مالية في 2009، واحتجنا إلى وقت طويل للعودة إلى وضع مستقر. وشهدنا بعدها فترة من الوفرة الهائلة في السيولة، وانخفاض في معدلات الفائدة، والتيسير الكمّي، وغير ذلك. وبعدها، ظهرت جائحة كوفيد-19، واضطررنا إلى البقاء في منازلنا لسنتين. وبسببها، تعرضت سلاسل التوريد إلى الاضطراب، ما أدى إلى ظهور التضخم، والذي أدى بدوره إلى ارتفاع معدلات الفائدة. وبعد ذلك، اندلعت الحرب في أوكرانيا.

ولهذا، كما ترى، فنحن نعيش في عالم متقلب يشهد تغيّرات متواصلة دون توقف. وأعتقد أن التحلي بالمرونة العالية عامل في غاية الأهمية، لأننا لا نعرف ما سيحدث في المستقبل. ولهذا، فإن الاستراتيجية لا تعني التصلب في اتخاذ القرارات، ولا تعني اتخاذ خيارات محددة وفق خطوات محددة، بل عليها أن تتيح لنا المرونة والسرعة في اتخاذ القرارات أياً كان الاتجاه الذي نسلكه. ومن ثم، وبناءً على مدى التغيرات التي تحدث، فإننا سنحدد عندئذ الخيار الذي سنسلكه، ولكن علينا تحديد هذا الخيار بناءً على معطيات العالم الحقيقي. ولهذا، أعتقد أن الاستراتيجية المناسبة لهذا العصر هي أن ندير شؤوننا وأعمالنا بدرجة عالية من المرونة. 

فورتشن: ذكرت الأسواق المتقلبة والأحداث التي شهدها العالم مؤخراً، فمن خلال ما تعلمته على مدى سنواتك الطويلة في العمل، وفي ضوء ما شهدته من بعض الأزمات المالية وأزمات الديون، العالمية منها وربما المحلية أيضاً، ما توقعاتك بشأن تأثير الأحداث الأخيرة على الاقتصاد العالمي؟ 

نيلكاني: لست عرّافاً بطبيعة الحال، ولكنني أعتقد أن هذا الوضع سيبقى مستمراً. وأعتقد أن العوامل الجيوسياسية ستستمر في التأثير بدرجة كبيرة على جميع أعمالنا، وستبقى معدلات الفائدة مرتفعة. أما بالنسبة للتضخم، فقد كان الهدف لفترة طويلة الحفاظ على نسبة التضخم بمقدار 2%، وهذا ما أراده محافظو البنوك المركزية. ولكنني أعتقد شخصياً أن معدلات الفائدة ستصبح أعلى من هذا. وقد يكون من الأفضل التخلي عن معيار 2% واستخدام معيار 4% بديلاً عنه.

ومن ناحية أخرى، فإن الحضور المؤثر للتكنولوجيا على الساحة العالمية أصبح موضوعاً مهماً للغاية؛ فالإنجازات التكنولوجية تؤثر على العالم بوتيرة عالية للغاية، وبطرق يصعب التنبؤ بها. وعلى سبيل المثال، لو قال شخص ما في أكتوبر/تشرين الأول الفائت إن منتَجاً سيظهر باسم تشات جي بي تي (Chat GPT)، وإن هذا المنتج سيستقطب 100 مليون مستخدم خلال شهرين وحسب، لما صدقته، ولكن هذا ما حدث بالضبط. إذاً، نحن نجهل ما سيحل بالعالم غداً، ولهذا لا نستطيع الإفراط في وضع الخطط لكل شيء، ولكن علينا أن نضع خططاً لاكتساب المرونة وسرعة الاستجابة كي نظل قادرين على إنجاز عملنا، مهما كانت التغيرات العالمية. 

فورتشن: هل تنصح بعدم رفع معدلات الفائدة بعد الآن؟ 

نيلكاني: أعتقد أنه أحد الخيارات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، لأننا نرغب من جهة بتخفيف التضخم. والوسيلة الوحيدة لتخفيف التضخم هي زيادة معدلات الفائدة. ولكن، إذا بالغنا في رفع معدلات الفائدة، يمكن أن ندفع بالاقتصاد نحو الركود. إضافة إلى هذا، فقد شهدنا ظاهرة جديدة تترافق مع ارتفاع معدلات الفائدة، وهي تراجع قيمة السندات.

وقد رأينا تأثير هذه الظاهرة على الميزانيات العمومية للبنوك، لأن الكثير من أصول البنوك موجودة على شكل سندات حكومية، وهذه السندات تفقد جزءاً من قيمتها مع ارتفاع معدلات الفائدة وعند وجود عمليات مكثفة من سحب الودائع، ثم يتعين عليها بيع هذه السندات بشكل خاسر، ما يؤدي إلى تآكل رؤوس أموالها. وهذا ما حدث في بنك وادي السيليكون، ما أدى في نهاية المطاف إلى تصفيته. ولهذا، أعتقد بشكل أساسي أننا نشهد الكثير من الآثار التي يصعب علينا التنبؤ بها. ويجب أن نكون حذرين للغاية في السنوات المقبلة. 

فورتشن: في كل مرحلة من مراحل النقلات التكنولوجية، أو حتى كل عقد من الزمن، قد يقول الشباب إنهم كانوا قادرين على تأسيس شركة ناشئة رائعة لو عاد بهم الزمن عشر سنوات إلى الوراء. والآن، أصبحت المنافسة أشد، ما يدعو إلى توجيه السؤال التالي إليك وإلى جميع أقرانك: ما وجهة نظرك حول فرص ريادة الأعمال والشركات الناشئة، والتحديات التي تختلف اليوم عما كانت عليه قبل 20 أو 30 سنة؟ 

نيلكاني: لطالما شهدت فترات الظروف الصعبة نشوء شركات ناجحة. فقد أُسست شركتا جوجل وأمازون خلال أزمة شركات الإنترنت (في نهاية التسعينيات). أما فيسبوك فقد ظهرت خلال الأزمة المالية العالمية. ومن ثم، فإن الشركات قادرة على تحقيق النجاح في أي وقت، حتى عندما تبدو الظروف سيئة. كما أن الابتكار أمر مهم للغاية، مثلما نرى ما يحدث حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يُعد مثالاً رائعاً؛ فالشركات الكبرى، والشركات التكنولوجية الكبرى، وظفت لديها الآلاف من خبراء الذكاء الاصطناعي.

ولكن في نهاية المطاف، فإن تشات جي بي تي الذي يُعد أهم هذه الابتكارات، كان نتاج مجموعة صغيرة في شركة أوبن أيه آي (OpenAI)، ولهذا، فإن الأفراد هم الأساس لتحقيق الإنجازات. تميل الشركات الكبرى في بعض الأحيان إلى البطء والبيروقراطية في العمل، ولهذا فهي تدرك أن بعض الابتكارات قد تكون نتاج شركة جديدة، وهو ما شهدناه مؤخراً. 

فورتشن: عندما تتحدث مع الشباب في الهند أو أي مكان في العالم، كيف تصف لهم زمنهم الحالي عادة؟ لأن لدي تصوّراً بأن بعضهم يقول لك إن ما دفعك إلى تأسيس إنفوسيس هو أن تلك الفترة كانت تعاني ربما من فراغ في التكنولوجيا أو البرمجيات، وإنهم يتمنون لو كانوا موجودين في تلك الفترة. كيف ترد عليهم؟ 

نيلكاني: أعتقد أن الفترة الحالية هي الأفضل لمن هم في عمر الشباب ولمن يرغبون في أن يصبحوا رواد أعمال، فثمة الكثير من الفرص. وفي بعض الأحيان، فإن حالة عدم اليقين وغياب الاستقرار بحد ذاتها تؤدي إلى ظهور الفرص. ولهذا، فنحن نمر بمرحلة مثالية لمن يرغب في أن يصبح رائد أعمال، وأنا أتمنى النجاح للجميع. وأعتقد أننا سنشهد ظهور الكثير من الشركات الناجحة. 

فورتشن: لقد تعلمنا الكثير من إنفوسيس من خلال دراسات الحالة المنشورة في هارفارد بزنس ريفيو. هلّا لخّصت لنا ثقافة إنفوسيس وأسلوب الإدارة فيها؟

نيلكاني: أهم نواحي هذه الثقافة هي السعي الدائم نحو الامتياز، والعمل لتحقيق النجاح على المدى البعيد، وعدم استعجال الحصول على النتائج الإيجابية، وبناء فريق رائع يضم أشخاصاً مميزين، ومشاركة الثروة، والتحلي بالطموح الممزوج بالجرأة لإنشاء شركة محترمة، والحفاظ على المرونة في الاستراتيجية. هذه بعض الأشياء التي أرغب في أن يستفيد منها الجميع بناءً على تجربتنا في إنفوسيس. 

وأعتقد أننا ندرك جميعاً، مع تقدمنا في السن، أنه ربما كان يجب أن نكون أقل تركيزاً في العمل، وأن نكون أكثر توازناً، وأن نمضي المزيد من الوقت مع عائلاتنا وأصدقائنا. ولكن، كما تعلم، لا تخلو حياة أي شخص من بعض الأمور التي يشعر بالندم إزاءها. ولكنني أعتقد أن تغيير الماضي أمر مستحيل، ولا يمكننا سوى أن نغير المستقبل. ولهذا، يجب أن نتعلم من أخطائنا، ونحسّن حياتنا في المستقبل. 

فورتشن: ماذا عن الشعار الشهير الذي يدعو رواد الأعمال إلى التحرك بسرعة وارتكاب الأخطاء؟ هل تقول لرواد الأعمال الجدد "تمهلوا قليلاً"؟

نيلكاني: أعتقد هذا. يجب أن نكون أكثر حرصاً. لا شك في أهمية التحرك السريع، ولكن يجب أن نتعلم كيف نتحرك بسرعة وبأقل قدر ممكن من الأخطاء. يجب أن نتحرك بسرعة، ولكن يجب أن نحافظ على الأمور المهمة في الوقت نفسه، ونحرص في نهاية المطاف على تأمين نتائج أكثر استقراراً للمستقبل.


image
image